فن كتابة:
يُحكى أنّ....!
لما حكى صاحب مكتبة وهبة قال: هذه ثالث مكتبة أعملها، مكتبتين قبل هذه أخذوها: يوم 7 أغسطس 1965 وقعت عليّ الحراسة، الساعة 9 صباحا جاءت حملة من حوالي 7 أو 8 ضباط تحت قيادة أحمد راسخ رئيس مكتب القاهرة، وقسموا أنفسهم إلى 3 فرق فرقة في المكتبة هنا وفرقة كانت في مخزني بالداخل مكان سينما إيديال والفرقة الثالثة ذهبت إلى بيتي على الناصية هنا، فتشوا البيت ودلقوا الطعام وبهدلوا الدنيا واللي دخلوا المخزن جابوه من فوق لتحت واللي في المكتبة قطعوا الكتب وطلعوا الدوسيهات، مش عملية ناس بتفتش لا ناس بتخرّب، وظلت هذه العملية من التاسعة صباحا حتى السادسة مساء، أنا كنت موجود هنا وساعات أروح البيت بناء على طلبهم لأفتح دولاب، عمليات إمتهان وانتقام، واحد طلب من زوجتي تخلع أساورها باعتبارها مال تحت الحراسة التي صدر فيها قرارين: قرار على وهبة حسن وهبة صاحب مكتبة وهبة وفروعها والآخر على وهبة حسن وهبة وعائلته، وعائلته هذه تشمل أقاربي حتى الدرجة الرابعة، كانت عزة بنتي عمرها ثمانية أشهر ونشر اسمها في الجريدة الرسمية : عزة وهبة حسن وهبة تحت الحراسة! قفلوا المكتبة وشمعوها وشمعوا المخزن وفي البيت فكوا السخان والمدخنة وقالوا بندور على الأسلحة! سلاح؟ أنا ح يبقى عندي سلاح أعمل به إيه، ده أنا مكتبتي أهه وبيتي أهوه وقسم عابدين في المنتصف! بعدها بيومين فتحوا المكتبة وجاء حارس قال لي كلمة لن أنساها قال لي: ماتجيش هنا تاني لا مشتري ولا بايع، لك أن تتصوري واحد يقول لي هذا الكلام وهو جالس على مكتبي في مكتبتي وأنا واقف أمامه، قلت له حاضر! بعدها بيومين تم اعتقالي من المباحث إلى سجن القلعة ومنه إلى سجن أبو زعبل، رحنا لقيناه النار الموقدة، به مكان يقال عنه المحمصة...".
يذكر الحاج وهبة فترة سجنه الأولى من 1954 حتى 1960 بالإمتنان مقارنة بالفترة الثانية المهولة التي إشتعلت نيرانها من أغسطس 1965: " بعد خروجي من السجن 1960دبت الحياة من جديد في هذه المكتبة التي كان قد علاها العنكبوت وخلت أرففها من الكتب القيّمة، استطعت أن أستعيد توازني، وفي خلال هذه الفترة تعرّفت على الأستاذ سيد قطب؛ كان قد كتب في ظلال القرآن في سجنه من 1955إلى 1960 الطبعة الأولى كانت نحيلة وقليلة وبدأ الأستاذ سيد ينقحها خلال الفترة من 1960 إلى 1963 وهو لا يزال في السجن، كان الأستاذ سيد يضيف إلى الطبعة الأولى إضافات تكاد تصل إلى ضعفها أو أكثر، ويرسل المسودات مع العساكر اللي كانوا عارفين طريق المكتبة، المسودات تأتيني و يأخذها الأستاذ محمد قطب إلى مطبعة عيسى الحلبي؛ يأتيني الأستاذ محمد يوميا من الخامسة بعد الظهر حتى التاسعة مساء، نقفل المكتبة ونروّح سوا، فيما عدا الخميس والجمعة، وهكذا تمت إعادة طبع في ظلال القرآن بالزيادة والتنقيح وبلغت 8 مجلدات.
بعد خروج الأستاذ سيد من سجنه سنة 1963كان يوم الخميس يوم قضاء الحاجات والمشتريات، ينزل من بيته في حلوان يلف البلد كلها لغاية لما المحلات تقفل الساعة إتنين، ثم يأتي هنا ناكل لقمة، رجل بسيط، أجلس أنا وهو نأكل ونصلي حتى تفتح المحلات مرة أخرى الساعة أربعة يروح يكمل بقية مشترياته حتى الساعة سته أو سبعة يعود هنا يأخذ أماناته كلها ويحطها في تاكسي وعلى باب اللوق يركب القطار إلى بيته في حلوان. كان مخصص يوم الجمعة للقاء الناس في جنينة بيته اللطيفة بشارع رستم، وابتداء من السبت حتى الأربعاء يدخل مكتبه من الصباح حتى المغرب أو العشاء ، ده كان شغله: قراءة وكتابة، هذه كانت حياة سيد قطب رحمه الله..".