الاثنين، 24 يناير 2011

في ظل ثورة تونس الشعبية

... نبارك: نعم!
نصائح واقتراحات: لالالالاااااااااااااااااااااااااااااه نرجوكم!

لقد هبّ شعب تونس هبّته مدعوما بروح المقاومة ومجد الإستشهاد تطبيقا للآية الكريمة رقم 39 من سورة الشورى: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"، فباركها الله سبحانه بالتوفيق وألقى الرعب في قلوب الطغاة والمفسدين ففروا هاربين والحمد لله رب العالمين.

لم نرفي حشد المظاهرات صورا مرفوعة لعبد الناصر وصدام حسين فتأكدت من البداية مؤشرات الوعي الفطري للمظلومين برفعهم رايات الضحايا وحدها؛ برهان الهتاف الصادق العنيد: "لقد صرخت في العروق الدماء، نموت نموت ويحيا الوطن"، غير آبهين للتسفيه والاستهانة بهذا القول النبيل من رهبان التثبيط المزروعين بيننا في كل مكان وزمان؛ هؤلاء الذين كره الله إنبعاثهم فثبطهم لاينطقون إلا بلحن القول.

آمنوا بحكمة شاعرهم الشابي: "إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر"،
رددوها بيقين تحقق بالاستبسال فشاهدوا بزوغ الشمس وإنكسار القيد بعد انجلاء ليل طويل لم يكن لديهم فيه مايخسرونه سوى الأغلال!

انشغل التوانسة بمهامهم الوطنية فلم يلتفتوا إلى المِراء الكاذب؛ أنظارهم صوب الهدف الجوهري: الخلاص من مذلة العبودية لعصابة لصوص، لم ترع في خلق الله إلاً ولا ذمة، فأخذ المظلومون حق الإنعتاق بأيديهم تشبثا بعهد التحرير: "لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه"!

حين وصل البغي إلى ذروته المسعورة لم يكتف بالتجويع المادي فتفتق ذهنه المريض ليضيف الحرمان المعنوي والروحي، وهكذا رأينا، في ليلة ظلامية مشؤومة، من يُدعى "وزير الشؤون الدينية" على منصة من منصات الكذب يبذل الجهد، شارحا متفذلكا كيف يؤدي صوت نداء "الله أكبر حي على الصلاة"، معلنا مواقيت الصلوات الخمسة، إلى "التلوث السمعي" المتسبب في العديد من الأمراض البدنية والنفسية مما يقتضي ضرورة تعطيل المآذن عن واجبها!

فلا هم رحموا الناس بتلبية إحتياجاتهم المادية ولا هم تركوا رحمة الله تتنزل على عباده مواسية و حانية!

 ويجدر بي أن أقول: ليس المهم التثبت من قدر الذهب الذي نهبته ليلى الطرابلسي قبل فرارها فالثابت أنها أخذت ما ليس من حقها من ثروة الشعب المحروم؛ وكما يقول المثل: من يسرق معزة يسرق جملا!

ماشاء الله كان يا أهلنا في تونس، وصدق الله العظيم: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين*إنهم لهم المنصورون* وإن جندنا لهم الغالبون*".

الصافات 173،172،171

الجمعة، 21 يناير 2011

طاهر أبو زيد الأصلي
رائد التوك شو

طبعا لابد أن أنوّه بأنه "الأصلي" حتى لا يذهب الظن بالقارئ إلى النجم الرياضي الذي تألق في ملاعب الكرة، كان والده "أبو زيد" قد سمّاه حين مولده "طاهر" إعجابا بالنجم الإذاعي المتألق "طاهر أبو زيد"، الذي حددته بالأصلي، وقد رحل عن دنيانا يوم الثلاثاء 4 يناير 2011 فكبدني رحيله ألما مضافا بعد يومين من رحيل صديقتي الكاتبة عائشة صالح.

