الثلاثاء، 13 مارس 2012

التدين المريب
منذ سنوات عدة تلقيت رسائل كانت تصلني أحيانا من أمستردام بهولندا وأحيانا من داخل القاهرة  بغلاف أزرق وخط ردئ وأسلوب ركيك ملئ بالأخطاء النحوية والإملائية ويبدو أن كاتبها كان يتابع ما كنت أكتبه بالمصوّر، واحدة من تلك الرسائل كانت تعلّق على قطعة من كتاباتي تحتوي على تداعيات من زمن الطفولة. كان التعليق وقحا يتبنى أسلوبا تهكميا أقتطف منه هذا الجزء على سبيل المثال: "المرأة المحجبة صافي ناز كاظم: بعد الإطلاع على ما كتبته في مجلة المصوّر .... لنا بعض الملاحظات: المرأة عورة ولا يباح لها أن تضع صورها على صفحات المجلات لأن في هذا فتنة للرجال وتصوير المٍرأة رجز (هكذا كتبها!) ويقال أن المرأة إذا تصورت فرأى صورتها الرجال أو النسوة الأجنبيات فهي فاسقة........ولا يشفع للمرأة ظهورها بحجاب فهي عورة بحجاب وفي كافة الأحوال ....ولا يباح للمرأة إمتلاك قلم.....بل المرأة لأنها ناقصة عقل لا يسمح لها باستخدام أية أدوات باستثناء المكانس والفرشات وأدوات المطبخ وكل ما يتعلق براحة البعل في بيته........لايجوز للمرأة أن تحمل أرنب (لم يكتبها أرنبا) أو غير هذا من حيوانات لها أسماء مذكرة .... لا يجوز السفر للمرأة .....ولا يجوز لك ركوب القطار لأن القطار مذكر وكان أولى بك أن تركبي الناقة...... كما لا يجوز لك أن تعرفي نفسك بأنك ناقدة مسرح ......فلا يجوز للمرأة أن تحشر عورتها الأنفية فيه...إلخ".

عندما وصلتني هذه الرسائل بكل كلامها الفارغ لم أمزقها واحتفظت بها قرينة على نشاط بعض المراكز المشبوهة المتخصصة في بث ونفث سموم حقدها الأسود على الإسلام الوضئ، وفي زحمة الأحداث كدت أنسى شأن هؤلاء الأفاعي حتى شكت لي إحدى صديقاتي من نشاط مجموعة سيدات أجنبيات، من أستراليا وأوروبا، يرتدين النقاب ويتحرّكن في مجال الدعوة، رغم عدم معرفتهن باللغة العربية، وينتهجن منطقا في الحلال والحرام يتشابه كثيرا مع المنطق التهكمي الذي ظهر لي جليا في تلك الخطابات المشوّهة المعادية للإسلام التي تبثها تلك المراكز المشبوهة في أمستردام وغيرها، ورأيت، في التشابه، كيف قسم أعداء الإسلام أنفسهم إلى فريقين: فريق يخترق صفوف المؤمنين بادعاء الإسلام والدخول فيه ثم يبدأ في المزايدة على المخلصين حقا لدينهم العزيز بانتحال تدين مريب يكون شغله الشاغل هو تثبيت كل المزاعم الباطلة التي يدّعيها ويروّجها الفريق الآخر المهاجم من الخارج والتي هي على شاكلة "لا تحمليي الأرنب لأنه مذكّر" و "لا تركبي القطار لأنه مذكّر واركبي الناقة..." إلى آخر هذه السماجات، وكان من الواضح أن هناك من يدّعي الإسلام ليكون جواز مروره للتخريب من الداخل تارة بتحريم كل شئ وتارة بتحليل كل شئ؛ تارة بالجمود والتشنج وتارة بالتساهل والتسيب.

الذي نعرفه على وجه اليقين أن رسولنا الكريم، خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله جاء رحمة للعالمين بكتاب عربي مبين حلاله بيّن وحرامه بيّن، ولن يكون من الصعب على المؤمنين لو تسلّحوا بالوعي الصادق بدينهم الحق، أن يشتموا النتن والخبث في "التدين المريب" الذي يتسم أصحابه بالشراسة وبالإستعلاء والمراء الكاذب، وصدق الله العظيم الذي قال في كتابه العزيز، من سورة محمّد: "أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم (30) ".

هناك تعليقان (2):

  1. استاذتنا, دائما ماكنت اتسائل عن تصرفات مثل هؤلاء الاشخاص وقد قابلت بعضهم, كيف يتعاملون مع افراد أسرهم و بالأخص الأم و الزوجه. (كان الله في عون بناته) و كذلك كيف يتعامل مع من هي غريبه عنه مثل زميلاته في العمل. ربنا يهدي الجميع

    ردحذف
  2. أستاذتنا الرائعة .. قد يكون الأمر به جانب كما تتصورين الهدف منه الإساءة للإسلام و لكن هناك فعلا من المسلمين المخلصين ممن لا يتقنون العربية ( بل وممن يتقنونهاأيضا ) من يصدقون أول ما يقرأون من كتب عن الإسلام حتى و لو كانت تحمل أفكار شديدة التطرف و يحرمهم البعد عن اللغة و الإطلاع من معرفة حقيقة الإسلام .. و لى تجربة مثيرة فى الهند عندما ذهبت للمشاركة فى مهرجان للرسوم المتحركة .. فى تلك الزيارة قمت بالطبع بزيارة تاج محل .. و كان بجوار القبر الشهير مسجد صغير يتبع القبر كان الزوار يدخلونه كجزء من الزيارة .. و لكن لم يكن هناك العديد من الزائرين .. المهم .. لم أدرى أين أترك حذائى و لأنى أحمل حقيبة ثقيلة فإكتفيت بإرتداء الخف الذى يوزعونه فوق الحذاء و دخلت المسجد .. ففوجئت بمن فى المسجد يصرخون فى و يشرحون بإنجليزية ركيكة أن هذا مسجد و من المحرم دخوله بالحذاء أو بالخف .. حاولت أن أففهمهم أنى مسلم و أنه لا بأس من إرتداء الخف و لكن بلا فائدة بسبب عصبيتهم الشديدة . خلعت الحذاء و دخلت و لكننى فوجئت بهم مرة أخرى يصرخون فى سائحة لأنها دخلت بالحذاء حتى أخافوها و خرجت من المسجد مفزوعة .. فذهبت لهم و قدمت نفسى مرة أخرى . و رويت لهم ماذا فعلا الرسول الكريم عندما دخل أحد المشركين فى المسجد و قضى حاجته و كيف طلب من الصحابة ألا يفزعوه و شرحت لهم ان من الواجب أن يتحدثوا مع السائحين بهدوء و أنهم فى مكانهم هذا إنما يقدمون صورة عن الإسلام و كانوا طوال الحديث تعلوهم إبتسامة سعادة غير عادية لم أرها عليهم و فوجئت بأخرين يلتفون حولى و يسألوننى أتعرف كيف تقرأ الآيات المكتوبة على المحراب و البوابات و لما قرأت لهم الآيات لا يمكننى أن أشرح لك مدى سعادتهم !! .. وقتها شعرت بحجم التقصير الذى نتحمله تجاه المسلمين فى العالم و تفهمت أحد اسباب التطرف التى يعانى منها المسلمين .. و كيف ان الحل فى منتهى البساطة.

    ردحذف