فن كتابة:
نِينا بتستغرب لما حد مايضربهاش!
+ هذا العنوان إفادة قالها برتولد بريخت في مسرحيته "دائرة الطباشير القوقازية" بلغته الألمانية وترجمها الدكتور عبد الرحمن بدوي إلى العربية ثم نقلها صلاح جاهين إلى صياغة عامية مصرية بكل هذا الظُرف الذي تقرأونه حضراتكم أعلى الكلام.
"نِينا" هي ماكان بريخت يقصد بها بلاده التي شخّص حالتها، وجاءت بصياغة صلاح جاهين، أنها: "المنهوبة، المضروبة، المتّاخد في الحرب ولادها.......نينا بتستغرب لمّا حد مايضربهاش!"، والتشابه، كما هو واضح للعين الدامعة والقلب المجروح، يستحضر لنا "نينتنا"؛ مصرنا الغالية التي "قاست وتقاسي"، كما قال مصطفى كامل باشا منذ أكثر من مئة عام: "أشدّ العذاب على مشهد منكم يا أعز بنيها ويا نُخبة أبنائها...."!
دعونا نقرأ ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي العربية الفصيحة للمقطع الذي صاغه جاهين بالعامية المصرية، وهي في هذه الحالة الأكثر فصاحة، فإذ بنا نجده: " أيتها العجوز الطيّبة أكاد أسميك جورجيا أمنا الرءوم، التي تعاني الآلام والتي نهبوها، ومضى أبناؤها إلى ميدان القتال، وضربوها باللكمات ........إنها تذرف العبرات...وتدهش حينما لا تُضرب....."! هاه؟ ما رأيكم؟ هل كان من الممكن تقديم عرضا للمسرحية بكل هذه الجهامة اللغوية التي تفضل الدكتور عبد الرحمن بدوي بإلباسها لبريخت؟ بالطبع لا وكلاّ ولذلك كان من الضروري معالجة الموقف بقدرات صلاح جاهين الذي استشعر بريخت بخفة ظله وفكاهة أشعاره بل وبعاميته الممعنة في لغة رجل الشارع، إلى الدرجة التي كانت تدفع عبد الرحمن بدوي إلى حذف بعض كلمات منها مع التنويه في الهامش بـأنها "كلمة بذيئة"!
أمسك صلاح جاهين بالنص الكامل للمسرحية، ترجمة عبد الرحمن بدوي، ولقفه دافعأ به إلى حُضن العامية المصرية، بعبقرية لا مثيل لها فصار النص البريختي كأنما هو ابن عامّيتنا وكأنما بريخت ذاته إبن حارتنا المصرية، هذا ومن دون أن يُنقص أو يُزيد أو يُغيّر في الكلمات والمعاني والدلالات.
لا أملك من نص صلاح جاهين إلا ما ظل بذاكرتي منذ عرض المسرحية بالقاهرة في الستينات، أما نص عبد الرحمن بدوي، المميت، فهو محفوظ لدينا في سلسلة "روائع المسرح العالمي"، عدد 30، فياليت بهاء جاهين يبحث لنا عن النص "الجاهيني"، ونكون له في غاية الإمتنان حين نشاهده ونسمعه ونتأمله فقد حان الآن زمانه ومكانه!
+ حدث بالفعل: جاءني محمد، محصل فاتورة هاتفي منذ ربع قرن، يعرج بعكاز سألته: ماذا حدث يامحمد؟ أجاب بهدوء: "كنت ماشي ع الرصيف عربية نقل داست على رجلي"!
أذكر تعبيرا لصلاح جاهين عندما كان يعتذر عن موعد فيقول: "كنت ماشي في البيت داسني ترومّاي"! كان صلاح يمزح لكننا لم نكن نعلم أن مِنَ المزاح مايحدث بالفعل!
+ كان الطاغية يقول في هلوسات شيخوخته وهونائم: "الراجل اللي قتلناه هل دفنته يا فلان تحت الشجرة زي ما قلت لك؟"!
+ لم أكن أعرف أن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان من شيعة الشهيد الحسين بن الشهيد علي بن أبي طالب؛ فقد كتب السيد طارق وكيل مجلس الشورى في كلمة له بجريدة الأهرام يفيد بأن قتلة الحسين هم شيعته!