كان النجم الإذاعي العريق قد عاد مع برنامجه "أسبوعيات" ليتألق من جديد في البرنامج العام للإذاعة المصرية بعد غيبة سنوات طويلة اضطر إليها نتيجة لتنحيته قسرا عن الميكروفون عام 1972، وهو يشغل رئاسة إذاعة الشرق الأوسط ، بناء عن توصية مؤذية ملحة حملها يوسف السباعي إلى الرئيس الراحل أنور السادات، فتم حرمان المستمع المصري من الصوت الصبوح البشوش المتفائل الذي لم ينقطع صداه في آذان جيلنا، رغم الإنقطاع، نذكر من برامجه "جرب حظك"، 1953\1968 الرائد بلا شك في فن مايسمى اليوم "التوك شو"، "رأي الشعب"، 61\67، "فن الشعب" 56\67، "مع مجلس الأمة"، 62\67.

لم يحلم طاهر أبو زيد يوما بأن يكون مذيعا فحلمه الدائم كان المحاماة، وكان الحلم منطقيا مع بداياته حين اضطرته الظروف ليتوظف "محضرا" بعد حصوله على شهادة إتمام الدراسة الثانوية. أفادته هذه البداية في سبر غور المشكلات الحقيقية للشعب؛ ساكن القرى والدروب المنسية، كان عليه أن يذهب، عام 1942، في مهمة من مهامه،مع مندوب شركة سنجر لماكينات الخياطة لينفذ حكما باسترداد ماكينة اشترتها أرملة فقيرة بالتقسيط ولم تستطع أن تفي بالتزامها، وعند التنفيذ فوجئ المحضر الشاب طاهر أبو زيد، الذي كان وقتها عضوا بحزب مصر الفتاة في بلدته طلخا، بالسيدة وبناتها يولولن نادبات ماكينة الخياطة عند سحبها منهن، كأنهن يشيعن عزيزا ولم يستطع المحضر الشاب تحمل المشهد وبدا لنفسه جلادا ينفذ حكما بالإعدام على أبرياء، سأل مندوب سنجرعن مقدار المبلغ المتأخر، وكان خمسة جنيهات وهو قدر مرتبه الشهري الذي استلمه للتو، فما كان منه سوى أن أعطاه كله للمندوب ليعيد الماكينة للأرملة، ويبدو أن مندوب الشركة كان ينتظر مثل هذه المبادرة فتقاسم المبلغ مع المحضر طاهر أبو زيد وانقلب المأتم فرحا انطلقت فيه الزغاريد. هذه الروح الإنسانية السمحة التي تجود بما في طاقتها للإنقاذ ظلت السمة الرئيسية لطاهر أبو زيد تتبدى بوضوح في بشاشة صوته وعباراته وطلاقة لسانه.

لم يكتف الشاب طاهر أبو زيد بدور المحضر المنقذ فقرر أن يصبح محاميا عن المظلومين؛ يمنع مثل تلك الأحكام الجائرة في بلد يطحن البؤس ناسه في تلك الأيام التي لا يستحي البعض في نعتها بـ "الزمن الجميل"! ذهب يستأذن في الإلتحاق بكلية حقوق جامعة الإسكندرية فقال له رئيس المحكمة المسؤول أن السنهوري باشا، وكيل وزارة العدل، أصدر قرارا بمنع الجمع بين الوظيفة والدراسة ثم أردف ساخرا: روح بقى هات موافقة من السنهوري باشا! قال طاهر أبو زيد في عزم: حاضر! وركب القطار إلى القاهرة، إلى وزارة العدل، إلى مكتب السنهوري باشا، وأثناء معاندة السكرتير بعدم السماح للمحضر الطموح بمقابلة السنهوري باشا دخل المحامي الشهير والقطب السياسي فتحي رضوان فسهل له تحقيق المقابلة، قال له السنهوري: وماله المحضر؟ بكرة تترقى! فرد طاهر أبو زيد: سعادتك كنت كاتبا في مصلحة التلغراف ولم تكتف بذلك! فضحك السنهوري وفتحي رضوان وقال السنهوري: صدقت! ووقع له بالموافقة على الطلب.

