السبت، 26 يناير 2013

فن كتابة:

"عيد" مولد النبي

عندما كان عمري ست سنوات توفى والدي لكني لم أعرف أنني حصلت بهذا على لقب "يتيمة"؛ إذ لم أعرف الكلمة ومعناها إلا عندما جلست جدّتي رحمها الله لتحكي لنا قصة سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم وقالت : كان يتيما مات أبوه عبد الله قبل أن يولد وماتت أمه آمنة بنت وهب وعمره ست سنوات ومات جدّه عبد المطّلب وعمره ثمان سنوات، فقلت لجدّتي: هل يجب أن يموت كل هؤلاء ليكون الإنسان يتيما؟ فهمت منها أن هناك يتم الأب وهناك يتم الأم، شعرت بعد هذا الفهم بزهو لأن هناك شيئا يجمعني بطفولة الرسول الحبيب وظللت أحرص في صلاتي على تلاوة سورة الضحى؛  كانت عيناي تغرورقان بالدموع عند الآية الكريمة "ألم يجدك يتيما فآوى"؟ ويأخذ صوتي الحسم عند: "فأما اليتيم فلا تقهر".

تعوّدنا منذ وعينا الحياة أن نحتفل بمولد النبي؛ ليالي القرآن الكريم والتواشيح الدينية ،بأصوات بلابل القراءة والمدائح النبوية، وفي أجوائها الحلوى والزينات و برنامج خاص للأطفال بالإذاعة. لم يحدث أن كانت الإحتفالات صاخبة في أي يوم أو مبالغا فيها، ولذلك عندما ترتفع في بعض الأحيان نغمة متجهمة تنادي بعدم الاحتفال بمولد النبي بحجة أنها "بدعة" أتعجب؛ فالذكرى باعثة على الفرح، إنها مولد الرسول نبي الرحمة،  فكيف تكون بدعة أن نفرح وهوأمر لا حيلة لنا فيه؟

آمنة بنت وهب وخديجة بنت خويلد صديقتان؛ تزوجت آمنة من عبد الله بن عبد المطلب، قد تكون آمنة أكبر في العمر من خديجة وقد لا تكون لايهم، المهم أن آمنة بدأت الميلاد وأكملت خديجة الاحتضان، بعدها بسنوات، وفقا للمشيئة الإلهية. تزوجت آمنة ثم سافر زوجها الشاب، وهي تحمل له جنينا، ثم يأتي النبأ الحزين بوفاته. تتحسس آمنة حملها الذي حفظه الله في الغيب منذ آدم ليكون نبي آخر الزمان، حيث لا نبي ولا رسول من بعده.

في عام يُسمى عام الفيل تلد آمنة طفلا وضيئا تحمله الجارية "بركة" إلى جده عبد المطلب فيطوف به الكعبة يعلن عن فرحه ويسميه محمدا. إنصرفت المرضعات عن الطفل اليتيم لكن "بركة"، جارية آمنة، تستطيع أن تجد له المرضعة حليمة السعدية؛ كانت حليمة مرضعة فقيرة انصرفت عنها الأمهات فتآلف الطفل اليتيم مع المرضعة المتروكة ليضع الله الخير في الإطار الذي يُقدّره ويحتاجه، وعمّ الخصب بيت حليمة وفاضت البركات ثلاث سنوات حتى عاد الطفل المحروس بعين الله إلى أمه موفورا صحّة وعافية.

حكت حليمة لآمنة المعجزات التي رأتها وابتسمت الأم، ولعلها كانت قد أحست البشائر يوم مولد ه المُشرق. أخذت آمنة صغيرها ليزور أخواله وفي رحلة العودة إلى مكة يفاجئها المرض وتموت وتُدفن بأرض كان الرسول صلى الله عليه وسلم حين يمر عليها، فيما بعد، تدمع عيناه.

لم يبق للصغير من الحنو سوى جده عبد المطلب وجارية أمه "بركة"، التي صار اسمها أم أيمن، ومرضعته حليمة التي لم تقطع صلتها به أبدا. يموت الجد عبد المطلب فيقدّر الله سبحانه للصبي اليتيم مأواه الكريم في بيت عمّه أبو طالب ويبدأ "محمد" في رعي الأغنام فلا يكون بعمله عالة على أحد، ويشب شريفا يافعا ومعه تلك الرجولة التي ميّزته منذ صباه بالصلابة والثقة والأمانة والصدق وشجاعة الحق، مع الرهافة والحياء اللذين تناقضا تناقضا بيّنا مع فظاظة قريش وغلاظة الجاهلية، فأحبه الجميع وأنس إليه الغرباء والضعفاء من العبيد والمساكين.

اللهمّ، في الذكرى العطرة لمولده الشريف، آت سيدنا محمّدا الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته، ونسألك ياربنا ألا تلبسنا شيعا ولا تُذق بعضنا بأس بعض آآآآآآآمين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق