حائرة بين عناوين شتى
تغزوني في اليقظة والمنام يدور معها عقلي كاتبا على مدى أيام طويلة؛ فتارة هو
"أساتذة الإقصاء" وتارة هو "دعاة دنيا سيجارة وكاس"، وغير ذلك
الكثير، أكتب ولا أسارع بالتدوين فينمحي في لحظة كل شيئ ولا يتبقى سوى الصداع، كما حدث لي الآن على الحاسوب بعد أن كتبت 200
كلمة ولم أسارع إلى حفظها فطارت في غمضة عين وتبخرت من ذاكرتي تماما، وما شاء الله
كان وما لم يشأ لم يكن.
نهايته! العنوان الذي بيدي الآن؛ "إنهن حقا نساء قاسم أمين"، مأخوذ من عنوان
عرض إفتتاح، 16 يونيو 2010 بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية تحت رعاية فاروق
حسني وزير الثقافة، للمهرجان المصري
الدولي الحادي عشر للرقص المسرحي الحديث: " نساء قاسم أمين"، إخراج وليد
عوني ،ولم تبين النشرة من هو صاحب فكرة العرض وصائغها مما يسمح لي بالتصور أنه
وليد عوني غالبا ناقلا من دون حرج حشد المغالطات الفكرية والأخطاء التاريخية
والمعلوماتية، التي تعج بها ساحة من يسمون أنفسهم النخب الثقافية للدولة المدنية،
الرابطة كيفما اتفق بين من لايمكن الربط بينهم ودمجهم في حزمة واحدة، مثل ربط
الأميرة نازلي فاضل، الشاهد تاريخيا ولاءها للمحتل الإنجليزي بما لا يمكنها أن تكون داعية لتحرير المرأة ولا
حتى تحرير الحيوان، بفضليات وطنيات واعيات من نساء كباحثة البادية ملك حفني ناصف،
والأديبة النابغة الآنسة ميْ، ناهيك عن إغفال ذكر التربوية الشامخة الرائدة نبوية
موسى التي ناطحت الناظرات الإنجليزيات وأثبتت بجدارتها حقها لتكون أول ناظرة مصرية في مدارس البنات ومسؤولة مدرسة بنات
الأشراف الأهلية، التي ساهمت في إقامتها مع أخريات، للتحرر من قبضة الإحتلال التي
فرضها على المدارس الحكومية الخاضعة لتعليماته بمنع المظاهرات المحتجة ضد ممارساته
المعوقة لمطالب الجلاء والإستقلال، نبوية موسى مؤلفة كتاب "المرأة
والعمل" الذي أصدرته على نفقتها 1920 بينت فيه رفضها لتعليم قاصر محدود يؤهل
المرأة لتكون سيدة صالون تافهة الوعي مترفعة بثقافة سطحية غربية، تتجمل بآخر صيحات
الأزياء الباريسية وترطن باللغات الفرنسية والإنجليزية فحسب، وأكدت دعوتها إلى
تعليم الفتيات تعليما موازيا لتعليم البنين يؤهلهن للعمل طبيبات ومحاميات وموظفات
عموم في إدارات الدولة، بالإضافة إلى عملهن المتاح كمدرسات في مدارس البنات،
وجادلت معارضي عمل المرأة بأنهم يرتضون للمرأة الأعمال المهينة والشاقة ؛خادمات في
البيوت لديهم وفلاحات في الغيط يزرعن ويقلعن بينما يتحججون في الوقت ذاته بذرائع،
ما أنزل الله بها من سلطان، لحرمان المرأة والمجتمع من كفاءات نسائية عالية نافعة
لهن وللوطن على حد سواء، أما لماذا تم تجاهل الأستاذة نبوية موسى فذلك لأنها من
الداعيات لتحرير المرأة من منطلقاتها الدينية والإسلامية، ولقد أفلتت ملك حفني
ناصف من هذا التجاهل، رغم أن منظورها في تحرير المرأة لم يختلف عن نبوية موسى،
وذلك بسبب الجهل ونقص المعلومات الضارب أطنابه في لغو تلك النخب الثقافية!
حاول وليد عوني في عرضه
الراقص "الأيديولوجي" أن يساند جبهة الذائدين عن حياض "اللادين"
في أي شئ، وتحت شعاره:"أرقص واجعل قلبك يرقص" قدم بالفعل "نساء
قاسم أمين"، اللآتي هن أقرب مايكن بالأميرة نازلي فاضل وأبعد مايكن عن ملك
حفني ناصف والآنسة ميْ زيادة ونبوية موسى ومن سرن على دربهن، ونراهن في حياتنا
ملتزمات بالزي الشرعي و باهرات في كل مناحي مسؤليات العلم والعمل بل والوقفات
الإحتجاجية المطالبة والمدافعة عن الحقوق المادية والكرامة الإنسانية للوطن
والمواطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق