السبت، 27 أكتوبر 2012

فن كتابة:

المشير محمد حســين طنطاوي

لست أمّ العرّيف، ولا أدّعي مستندات ووثائق، ولم ولن أقابله في حياتي، لكنني ،بإحساس داخلي، رأيته؛ المشير "محمد حسين طنطاوي"، منذ تتابعت أحداث ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011، مثال: "رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه"، وهذا الرجل المؤمن من آل فرعون ذكره القرآن الكريم في سورة غافر آية 28 لنعرف أن هناك دائما في دائرة الظالمين والقتلة واللصوص مَنْ يكتم تأييده للمظلومين وتعاطفه مع المقهورين ويُخفي رفضه للمفسدين وغضبه وقرفه من مُمارسات غرور السلطان وتجبّره، في مسايرة مؤقتة، حتى تحين فرصة مؤازرة الحق فيكونون عونا لنصرته.

 حتى الآن لا أستطيع أن أميّز صوته من بين الأصوات؛ فهو ليس كثير الكلام وإن تكلّم فهو خفيض النبرة مختصر موجز مباشر الهدف نحو البؤرة المطلوبة من الخطاب. قادر على كتمان غضبه من دون محاولة لإنكاره، لا يبتسم ولا يتجهّم؛ له سمت مُحافظ مهذب تساعده عليه ملامحه الدمثة التي خلقه الله عليها. كان من الممكن في ساعات البغتة الثورية أن ينحاز إلى الذين أمروا بقطع الاتصالات الهاتفية والحاسوبية وأطفأوا الأنوار ليشيعوا الارتباك والفزع بين الشعب الذي خرج يقول حقي برقبتي، لكنه آثر في تلقائية حاسمة أن يكون مع منطق الرجل المؤمن: "أتقتلون رجلا أن يقول ربيَ الله" ،فلم يتحسس عنقه، تحسبا لنتائج كان من المؤكّد أن تطيح برأسه، بل انطلق بقلب شجاع ينبض بتساؤل مخلص: أتقتلون شعبا انتفض لكرامته ولم يخش في سبيل ذلك كائنا من كان؟

 صدّقت تأكيداته كلّها؛ أن لا رغبة له في السلطة، (سلّمها بالفعل 30 يونية 2012 من دون جلبة في يسر وسلام)، أنه مرحلة انتقالية وليس "حُكما" لـ "عسكر"،( نعم لم يكن "عسكر" كالذين حكمونا بالفعل على مدي 60 عاما وطغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، وهناك الآن من يحاول بعثهم بعثا رثّا  بجهلهم وغبائهم وأنانيتهم وتلعثمهم في كل الأمور)،  تلطمنا المذبحة من شارع لميدان، وأرى جزءا منها بعيني من شرفتي المطلة على ميدان العباسية، وأصدقه في تكرار قسمه أنه لم ولن تمتد يده لقتل مواطن مصري، ناهيك عن ثوار أجلاء ساندهم منذ اللحظة الأولى، لأنني تعرّفت عليها في الحال: تلك بصمة اللصوص والقتلة، فالثعابين وبيض الثعابين الذي يفقس كل لحظة بأفواج من الفلول مختلفة الألوان والأشكال والسموم واللدغات تنسل مواصلة تقديم خدمات الفتن والفوضى المأمولة خلاقة وخناقة، ومنهم من لبس قناع الثائر وسارع في الأيام الأُوَل للثورة بتشكيل مجلس حكماء ذهب إلى كتلة الشعب الطيب بميدان التحرير بنية سوداء حمقاء لنزع فتيل الثورة، على حد قولهم صراحة وفضاحة، ومنهم من ظل يُحرض للضرب بيد من حديد مع شعلات لهب العين الحمراء، ومنهم من ظل يسفه مقولة "شرعية الثورة" و"الشارع لا يريد"وهي تنديدات تتجدد إلى الآن يرفع لواءها على السمان!

