ذهبت إلي* لقاء الكاتبة الكبيرة* »صافي* ناز كاظم*« لإجراء هذا الحوار،* في* مسكنها خلف جامعة عين شمس*. في* صالة الاستقبال،* تجد مجموعة من الصور وشهادات التقدير،* وآية قرآنية،* بجوار أقوال مأثورة،* وبينهما* »عود*«،* وما بين الطرقة والصالة تتحرك بنعومة وهدوء* »قطة*« صغيرة،* تتجول قليلاً،* وتقف بجوارها كثيرا*. الجو كله* يوحي* إليك* - رغم بساطة المكان* - إنك في* عالم خاص من الروحانية المغلفة برائحة الثقافة والفن*. والشخصية المصرية الفريدة*. صباح الخير*.. يا أستاذة*. أهلا*! نبدأ؟ أتفضل*. جمال عبدالناصر*. هل كان فرعوناً؟ أم احنا* »اللي* فرعناه«؟ اعتدلت في* مقعدها،* بعد أن وضعت لنا الشاي،* وأبعدت* »قطتها*« قليلاً* ثم قالت*: فرعنا مين* يا ابني؟ ده كان متفرعن خلقه،* ويفرعن بلد بحالها*!.. وإلي* نص الحوار*..
*< هل الشعب* - وأقصد هنا الشعب المصري* - هو الذي* »يفرعن*« حكامه؟
*- الشعوب مثل الأفراد،* يصيبها الضعف والوهن والمرض أحيانا،* فعندما* »تتكالب*« عليه عناصر معينة تمرضه،* فلا شك أنه* يمرض،* وعندما* يأتي* له الدواء،* يشفي* مما هو فيه*. وأنت عندما تنظر إلي* الطريق الذي* سار فيه الشعب المصري* منذ* 1805* وحتي* 1952،* ستجد أن هذا الوطن* »يمرض*«.
*< وهل بعد* 1952* - أي* ثورة* يوليو* - عولج الشعب من مرضه؟
*- بالعكس زاد المرض مرضاً،* وظل الشعب* يعاني* من تداعيات هذا المرض حتي* سقوط مبارك في* فبراير* 2011*.
*< نذهب للرئيس عبدالناصر*.. إن كان* يأخذ عليه تهميشه للديمقراطية وللحريات،* فلا شك أنه كان نزيهاً؟
*- لا* .. لم* يكن نزيها*. إن كنت تقصد بالنزاهة فقط* »الذمة المالية*« فأنت تكون مخطئا*. لأنك بذلك أهملت* »النزاهة*« السياسية،* والأخلاقية،* والوطنية*.
*< هل كان ديكتاتوراً؟
*- يا سيدي* هذا رأيي،* وأنا حرة فيه*. جمال عبدالناصر مشكلته مضاعفة،* لأن الشعب أحبه جداً،* ووقف بجواره،* وهتف باسمه،* وأنا كنت من هؤلاء الذين أحبوه،* وكنا خارجين من* »كابوس*« العهد الملكي* الطاغي* الباغي،* الفاسد*. ووضع الشعب كل أمله فيه*. وكان* »يتكبر*« شوية،* يقول الشعب* »زي* بعضه*«. يجوعنا حبة نقول* »معلهش*« ويقول* »شدو الحزام*.. نشده*« لكن للأسف*.*- لم* يكن ديكتاتورا فقط،* بل كان* »سفاحاً*«؟ *< يا أستاذة وصفك به قسوة شديدة؟
*< ولماذا الأسف*.. شعب* يحب حاكمه*.. وينفذ تعليماته،* ويغفر له هفواته*.. فماذا حدث؟
*- لأن عبدالناصر بالتدريج سحب قيادته إلي* شكل من أشكال التجنس بفساد العهد الملكي* الذي* سبقه،* حيث لم* يفرق الأمر كثيرا،* وحدث ما نسميه اليوم،* بإعادة إنتاج الفساد،* بصيغ* وشعارات كذب في* كذب*.
*< كلامك* يعني* أن الفساد بعد* 23* يوليو لم* يختلف كثيراً* عن قبله؟
*- طبعاً*.. وانظر لعبدالحكيم عامر* - سواء قتل أم انتحر* - ما الفرق الذي* سيعود علينا؟ عبدالحكيم عامر*.. ماذا كان؟ وماذا قدم للبلد؟ هل ثبت أنه كان* يجري* وراء النساء،* وهو رئيس جيش محترم،* لدولة كبيرة؟* يكون هكذا وهل ثبت أنه* يقرب أشخاصا ويبعد آخرين؟ وهل ثبت أن مسئوليته عن الجيش أصابتنا بهزيمة نكراء في* 67؟ هذه الأسئلة أهم من أنه مات مقتولاً* أم منتحراً*.
*< طيب وعبدالناصر ما ذنبه؟
*- تسأل ما ذنبه؟ عبدالناصر كان* يعلم كل الجوانب السيئة في* هذا الرجل*. وكل نقاط الضعف فيه*. هو وغيره،* فلماذا صمت عبدالناصر عليهم،* ولماذا واصل صمته عندما هدده*.
*< عبدالحكيم عامر هدد عبدالناصر؟
*- طبعاً*.. لذلك صمت وسكت وتركه في* الجيش*.
*< لكن*.. خلينا نختلف علي* بعض الجوانب في* شخصية عبدالناصر،* لكن لا* ينكر أحد نزاهته وبراءة ذمته المالية؟
*- الناس عندما تتحدث عن نزاهة عبدالناصر،* أقول لهم إنها ليست سرقة الأموال فقط،* هي* التي* تجعلك أمينا أو نزيها*. وأسأل*.. ماذا عن سرقة الأرواح،* إنها أبشع من سرقة الفلوس*. هذا الرجل* »أذل*« الشعب المصري*.
*< جمال عبدالناصر؟
*- طبعاً*.. يعني* عندما* يأخذ المثقفين* »ويلمهم*« في* السجون،* ويجعلهم* »يكسرون*« في* حجارة الجبال،* أليس هذا إذلالاً؟ تريد سجنهم* »ماشي*«. لكن ما الهدف من أن تجعلهم* »يكسرون*« الحجارة في* الجبال وسط الصخور*.*< وهل كان له هدف من وراء ذلك؟ *- إذلالهم*! تخيل كاتبا مثل لويس عوض،* يقف* »يكسر*« حجارة في* معتقلات عبدالناصر،* وعبدالعظيم أنيس هذا العالم في* الرياضيات،* أخذه عبدالناصر وجعله* يفعل ذلك*.
*< طيب* يا أستاذة*.. هذه الأشياء قد تكون حدثت دون علم عبدالناصر؟*!
*- مين قالك دون علمه؟
*< أنا أقول قد؟
*- يعني* ايه* »ميعرفش*« هذه مغالطة تاريخية*. كيف أدير أنا منزلي* مثلاً،* أو مكتبي* في* العمل،* ولا أعلم شيئاً* عما* يدور فيه*.
*< يا أستاذة*.. كان هناك* »حمزة البسيوني*« وغيره من الشخصيات التي* تعاملت بقسوة مع المعتقلين؟
*- ومن الذي* جاء بهؤلاء؟ إنه عبدالناصر نفسه*. لقد أقام عبدالناصر نظاما* يتجسس عليك حتي* وأنت في* غرفة نومك،* فكيف لا* يستطيع أن* يعرف* - أو حتي* يتجسس* - عما كان* يحدث في* معتقلاته*. لقد أقام حزبه* »الطليعي*« السري*.
*< سري* علي* من؟
*- علي* الشعب طبعاً،* لقد حزم البلد بشبكة من العلماء والكتاب والمثقفين ومن كل المجالات،* هدفها* »التجسس*« علي* بعضنا البعض*. أفسد المناخ العام،* حتي* إن الناس لم تعد تنطق بكلمة،* حتي* لا تنقل عنك،* فتجد نفسك في* المعتقل،* بتكسر حجارة*.
*< يقال إن هذا كان لمصلحة البلد؟
*- بلد مين* يا ابني*.. هو كان فيه بلد؟ ولمصلحة من* »يكسر*« عبدالعظيم أنيس وليس عوض وغيرهما من عقول الأمة في* الجبال،* ويحملون الرمل والحجارة،* بدلاً* من الفكر والكتب،* والمراجع*.. أنا أذكر أن عبدالناصر في* عام* 1965* أصدر قانونا* يقول* »من سبق اعتقاله،* يعاد اعتقاله*«.
*< لماذا؟
*- لأنه بموجب هذا القرار،* استطاع في* ليلة واحدة أن* يعتقل،* 18* ألف مواطن*.
*< في* ليلة واحدة؟
*- آمال أنت فاكر آيه؟ في* 1968*- بعد النكسة* - قام الطلبة بمظاهرة ضده،* بعد أحكام سلاح الطيران،* وقتها طلبهم وقال لهم* »أنا كنت أستطيع اعتقالكم*.. أنا لما أردت* - لاحظ التعبير والجبروت* - ألقيت القبض علي* 18* ألفا في* ليلة واحدة*. وأنا سمعته بنفسي،* ولم أقرأها في* كتب*. وأنا الحقيقة لا أعرف كيف سيقابل عبدالناصر ربه؟
*< طيب*.. رغم كل الذي* تتحدثين عنه،* وبعد هزيمة* 67* قال الرجل أنا سأتنحي* وأعود لصفوف الشعب*.. لماذا لم* يتركه الشعب* يرحل*.
*- لأن شعبك مريض*.. سحبوا روحه منذ* 1952* وحتي* 1967* وعاش الشعب في* الوهم وفي* إعلام مضلل*. ويوم أن قال الشعب بعد الهزيمة نريد الحرب،* خرج علينا* »تابعه*« هيكل* يرد ويقول إننا لا نستطيع المقاومة؛ لأن مقاومة إسرائيل معناها،* مقاومة أمريكا،* ونحن لدينا السد العالي،* من الممكن ضربه*.
*< الأستاذ هيكل قال ذلك*!
*- طبعاً*.. وكأن هيكل في* كلامه* يوحي* لإسرائيل وأمريكا،* بأن* يهددونا بضرب السد العالي،* ثم* يكتب* يقول*: نحن نريد تحييد أمريكا ويومها كتب أحمد فؤاد نجم قصيدة لم تكتمل قال فيها*: إيه رأيك أنت* يا ويكا*.. في* حكاية تحييد أمريكا*«،* »هيكل*« اليوم المفروض ألا* يتكلم،* ويكفي* ما فعله علي* مدار الحقبة الناصرية أو الخديعة الناصرية كما أسميها*. إن ظهور هيكل اليوم في* الفضائيات وعلي* صدر الصفحات،* وأحاديثه التي* يدلي* بها،* ما هي* إلا استكمال لدوره التدميري* لهذا الشعب*.
*< لكن هيكل لم* يحكم حتي* يدمر أو* يقيم؟
*- صحيح هو لم* يحكم*.. لكن كان* »لسانه*« في* »أذن*« عبدالناصر،* إن الخسائر التي* حدثت أيام عبدالناصر،* هي* خسائر علي* مستويات عديدة*. حدثت هذه الخسائر في* لحظة تاريخية مواتية،* هذه المرحلة كانت فترة تحرير الشعوب*.
*< يقال إن الفكر والمنهج الناصري* ساهما في* تحرير تلك الشعوب؟
*- يا عم فكر إيه الله* يرضي* عنك،* ثم تحرير ايه الذي* تتحدث عنه،* وكيف لنظام سجن من شعبه* 18* ألفا في* ليلة واحدة،* ثم تقول لي* إنه حرر شعوبا أخري،* كان حرر شعبه أحسن،* لقد أضاع عبدالناصر الفرصة التاريخية لنهضة هذا الوطن،* وضيعت أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وشادية وقتنا ومعها مباريات كرة القدم،* في* الوقت الذي* كانوا فيه* يضيعون البلد ولذلك كتب نجم أيامها* »لا كورة نفعت ولا أونطة*«.
*< لكن عبدالناصر أقام السد العالي؟
*- طيب محدش قال حاجة*.. كويس*.. لكن انظر لما عبدالحليم* يغني* »فاكرين لما الشعب اتغرب جوه في* بلده*.. آه فاكرين*« - رددت الأستاذة صافي ناز هذه الجملة ثلاث مرات* - وفي* المرة الثالثة بكت وهي* ترددها*.. هذه الجملة* »وجعاني*« حتي* اليوم*. لقد* »غربنا*« عبدالناصر في* بلدنا مرة ثانية*.
*< لكن* يا أستاذة من حسنات عبدالناصر أنه لم* يسرق من أموال البلد؟
*- يا ليته سرق الأموال،* ولم* يسرق روحها المرتفعة الشامخة*.. عبدالناصر استلم الشعب في* 1952*.*. وكان* - أي* الشعب* - متوهجا سياسياً،* كان في* الأربعينيات* يقوم كل* يوم بمظاهرة،* وكان لديه وعي* سياسي* لكن جاء عبدالناصر وعينه علي* الحكم والسلطة*.
*< لكن في* أزمة مارس* 1954* كان عبدالناصر ضمن الفريق الذي* يطالب بعودة الجيش للثكنات؟
*- هذه لعب شطرنج*.. وتوزيع أدوار،* لا تصدق إن عبدالناصر كان* يريد الديمقراطية،* أو أنه لا* يريد السلطة*. هذا* غير صحيح*. وتأكد أن من آليات مجموعة* يوليو هو الكذب*. وأنا أحيلك إلي* حديث ابنة الراحل السادات لها في* الفضائيات،* تقول إنها تزوجت ولم تتم السن القانونية*. وقالت إن اباها* زور* سنها وجاء بعبدالناصر وعبدالحكيم عامر للشهادة علي* الزواج*.
*< صديق* يشهد علي* زواج ابنة صديقه*.. ماذا في* ذلك؟
*- كيف* يشهد عبدالناصر وعبدالحكيم عامر علي* ابنة سنها* 15* سنة ليؤكدا أنها* 16* سنة في* أوراق رسمية*.. كيف* يشهدان علي* تزوير*.
*< معلهش خلينا نتفق إن الشعب كان* يحب عبدالناصر؟
*- وأنا قلت لك لا*!.. نعم كان* يحبه*.. لكن هو بيحب نفسه،* وعظمته وفرديته،* ودارت عجلة نفاقه في* الصحافة والإذاعة،* وفي* الأغاني* وصوت عبدالحليم وصلاح جاهين*. لقد كان الشعب* - رغم كل ما* يعانيه* - فرحاً* ومؤمناً* بأن عبدالناصر ـ لا شك ـ قادر علي* هزيمة إسرائيل ودخول تل أبيب وكان* يهتف* »عبدالناصر* يا حبيب* .. بكره ندخل تل أبيب*«
*< وطبعاً*.. لم ندخل تل أبيب؟
*- طبعاً*.. دخلوا هم سيناء واحتلوا الأراضي* العربية*.
*< أليس هو الذي* زرع فينا العزة والكرامة؟
*< عبدالناصر*.*- مين ده؟ *- يا ابني* أسكت الله* يخليك*. عزة وكرامة إيه التي* تتحدث عنها*. لقد أخذ عبدالناصر مصر وفيها عزة وكرامة،* ولم* يسلبنا أحد العزة والكرامة إلا عبدالناصر وأجهزته*. في* سنة* 1954* قال زرعت فيكم العزة والكرامة واندهشنا من ذلك*. كيف* يجرؤ علي* قول ذلك؟
*< إذن عبدالناصر كان ديكتاتوراً؟
*- كان* يكذب* .. وهذا* يفوق* »الفرعنة*« نفسها،* وتأكد أن الفرعون دائماً* كان سلوكه مستمداً* من عقيدته الدينية والسياسية في* عصره*.
*< ومن أين استمد الفراعين الجدد فرعنتهم؟
*- من ثقافتهم هم،* حيث لم* يروا* - ومنهم عبدالناصر* - إن الفرعنة عيب أبدا*.
*< هل ساهم هيكل في* صناعة* »فرعنة*« عبدالناصر؟
*- كان رئيس الكهنة*.. فكيف لا* يساهم في* صناعته*. وأرجو منه أن* يلتزم الصمت وكفاية ما جري* أيام صديقه،* فهل* يريد أن* يكرر ذلك اليوم؟*! |
الاثنين، 22 يوليو 2013
جزء من اللقاء الذي أجراه الصحفي خيري حسن معي لجريدة الوفد 17 يونيو 2011
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق