فن كتابة: صافي ناز كاظم
الإمام محمد عبده وآثار محمد علي
من المستحسن أن نقرأ مقال الإمام محمد عبده؛ الذي كتبه في جريدة المنار عام 1902 تحت عنوان "آثار محمد علي في مصر"، إذ أجد فيه ما ننعش به الذاكرة، صدا وردا لكثير من المعلومات المغلوطة، ونُحيي لنا به رأيا ناقدا يواجه المغرمين الجدد بالطاغية السفاح المشهور بلقب " محمد علي باعث نهضة مصر الحديثة"!
المقال طويل وأنا مضطرة، خضوعا للمساحة المتاحة، أن أقتبس منه القليل وأرجو أن يكفي طالب الحق، يقول الأستاذ الإمام فيما يقول:
* "خرجت عساكر نابليون وظهر محمد علي بالوسائل التي هيأها له القدر..... كانت البلاد تنتظر أن يأتي أمير عالم بصير فيضم العناصر الحية بعضها إلى بعض ويؤلف منها أمة تحكمها حكومة منها....فما الذي صنعه محمد علي؟ لم يستطع أن يُحيي ولكن استطاع أن يُميت....يستعين بالجيش وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه ثم يعود ... على من كان معه أولا وأعانه على الخصم الزائل فيمحقه، وهكذا حتى إذا سحقت الأحزاب القوية ......أجهز على ما بقى في البلاد من حياة أنفس بعض أفرادها، فلم يبق في البلاد رأسا يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه، أو نفاه إلى السودان فهلك فيه.
* أخذ يرفع الأسافل ويُعليهم ... حتى انحط الكرام وساد اللئام ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال ... فمحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي وعزيمة واستقلال نفسي ليصيّر البلاد المصرية جميعها اقطاعا واحدا له ولأولاده...
* اشرأبت نفسه لأن يكون ملكا... فجعل من العدة لذلك أن يستعين بالأجانب من الأوروبيين فأوسع لهم من المجاملة وزاد في الإمتياز حتى صار كل صعلوك منهم، لم يكن يملك قوت يومه، ملكا من الملوك في بلادنا يفعل ما يشاء ولا يُسأل عما يفعل، وصغرت نفوس الأهالي بين أيدي الأجانب بقوة الحاكم وتمتع الأجنبي بحقوق الوطني التي حرم منها وانقلب الوطني غريبا في داره غير مطمئن في قراره فاجتمع على سلطان البلاد المصرية ذلان: ذل ضربته الحكومة الإستبدادية المطلقة، وذل سامه الأجنبي إياه....
* نعم عنى بالطب؛ لأجل الجيش والكشف على المجني عليهم في بعض الأحيان عندما يراد إيقاع الظلم بمتهم! وعنى بالهندسة لأجل الري حتى يدبر مياه النيل بعض التدبير ليستغل إقطاعه الكبير.
* هل خطر في باله أن يجعل للأهالي رأيا في الحكومة في عاصمة البلاد أو أمهات الأقاليم؟ هل توجهت نفسه لوضع حكومة قانونية منظمة يقام بها الشرع ويستقر العدل؟
* أرسل جماعة من طلاب العلم إلى أوروبا ليتعلموا فيها فهل أطلق لهم الحرية أن يبثوا في البلاد ما استفادوا؟ كلا! ولكنه اتخذهم آلات تصنع له ما يريد وليس لها إرادة فيما تصنع........
* ليقل لنا أنصار الإستبداد كم كان في الجيش من المصريين الذين بلغوا في رتب الجندية إلى رتبة البكباشي على الأقل؟ فما أثر ذلك في حياة المصريين؟ أثر كله شر في شر....ظهر ذلك حينما جاء الإنجليز لإخماد ثورة عرابي، دخل الإنجليز مصر بأسهل ما يدخل دامر على قوم، ثم استقروا ولم توجد في البلاد قوة تثبت لهم أن في البلاد من يحامي على استقلالها، وهو ضد ما رأيناه عند دخول الفرنسيين إلى مصر وبهذا رأينا الفرق بين الحياة الأولى والموت الأخير.
* أى دين كان دعامة لسلطان محمد علي؟ دين تحصيل الضرائب بالقوة والظلم؟ دين الكرباج؟ دين من لا دين له إلا مايهواه ويريده؟ ..... قصارى أمره في الدين أنه كان يستميل بعض العلماء بالخُلَعْ أو إجلاسهم على الموائد؛ لينفي من يريد منهم إذا اقتضت الحال ذلك......
* كان محمد علي مُستبدا ماهرا، لمصر قاهرا، ولحياتها الحقيقية مُعدِما، وكل مانراه فيها مما يسمى حياة فهو من أثر غيره!".
تنويه: ليس العجيب أن يُقاوم الإنسان المُحتل والمُستبد؛ الذي يستدعي التعجّب هو الخنوع والإستكانة والانسحاق تحت أقدام الطغاة والظالمين والمُفسدين.
وتنويه آخر: شكرا لـ "أساحبي" المنشورة السبت الماضي، 12 \ 1 \ 2013، هنا في هذه الصفحة فقد أضحكتني حتى وصلت حدّ القهقهة التي غابت عني طويلا!