 نفض عن كتفه فتنة المديح، حين نُسب إلى محمد حسنين هيكل قوله، الذي امتعضت له، أنه لا يتحرج من  اعتبار المشير طنطاوي رئيسا للجمهورية، وتجاوز عن الكثير من الاتهامات، التي حمّلته أوزارا ما أنزل الله بها من سلطان؛ تناثرت بها مفردات ككرات النار عن صفقات وتحايلات واتفاقات وخبايا وأسرار.................إلخ إلخ إلخ!

لا أصدق حتى الآن سوى إحساسي أنه حرس مصر من شرور مستطيرة كانت على الباب تنتظر غفلة أو تخاذلا وتقدم للإنقاذ في نبل لايريد من مخلوق جزاء ولا شكورا.

اليوم 27 أكتوبر يسبق عيد ميلاده السابع والسبعين يوم 31 أكتوبر 2012، فكل عام وهو طيب.

الأحد، 21 أكتوبر 2012

فن كتابة:

الفنان ميّت يتسلّى بالخلق

وصلت أخيرا إلى شجاعة الاعتراف بأني أكره الفن. الشعور أنا متأكّدة منه وإن كان التعبير عنه لم ينضج تماما على لساني، قليلون جدا الذين عبّروا قبلي عن مدى كراهيتهم للفن ولذلك فإن تراث التعبير في هذا الموضوع قليل وغير متوفّر وهذا يجعلني رائدة في الحقل وهو أمر شاق، ومُقلِق إلى حد ما، وكل الذي وصلت إليه للآن هو خطوط عامة للفكرة تجري كما يلي:

 الاعتراف بأني أكره الفن. رأيي أن الفنان ميّت يتسلى بالخلق؛ لقد وصلت، لدهشتي، إلى ملاحظة أن الفنان إنسان فشل في تحقيق الحياة فهرب إلى الابداع، وملاحظة أن الإنسان المتكامل السعيد هو الذي حقق حياته ولا يمكنه الخلق الفني لأنه شبعان. وغالبا ما يصل صمم الفنان عن الحياة؛ التي هي زرع وحصد وثأر وحب ومثالية وبدائية وعرق وتعب ورجل وامرأة وانجاب أطفال وموت، إلى عجزه عن الاحساس باللحم والدم فنرى عطفه على بطله الذهني أو تمثاله أو لوحته وقلقه على أسلوبه وقوالبه أكبر جدا من عطفه وقلقه على أقرب الناس إليه، وغالبا، كذلك، مانجده لا يهتم بمتابعة الصحف لأنه يفضل العزلة ويكره البشر؛ يتحايل عادة باتهامات شتى يبرر بها كراهيته للبشر، وأكثر الاتهامات شعبية وانتشارا اتهامهم بالتفاهة وعجزهم عن الفهم وبلادة الحس بينما هو غارق في الشفقة على نفسه التي يعتبرها طبقة أرفع من الآخرين وجديرة باستثناءات خاصة.

في كل مطالبة باستثناء أو امتياز يخبث عادة النتن، وهذا هو جبروت الميّت حقا، مما يجعل أمر تقديس الفن من بواعث الضحك  جدا: الفن هو الكفن الذي يجمع رفات الميت، ( الذي يكون أحيانا مُحنّطا إلى درجة بارعة لا يبدو فيها الميّت ميّتا).

لن يوافقني أحد على هذا الرأي؛ فالذين باع لهم الفنان الأوهام منذ عصور تاريخية قديمة من الصعب عليهم أن يعترفوا بسذاجتهم البالغة مبلغ الحماقة، ولكن كل إنسان كامل جمعته صداقة أو قرابة أو زواج أو تعامل مع فنان يستطيع أن يشهد بأن معاشرته مملة للغاية، وهناك الروايات التي تدور حول خيبة الأمل التي تنسكب على كل من قابل فنانا سبق أن أعجبه فنه.