جمع طاهر أبو زيد بين دراسة الحقوق ووظيفته الشاقة، وكان هذا الجمع بين الدراسة والعمل هو النموذج السائد لكل طلاب العلا في حقبة الأربعينات الصعبة التي توهج فيها الوعي الوطني الطامع إلى الترقي والتقدم لشغل المواقع التي تحقق للوطن ولفقرائه حلم كريم العيش، وأصبح بعد التخرج في كلية الحقوق 1948 محاميا تحت التمرين لمدة قصيرة إذ دفعه صديقة صبحي باسيلي، وكان يعمل مساعدا فنيا للإذاعة بالإسكندرية، ليجرب حظه في إختبار حددته الإذاعة لإختيار مذيعين اجتازه بنجاح باهر، وهكذا وجد طاهر أبو زيد نفسه، بشهادة الخبراء المتشددين في الإنتقاء، مذيعا معيّنا بالإذاعة اللاسلكية المصرية في 14 مايو 1950.

أصبح طاهر أبو زيد واحدا من الرعيل الإذاعي الثاني، بعد الرواد العظام أمثال: كروان الإذاعة محمد فتحي، وبابا شارو محمد محمود شعبان، وحافظ عبد الوهاب، وعبد الوهاب يوسف، وأنور المشري، وصفية المهندس، وتماضر توفيق، وكان الأقرب إلى قلبه هو الراحل الفنان الفذ عبد الوهاب يوسف، الذي دخل الإذاعة 1941 وتوفي فجأة 29 نوفمبر 1951، قدم خلالها، عشر سنوات فحسب، تحفه الإذاعية الخالدة إعدادا وإخراجا وتمثيلا منها "السيرة العطرة" و "قطر الندى" و "خوفو" و" علي بابا" و"السوق" الذي استلهموا منها "الليلة الكبيرة".

مازلت أذكر لطاهر أبو زيد برنامجه الشهير "جرب حظك"، الذي بدأه 1953 وأنا تلميذة في المرحلة الثانوية، وكيف كان الجميع يتوق ليكون واحدا من فرسانه، أي شخصياته، التي يستضيفها ويحاورها ويناغشها، متبسطا وضاحكا وتلقائيا ظريفا، ليخرج من ملامح كل شخصية الطريف والشيق والإنساني، وتراوحت شخصيات برنامجه من المجهول تماما وغير ذي الحيثية من بسطاء الناس إلى النجوم الزاهرة في أجواء الفن والصحافة والأدب، مرورا بتقديم الهواة؛ من يملك منهم موهبة حقيقية ومن يسيطر عليه الوهم.

في حلقة سمعتها من برنامجه "أسبوعيات طاهر أبو زيد"، بثها البرنامج العام في يوم جمعة قبل منتصف الليل، قدم فقرة جميلة من سجل تسجيلاته القديمة وكانت مع ليلى مراد التي أكدت أنها تعلمت "عفق" النغم من الفقها ـ وقصدت قراء القرآن الكريم والمبتهلين بالإنشاد الديني ـ وأعجبني تعبيرها "عفق" الذي نطقت قافه همزة هكذا "عفْءْ"، ويعني الصحيح والأصولي في الإمساك بالآلة الموسيقية ومن ثم التوصل إلى السيطرة وإتقان العزف والغناء. ألاحظ حالا أن "عفق" يمكن أن تكون مرادفة للإمساك بالتلابيب؛ حركة تجعلنا نسيطر بها على الممسوك، وهي كلمة لها في قاموس المنجد سبع معان منها جمع الشئ أو لاذ به، ومنها عفق الأسد فريسته، الغاية أن لب موضوعي الذي حاولت "عفقه" هو: ليس فحسب تحية الراحل العزيز طاهر أبو زيد، أحد أبرز "جبهة حماة اللغة العربية"، بل الشهادة ضمنا للإذاعة المصرية، في مرحلة  طفولتي وصباي مابين عام 1944 حتى 1954، بأنها كانت ضمن مكوناتي الثقافية، وأن أشهد ضمنا، بأن الإذاعة في تلك الفترةكانت" فنا" قبل أن تكون "إعلاما"، فازدانت بالفنون الإذاعية وبفناني الفن الإذاعي، ولذلك كانت الركيزة في الاختيار والاختبار، لمن يتقدم للعمل الإذاعي هو المعيار الجمالي: جمال الصوت، سلامته وصحة مخارج الحروف وخلوّه من الخرفشات والتطجينات والسرسعات، حسن اللفظ والتلفظ، جودة الإلقاء، متانة الأداء، وذكاء الروح، ومعيار تحديد جمال الصوت كان الحضور الجاذب للأذن وقدرته الظريفة الأنيقة اللبقة لاستقطاب انتباه المستمع. تنوعت الأصوات منذ إنشاء الإذاعة، مايو 1934، فكان هناك الصوت الذي استحق به محمد فتحي لقب كروان الإذاعة، وكان هناك الصوت القطيفي الودود الذي استطاع به محمد محمود شعبان أن يكون " بابا شارو" ويسجل إعجازا غير مسبوق أو ملحوق في الحديث إلى الأطفال، وكان هناك الصوت الرومانسي الشاعري لعبد الوهاب يوسف القادر على اللهجات البدوية والعربيه المختلفة، والصوت المغرّد الوقور الملئ بالحيوية والاستقامة معا لصفية المهندس، والصوت المضياف المتفائل لطاهر أبو زيد؛ كان الفرز دقيقا وأمينا ينتقي الموهبة ويبحث عنها وينتبه لها فيستدعيها، حتى وإن لم يكن صاحب الموهبة مدركا لصلاحيته، وهكذا اختار الصديق صبحي باسيلي صديقه المحامي طاهر أبو زيد ودفعه دفعا إلى لجنة اختيار المذيعين فيغريه نجاحه بترك حلم المحاماه الذي داعبه كثيرا من أجل الإذاعة، ذلك كله قبل أن يستفحل الصوت القنبلة، والصوت الناعي، والمقرّع، والمتعالي، والإستفزازي، والعدواني، وماضغ اللبان، مع الكابي والباهت والساقع والقاتل لنا مللا.

رحم الله الفنان الإذاعي طاهر أبو زيد، المولود 5 إبريل 1922 والمتوفي 4 يناير 2011، وجزاه  سبحانه عني وعن عارفي فضله خير الجزاء.










الخميس، 20 يناير 2011



سندريللا هي السواد الأعظم من الشعب المصري


معظمنا يعرف حكاية سندريللا الجميلة، إبنة البيت الأصلية والأصيلة، التي حرمتها زوجة والدها من كل حقوقها وجعلت حدودها المطبخ والمسح والكنس وكل المهام القذرة والشاقة بالمنزل، لا تلبس إلا الممزق ولا تأكل سوى الفضلات، وتنام جوار الفرن تلهو حولها الفئران، رغم أن أبو سندريللا هو المتكفل بالإنفاق. ورغم أن زوجة الأب من جنس سندريللا ودينها إلا أن أنانيتها ولدت في نفسها القسوة التي سوغت لها حرمان سندريللا واغتصاب كل شئ لنفسها ولإبنتيها ليعشن في الترف والرفاهية وصدر المجتمع .


عندما اتسخت سندريللا ، نتيجة لحياتها الشاقة ، اشمأزت منها زوجة الأب وإبنتاها ورفضن مخالطتها إلا على مستوى إلقاء الأوامرحتى انتفى وجود سندريللا الإنساني في أذهانهن فلم تخطر ببالهن عندما سألهن مندوب الأمير عن عدد الفتيات بالمنزل وأشارت زوجة الأب إلى إبنتيها فحسب لتحضرا حفلة الأمير، إلى آخر الحكاية المشهورة.


حكاية سندريللا، مثل كل الحكايات الشعبية ، مليئة بالدلالات الموجعة التي لاتبارحني ، وقفزت إلى ذهني على وجه الخصوص حين أفرغ الشارع القاهري من الشعب خلال زيارة السيد أوباما فلم ير إلا من وما تم اختياره ليراه بحسبانه "مصر"، لكنها لا تقتصر على هذا المثال فحسب إنها تتمثل في التوجه العام لأحوالنا الذي جعل الكاتب أسامة غريب، المتهكم من الألم ، لايتردد في أن يختار لكتابه عنوان: "مصر ليست أمي ..دي مرات أبويا"! رافضا تلك العقلية التي تتملكها الأنانية والقسوة فتتنكر للسواد الأعظم من الشعب ، الذي هو من لحمها ودمها، إذ ينتمي الكل إلى أب واحد وأم واحدة ، لكن أصحاب تلك العقلية النرجسية الشحيحة تعاموا عن وجوده ندا لهم فلم يعودوا يرون وجودا للشعب إلا في ذواتهم ، وقد استحضروا لأنفسهم مظاهر الأرستقراطية البائدة وانتفشوا بالغرور والمظهرية زاجرين السواد الأعظم من الشعب ليختفي ـ مثل سندريللا ـ وراء الستائر حتى لا يعكر واقعه العشوائي البائس عليهم صفو التصور بأن ديكورات الترف المزيف ، التي أحاطوا بها أنفسهم ، هي الحقيقة الوحيدة لواقع البلاد .


إنهم لايدركون أن ديكوراتهم رسم ردئ للمحات من معيشة غربية زهد فيها أصحابها ، الذين ، لاشك ، يصيبهم الغثيان من جراء التباهي بديكورات رديئة منقولة عنهم ، ولن يترددوا في البحث عن وجه شعبي يرون في صدقه كل الجمال رغم البؤس والإهمال ، الجمال الذي يزين البلاد بأصالته فيمحو آثار الإساءة الحقيقية لسمعة الوطن ، الإساءة التي جلبتها علينا ديكورات الزيف والتكبر والأنانية.


على العموم: ليس ممكنا أن تظل سندريللا مختفية ومطمورة إلى الأبد تحت الكراسي الوثيرة!

الاثنين، 17 يناير 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

"ولقد سبَقت كلِمتُنا لعبادِنا المُرسلين*إنهم لهم المنصورون*وإنّ جُندنا لهُم الغالبون*" صدق الله العظيم

                                        

الصافات 171، 172، 173

الجمعة، 14 يناير 2011

وسطية مصرنا المحروسة!

تراكمات


...وما أن سمعت بخبر الحادث المروّع حتى أسرعت بسحب الكهرباء من المذياع المرئي لتحصين نفسي ضد هجمات "التوك شو"، مطحنة الرغي في لغتنا الصحيحة، التي يبثها المذكور بكل قنواته وفضائياته، متوقعة ما حدث بالفعل وهو؛خروج كل ربابة بموالها يعزف عازفها ويغني منشدها الإجترارات البدهية بأصنافها المتعددة التي، في عمري هذا الطويل، خبرتها وحفظتها أذناي، حتى الملل، مع مرور حقب الزمان وعقود السنين. لا تعديل في المنطق، ولا تصويبات للأخطاء، ولا تصحيحات للزور والبهتان، ولا اهتمام يرعى جراح البلاد والعباد: لاشفاء من علة ومرض، الجديد فحسب هو اتساع رقعة منصات انطلاق متفجرات الكلام الخارجة من حاويات الأذى، التي كانت محدودة ومحصورة بقصور الإمكانيات في عقود الأربعينات حتى التسعينات من القرن العشرين إلى أن فتحت الألفية الثانية مغاليق الصناديق، ماتم تسميته "ثورة الإتصالات"، وطارت وطاويطها من محابسها لتلبس في وجوهنا صباح مساء توسوس وتصوصو وتصفر وتنهش وتمصمص ولا مجال لطردها ولو بالطبل البلدي.


سألني هذا،فكتمت السهم في كبدي وكيف أنهى عن أمر وأقترف مثله؟، ماحدث ليس فتنة: إنه تصنيع فتنة، وكل الاحتمالات واردة، ننتظر نتائج التحقيقات، والرغي الكثير لا فائدة فيه، ألم يقلها ألشاعر أحمد شوقي، وكان ذلك قبل وفاته 1932: "...وفيم يكيد بعضكمو لبعض وتبدون العداوة والخصاما؟...............وأين ذهبتمو بالحق لما ركبتم في قضيته الظلاما؟، شببتم بينكم في القُطْر نارا على محتلّه كانت سلاما، شهيد الحق قم تره يتيما بأرض ضُيّعت فيها اليتامى"!


وساءلتني تلك، ناقلة في تساؤلها روح "الإسلام فوبيا" لأتحسس ماتصورته بطحة في الرأس، عن طرح طرحه مسؤول عن "الوسطية" و "الدولة المدنية"، كأن مصر تشكو التزمت، بكل مهرجاناتها الفنية التي تلبس فيها فناناتها "من غير هدوم"، حتى يتوجب علينا النصح بـ "الوسطية"! وأين هي هذه الدولة الدينية الوهمية التي مافتئ بعض الزاعمين يدّعي بأنها تناطح الدولة المدنية القائمة بالفعل منذ زمن ولا ينقصها قول مغن: "عمّاله أدوّر عليك أتاريك هنا جنبي"!


صححني متشائم قائلا: أين هي الدولة أصلا؟
أجبته غاضبة: العراق كان يصيح: ماكو ميْ، ماكو كهرباء، ماكو دولة! أما نحن فلا يزال لدينا ماء، ولو ملوّث، ولدينا كهرباء ولو باهظة الثمن، وهذا دليل على أن لدينا دولة فمن غيرها الذي يلوّث المياه والزرع والضرع ويرفع الأسعار؟


كان لابد أن يداهمني سعال "المُستجدّة"، وهو ما تم اطلاقه على أنفلونزا 2011، فانطلقت إلى شريط أغنيات لعبد الوهاب أتفاكه مع مواله: "مسكين وحالي عدم" حتى "النيل نجاشي حليوه أسمر" إلى أن وصلت مع صوته الشجي إلى كلمات الشاعر شوقي العابثة: "جات الفلوكة والملاّح ونزلنا و ركبنا، حمامة بيضا بفرد جناح، تودينا وتجيبنا، ودارت الألحان والراح وسمعنا، وسمعنا وشربنا......هيلا هوب هيلا... صلّح لي قلوعك ياريّس......."!


هذا المجون مع الغرام والشراب الذي ساقه شوقي وصفا إلى أسماعنا في بحبوحة الدولة المدنية، على مدى مايقرب من قرن، لم يمنعه من التضرع إلى الله سبحانه بالدعاء:


"وقى الأرض شر مقاديره،
لطيف السماء ورحمانها،
ونجى الكنانة من فتنة ،
تهددت النيل نيرانها"!


فهل هناك من دلائل لـ "وسطية" مصرنا المحروسة أكثر من ذلك؟

الاثنين، 10 يناير 2011

بمناسبة ما يحدث للسودان

إنعاش ذاكرة:هكذا تكلم المكر الصهيوني


باستمرار كان البحر الأحمر منطقة يحميها المسلمون من أعدائهم لتظل آمنةللحجيج ولسفنهم التجارية، نجح المماليك في تأمينه من القراصنة الأوروبيين، وبعدهم أكدت الدولة العثمانية قوتها بمواصلة حمايته ليكون بمثابة بحيرة إسلامية كما كان وكما يجب أن يظل ويكون. لكن يبدو أنه مع ارتداء الولايات المتحدة الطاقية الصهيونية وإعلانها أحقية الكيان الصهيونى في الإعتداء على الدول المجاورة ،وتمكينه من نقل طائراته لتربض على أرض المسلمين حتى يستطيع أن يمد يده لضرب أي أرض إسلامية متى شاء، بدعوى حماية أمنه من خطر محتمل، لم يعد يهم هذا الكيان العنصري الصهيوني أن يتحفظ في الإفصاح عن أحلامه التوسعية وقد رأى، منذ وقت طويل، أن البحر الأحمر يجب أن يكون بحيرته هو الخاصة!