( هذا بعض ماكتبته في بيتي بمدينة نيويورك وأنا أنتهي من استكمال  شهادة الماجستير في نقد المسرح التي حصلت عليها ،للعلم وليس للمباهاة، من جامعة نيويورك يونية عام 1966، ولم يكن هناك ساعتها أي حس أو خبر عن تيارات إسلامية مؤثرة تغسل الدماغ من بعيد أو قريب بل على العكس تماما؛ كانت التيارات اللادينية من جوقة اليمين واليسار هي المهيمنة على أروقة الفن والثقافة في كل بقاع الدنيا، ولم تمنعني، ولم تُحرّضني بالتأكيد، تلك الأجواء من قولى هذا في شأن الفنان، كما أنها لم تمنع الماركسي برتولد بريخت من أن ينتصر لرأي قاضيه "أزدك"، في مسرحيته "دائرة الطباشير القوقازية"، الذي حكم بإدانة إمرأة إشتكت متحرّشا بها قائلا لها: "إنك يا لودفيكا بإسرافك في أكل الحلوى والطعام عامة، وبمكوثك طويلا في الحمام في الماء الفاتر، وبكسلك وبشرتك الرخوة، قد هتكت عرض هذا الولد، هل تظنين أنك تستطيعين أن تتمخطري في كل مكان بمثل هذه الأرداف ثم تخدعين المحكمة؟ إن هذا إعتداء منك مع سبق إصرار بسلاح ممنوع"! ).

السبت، 13 أكتوبر 2012

فن كتابة:

نشيـــــــــد الاستبداد

أَكَلَنا النّملُ الأبيض على مدى 60 عاما فقضى، تدريجيا، على أخضرنا ويابسنا وترك بلادنا مُجوّفة، نعم "مُجــوّفــة"؛ هيكلها الخارجي يبدو كأنها بكامل صلاحياتها تحتاج  فحسب ترميما هنا وإصلاحا هناك ويُظن أنه مع الجهد والصبر تتعدّل الأمور، لكن هذا تصوُر فيه الكثير من التعامي عن الواقع الصعب الذي خلّفته لنا جحافل النمل الأبيض بنهشها محاصيل الحاضر ومخزونات المستقبل نهشا طماعا نهما، لم يرع فينا إلاّ ولا ذمّة، لم يتوقف لحظة، ولم تزل فلوله حتى الآن؛ فلول الحقبة الناصرية ومن بعدها فلول الساداتية حتى لحقتهما فلول مبارك وسوزان والأنجال ومن يلوذ بهم، تواصل الشمشمة لعلّها تتنبّه إلى عود لم يكتمل مًصه فتلحقه بالازدراد حتى لا يتبقى من الأمل شيئا، ولا يغرّنا التشاجر والتخاصم والتعارك فيما بينهم فكله حراك التنافس بين كتل النمل المتوحشة.

لا تكف فلول حقب الاستبداد المتتالية عن الجعير بنشيدها الذي يُعلي من قيم أساليب: "العين الحمراء" و "الضرب بيد من حديد" وبقية العبارات الطنانة التي مُفادها: "الشعب إتمرع إديله على دماغه إحنا مش عاوزين حاكم يكون بابا جدو عاوزين واحد يعيد هيبة الدولة كفاية فوضى!"،  وهنا يجد  نشيد الاستبداد فرصته ليعلو بعقيرته يشيد بأمجاد السفاحين واللصوص الذين مروا على بلادنا عبر العصور؛ مبادرين بالطبع بذكر السفاح محمد على الجزار؛ الذي لم يقتل الأمراء المصريين، (المماليك)، وحدهم بل ظل يعتمد سياسة قتل كل من ظن أنه عقبة في طريقه أيا من كان: جماعات وفرادى، هذا الذي احتقر الشعب المصري وكان الود ودّه أن يستبدله بمجموعة من الأجانب لم تخرج عن كونها عصابات جهولة من صعاليك أوروبا، وارجعوا في ذلك إلى شهادة الشيخ محمد عبده التي سجّلها في مقاله بجريدة المنار 1902 بعنوان: "آثار محمد على في مصر"، ملخصا دور ذلك المحمد علي،  باعث مصر الحديثة المزعوم، بأنه "لم يستطع أن يُحي ولكنه إستطاع أن يُميت"!

ويأخذنا نشيد الاستبداد لنجد أنفسنا، في وهدة "التجويف"، أمام نمل أبيض يتخلق من رماد استبداد مندثر، تخضبت يد "زعيمه" بقتل العلماء الذين خالفوه الرأي، وزاد على ذلك بقصص مؤكدة عن  اغتياله الأصدقاء والأخلاء والأطباء المقرّبين، ومع هذا لا يستحي النمل المتخلق من رماده عن المعافرة المستحيلة، في محاولة سقيمة شديدة الفجاجة والركاكة لبعث ما لا يمكن بعثه من جلباب لأب أكلته العثة، يستقدم بصياغة ثقيلة الظل نمط أحزاب العائلات  المنقرض، التي لعبتها الهند بأنديرا غاندي ابنة نهرو، وباكستان ببيناظير بوتو ابنة المعدوم ذو الفقار علي بوتو.

و يُكمل منشد، غريب الأطوار، لنشيد الاستبداد عبثا مُضافا يطالب بتكريم قائد جيوش النمل المتوحش: المخلوع محمد حسني مبارك، الذي لم تبرأ مصر ولا شعبها بعد من أكله لحمها الحي ولم تزل الدماء على شفتيه لم تجف، باعتباره من أبطال نصر أكتوبر، مع أن الأولى بالتكريم بذكر بطولاته، التي لا تغفلها السجلات الأمينة لحرب أكتوبر، هو المشير أحمد بدوي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة الذي اغتالته الحقبة الساداتية، 2 \ 3 \ 1981، مع  13  من  كبار قادة القوات المسلحة، في ظروف حادثة مريبة لم يُفتح ملفّها للتحقيق العادل حتى الآن.

فأين لمصر المفر ياربي أمام كل إبداعات الغش والغباء هذه؟




الجمعة، 12 أكتوبر 2012


حكيم روحاني حضرته

الذي تعودنا عليه منذ زمن بعيد هو ولع البعض باعطاء النصائح الطبية؛ أحيانا بدعوى "إسأل مجرّب ولا تسأل طبيب" وأحيانا بدعوى موروثات الطب الشعبي ونصائح العطارين وحلاّقي الصحة وأحيانا من ثقافة وقراءة مجلّة الدكتور وما إلى ذلك من المعروف والثابت والمُسلّم به. كما أننا تعودنا منذ زمن أبعد على استباحة النقد المسرحي والأدبي والفني من كل من هب ودب؛ يقول ويقرر ويشيل ويحط  باعتبار أن بوابة الفنون من غير بواب يدلف إليها من شاء وقتما شاء وكيفما شاء يعيث الفساد في الأصول والعموم والقواعد والابتكارات وعلى المتخصصين الصمت الرصين في خضم الضوضاء.

 الجديد الذي شد حيله هذه الأيام هو انتشار ظاهرة "أبو العرّيف" الذي يفتي في كل شئ من أول الديانات والحقائق التاريخية والقوانين  والدساتير والبرلمانيات والكوتات حتى الإقتصاد والتشكيلات العسكرية والوزارية؛ التي لا يتردد فيها كل "أبو عرّيف" بالإعلان عن قائمة ترشيحاته التي تحدد من يصلح ومن لا يصلح لهذه الوزارة أو تلك، وغالبا ما تكون القائمة هي مجموعة أصدقاء ومعارف السيّد المتطفف في التقدير المتطفل على شأن ليس من شأنه، ناهيك طبعا عن المسألة الزراعية التي قرأنا فيها العجب العجاب فيكفي أن يكتب من يكتب صارخا "القطن القطن" أو "القمح القمح" حتي يصبح خبيرا زراعيا يشار له بالبنان تستدعيه اللجان للإدلاء بدلوه، ولوكان من خريجي الحقوق والآداب والفنون التطبيقية، ويُستبعد من أجله من أفنى حياته بحثا وزرعا وحصدا في العلم الزراعي وفي لب المشكلة الزراعية!

أما آخر ما ورد في هذا الأمر  فهو "التحليل النفسي"، فقد صار عدّة النصب التي يلت ويعجن بها العديد، إذ يجلس من يتصوّر حاله "حكيم روحاني حضرته"، من الذين نصّبوا أنفسهم مرشدين للرأي العام، لا يتوانى عن الاسترسال بالثرثرة الجاهلة البلهاء بأقوال كيفما اتفق مُحرّفة مخطوفة خارج سياقها من قول عالم أو صفحات كتاب، لا يهمه الخلط والتبجح بالتعالم من غير علم، ولو كان على حساب غمط  جهد ثوار استشهد منهم من استشهد وضحى منهم من ضحى بأغلى حواسه دفعا للظلم وشراء لحق العزة والكرامة للبلاد والعباد.

الأحد، 7 أكتوبر 2012

فن كتابة: صافي ناز كاظم

في ذكرى مقتل السادات

يشهد،اليوم 6 أكتوبر، مرور 39 عاما على نصر العبور العظيم، و31 عاما على مصرع محمد أنور السادات، الذي يحفزني إلى التذكير بأن وسيلة الإغتيال السياسي كانت من المبادئ التي دعا السادات إليها وتبناها ومارسها.

اشتهر اسم محمد أنور السادات في الأربعينات من القرن الماضي حين ورد اسمه ضمن المجموعة التي قامت في مساء  6/1/1946 باغتيال أمين عثمان الوزير  بوزارة الوفد بإطلاق النار عليه أثناء دخوله مقر نادي الرابطة المصرية البريطانية في شارع عدلي باشا، وظل أنور السادات يذكر بفخر اشتراكه في هذه الجريمة، مؤكدا أن أمين عثمان كان يستحق ما جرى له؛ ومن حيثيات هذا الاستحقاق أن أمين عثمان كان معروفا بصلاته الوثيقة والمريبة بالمحتل الإنجليزي وكان لا يتوانى عن استفزاز مشاعر المصريين بعبارات جارحة منها قوله إن مصر قد تزوجت من إنجلترا زواجا كاثوليكيا لا طلاق فيه.

 جاء اشتراك أنور السادات في جريمة اغتيال أمين عثمان تلبية لتبنيه وسيلة "الاغتيال السياسي"، فكما هو مذكور في كتاب "السلام الضائع في كامب ديفيد"، يقول مؤلفه محمد إبراهيم كامل إن أنور السادات كان يرى الطريق الفعال لتحقيق أهداف المقاومة السرية ضد الاحتلال الانجليزي تكون بالقضاء على الزعماء المصريين المتعاونين مع الإنجليز، وعلى ذلك اقترح على المجموعة السرية، التي كانت تضم من بين أعضائها محمد إبراهيم كامل وحسين توفيق، اغتيال النحاس باشا رئيس حزب الوفد، لدوره المشين في حادث 4 فبراير 1942، وتمت الموافقة على الاقتراح ووضعت خطة لتحقيق تلك العملية وكانت المحاولة في نهاية 1945 لكنها باءت بالفشل، مما أدى إلى أن تتوقف المجموعة السرية عن نشاطها لشهور، إذ اتخذت أجهزة الأمن بعد الحادث تدابير أمنية مشددة.

ويذكر محمد إبراهيم كامل، أن قضية أمين عثمان، التي عرفت بـ "قضية الاغتيالات السياسية الكبرى"، كانت قضية شهيرة اشترك في الدفاع عن المتهمين فطاحل المحامين، وكان هناك تعاطف شعبي واسع النطاق مع المتهمين الشباب، بدافع الشعور الوطني الفياض ضد الانجليز، وقد لمع فيها اسم محمد أنور السادات وكان التركيز عليه لأنه كان لافتا للنظر بحركاته وصوته الجهوري، وظلت هذه القضية هي الموضوع المحبب لدى السادات بعد توليه رئاسة الجمهورية، فكان يتلمس الفرص ليشير إليها في عشرات من خطبه، وأحاديثه مع الصحافة كبرهان عملي على كفاحه الوطني الذي بدأه  في شرخ شبابه،(مذكور عند محمد إبراهيم كامل، السلام الضائع في كامب ديفيد، صفحات 12، 13، 18، 19).

 عندما جاء السادات إلى نيويورك مطلع عام 1966، وهو رئيس مجلس الأمة، واجتمع بعدد من الشخصيات المصرية والمسؤولين العاملين بالهيئات الدبلوماسية المصرية والدولية وبلفيف من الطلبة المصريين الدارسين بالجامعات الأمريكية، سمعت بأذني إفتخاره بأنه شارك في اغتيال أمين عثمان، مبررا ذلك بقوله: "وده كان بعد تصريحه بأن علاقة مصر بإنجلترا علاقة زواج كاثوليكي".

شارك السادات في قتل أمين عثمان يوم السادس من شهر يناير، وجاء مقتل أنور السادات، بعدها بسنوات كثيرة، في يوم السادس من شهر أكتوبر، ولعلها حكمة القصاص القدرية: العين بالعين والسادس من الشهر بالسادس من الشهر، ومن قتل، بالفتحة على القاف، يقتل بالضمة على الياء، ولو بعد حين!


الجمعة، 5 أكتوبر 2012


تسعة وتسعون بابا إلا باب

يحكى أن سلطانا قديما قال لزوجته المحبوبة عندما أخذها لقصره أول مرّة: يا حبيبتي أمامك تسعة وتسعون بابا مليئة بالذهب والفضة والجواهر النادرة من الياقوت والمرجان والزمرد والزبرجد وتحف الثياب وجميل المصنوعات وكل ماتشتهيه نفسك من مأكل ومشرب فامرحي واسعدي وانبسطي على كيف كيفك بس حاذري من فتح هذا الباب المائة فهو باب الأذى ممنوع عليك لأجل خاطر المصلحة فابتعدي عنه، لكن الزوجة تركت التسعة والتسعين بابا وظلت تحوم حول الباب الذي يجلب لها الأذى إلى أن تمكنت من فتحه فخرجت منه الأفاعي المحبوسة والسحالي والعقارب والعناكب وسائر المزعجات تنهشها حتى هلكت.

 اتعاظا بحكمة هذه الحدوتة سلكت سبيلها في علاقاتي بأهلي وأصدقائي وسائقي التاكسي وسائر خلق الله الذين يتحتم اختلاطي بهم؛ هناك بيني وبينهم تسعة وتسعون بابا في كلام المحبة والمودة والتصالح والتوافق، متجنبة بكل قوّتي ذلك الباب المائة الذي ما أن يتم فتحة حتى تهجم رياح المشاحنات وكور نار الاختلافات، جالبة الهم والغم و العداوة والبغضاء، فإذا بالأسنان تصطك والأيدي تهتز والعيون تبث اللهب وتطيش الألسن باحتقانات الغضب المكتوم والمخزون والمُعتّق، أما الأنوف فتنتفش على إتساعها مثل نمر تأهب للإنقضاض.

لا يسلم الأمر دائما، مهما كبحت وجوه الاستفزازات لأظل متمسكة بمكاني أمام عتبات الأبواب الطيبة، يكون هناك أحيانا من يقرص على صبرك ويقطع طريق الوئام ويصر على حقن الأعصاب بسم التوتر وخليط البواخة والرذالة وإبداعات الغباء، عندها لا أجد مناصا من الهرب الفوري إلى سلاح المقاطعة حتى أتحاشى  انفتاح  الباب المائة الذي يجب أن يظل مغلقا حابسا المزعجات كافة فلا تتمكن من النهش والخدش إلى الإدماء.

نجانا الله سبحانه من شر ما خلق!

قالت يسـرا: أنا مطمئنّة، فبدأ قلقي!