ويجدر بنا الآن أن ننعش الذاكرة بمقتطفات من التقرير الذي كان "معهد موشى ديان"، في تل أبيب، قد أعده وتم نشره عام 1996 ، لنتأملها على ضوء أحداث حاضرنا اليوم الذي يفسر الكثير مما تم تنفيذه تلبية لنصائح ذلك التقريروالذي منه مايلي :


"أحد كبار المحللين الإستراتيجيين لشئون الشرق الأوسط في إسرائيل يقول إن نشر طائرات إسرائيلية شرق تركيا وانتزاع جزيرة حنيش الكبرى من القوات اليمنية بواسطة
إريتريا يندرجان في إطار إستراتيجية إقليمية وقائية تنفذها إسرائيل تحسبا لتهديدات سودانية محتملة تعرض للخطر الخطوط الملاحية في المياه الدولية في البحر الأحمر، ولمواجهة أي تهديد يمكن أن يصدر عن إيران." وتم التنويه الى أن نشر قوات جوية إسرائيلية شرق تركيا موجه ضد إيران أولا. ومع ذكر أن السودان انضم إلى إيران فيما يتعلق بدعمه حركة حماس إلا أن مدير المعهد المذكور أكد أن السودان يشكل تهديدا من الدرجة الثانية، وهو دولة فقيرة وليس بين يديه الإمكانات التي في وسع إيران تطويرها وامتلاكها ولكن في وسع السودان، مع ذلك، أن يشكل، من وجهة نظر جغرافبة، تهديدا محتملا لأحد شرايين الحياة المهمة لإسرائيل وهو خطوطها الملاحية التي تمر بالمياه الدولية للبحر الأحمر، ونبه إلى الأهمية الإستراتيجية لحركة التجارة الدولية بالنسبة لإسرائيل، الذي يتمحور نشاطها الإقتصادي حول الصناعات التصديرية ذات فائض القيمة المرتفع لاسيما في اتجاه الأسواق الإستهلاكية، خاصة في الشرق الأقصى، وهذا يجعل الخطوط الملاحية التي تربطها بدول الشرق الأقصى ذات أهمية بالغة مما يبرر الهجوم الإريتري الذي استهدف السيطرة على جزيرة حنيش الكبرى ، تلك السيطرة التي تسهل تحرك إسرائيل في البحر الأحمر للتصدي للسودان الذي يمكن أن يعمد إلى التعرض لحركة ملاحتها! ويعلن التقرير بوضوح أن أموره تترتب لحاجات مستقبلية قد تنشأ من نشاط أي مقاومة تهب للدفاع عن مصالح العرب و المسلمين ضد المطامع الصهيونية، أو كما أفاد:".. فإنك لا ترغب في أن تجد نفسك في وضع تكون يدك فيها فارغة من أوراق تلعب بها..."! هكذا يفكرون بكل صراحة ،ونحن نمزق ما بأيدينا من أوراق وحقوق باستهانة واستهتار غريبين.


مما هو جدير بالذكر أن "معهد موشيه ديان" يعتبر أحد أبرز المعاهد الأكاديمية التي تقوم بإعداد دراسات عن العالم العربي وإيران وتركيا، وكان ثلاثة من مسئولي المعهد سفراء في واشنطن وأنقرة وعمان، وتؤثر الدراسات والتقارير التي يعدها في طريقة صناعة القرار السياسي للكيان الصهيوني.


التفكير الصهيوني الماكر يتصور أن بإمكانه تسيير دفة العالم وفق مصالحه ورغباته وإرادته كأن الدنيا قد دانت له، لكن هذا ليس نهاية المطاف مهما زمجر نتنياهو وعصابته في مغارة اللصوص والقتلة، فلا يمكن لمن هم على الباطل، ويتصورون أن من حقهم الإعتداء وليس من حق الضحايا المسروقين مقاومة الإعتداء، أن يتم لهم مايريدون: لايمكن!







الثلاثاء، 4 يناير 2011

إنها ليست نتيجة فتنة، بل هي صناعة لفتنة.

وكل الإحتمالات واردة!

وقى الأرض شر مقاديره، لطيف السماء ورحمانها، ونجى الكنانة من فتنة، تهددت النيل نيرانها!

والرغي الكثير ليس منه فائدة!

الاثنين، 3 يناير 2011

كنت قد كتبت هذا في حياتها




حكاية الكتابة مع صديقتي الكاتبة


سر الكتابة" عند عائشة صالح هو: أن يريد ناشرها كتابتها بحماس، فينطلق قلمها على الفور، وهذا هو "سر الكتابة" عندي كذلك، بل لعله سر الكتابة على وجه العموم.

 عندما تغضب عائشة صالح تبلغ حد خصام نفسها، تقصف قلمها بيدها لا بيد غيرها، وتلقي بمكتبها من الشباك، وتعلن القطيعة الكاملة مع كل النوافذ. ساعتها أهرع إليها وأبذل كل جهدي لإنتشالها من الغرق والخشية تتملكني من أن تشدني دوامة غضبها معها ونختفي سويا تحت عنف التيارات.


عائشة صالح صديقتي، بل هي من أعز صداقاتي رغم أن لقاءاتي معها يمكن أن أعدها على أصابع يدي، لكننا نتواصل هاتفيا كل صباح.

 صداقتي الحميمة بكتاباتها كانت الأصل، فأنا من هؤلاء الذين تبدأ صداقاتهم أولا بالكتابة فإذا تمكنت مني صرت أبحث عنها وعن صاحبها، شوقا إلى الفن وحماسا للإجادة وإخلاصا للعناية.


تنشر عائشة صالح هنا أو هناك وأنا وراء كتابتها أينما كانت قارئة فرحانة بفنها في كتابة المقال والحوار ورسم الشخصية ولا يمكن أن يفوتني السطر من كتابتها.


حين ندخل مقال عائشة صالح نجدها براحتها؛ تفرش بساطها وتشرب قهوتها وتسقي زرعتها وتتكلم عفويتها بخواطرها وتداعياتها ومقاطعاتها، ساخرة من نفسها، وإن لم تنس أن تضرب بشكل مباغت من تسول له نفسه الدوس على طرفها. تختار موضوعاتها وشخصياتها لتنسج معها علاقة تفاعل؛ تحاور الشخصية لتطرح بالحوار كل مايعن لها طرحه وقوله والتنويه عنه.


عند لحظة فعلها "الكتابة" يشرئب معها التاريخ والثقافة والكتب التي تتغذى عليها كدودة الحرير، تخرج تجاربها مع الإنصاف والخذلان وحين تطفو أشجانها تجدف لها بالقفشات حتى تنجو من بحر الغم. إذاكنا نفهم معنى "مونو دراما"، الذي ينفرد فيه الممثل على خشبة المسرح، يمكننا أن نرى حالتها "مونو كتابة" حين تنفرد عائشة صالح وحدها على الصفحات: مستغرقة، ناسية الزمن والمساحة؛ تضحك وتبكي وتواسي وتتجهم وتشخط ثم يصعب عليها المشخوط فيه فتتأسف، وتلطش ثم تراجع نفسها متسامحة مبررة هفوات البشر وعثراتهم.


لم أنس أبدا مقالاتها في المصور عن زوزو نبيل وياسمين الحصري وفي الكواكب عن شريهان، وعناوين أخرى دفعتني للبحث عن هاتفها لأخبرها عن سروري بعد كل قراءة.


طبيعة أسلوب عائشة صالح صنعة لطافة تتطلب فرد الكلام على الورق بخط يدها "الرهيب". تتعدى كتابتها، في الحد الأدنى، الخمسة آلاف كلمة، مما قد ينتج مناوشة: اختصري ولا أختصر، فتتجلط دورة النشر بغضب عائشة وتقف السدّة في شريان العطاء إلي أجل غير مسمى؛ فكتابتها فن يؤذيه الاختصار؛ يكسر ايقاعه وينزع منه فتيل التأجج المطلوب والسحب الضروري لـ "صنعة اللطافة"، أما حين يسمح المجال ويتم النشر أندفع لأخابرها فأجدها سعيدة كصبية تنشر لأول مرة، منشرحة لمشاريع من العمل والعطاء.

تحية لك ياعائشة صالح.
فجر الأحد 2 يناير 2011

فقدت الصحافة المصرية والكتابة الجميلة الكاتبة المحترمة:

عائشة صالح، وفقدت بفقدها أعز صديقاتي،
رحمها الله رحمة واسعة.