الجمعة، 14 يناير 2011

وسطية مصرنا المحروسة!

تراكمات


...وما أن سمعت بخبر الحادث المروّع حتى أسرعت بسحب الكهرباء من المذياع المرئي لتحصين نفسي ضد هجمات "التوك شو"، مطحنة الرغي في لغتنا الصحيحة، التي يبثها المذكور بكل قنواته وفضائياته، متوقعة ما حدث بالفعل وهو؛خروج كل ربابة بموالها يعزف عازفها ويغني منشدها الإجترارات البدهية بأصنافها المتعددة التي، في عمري هذا الطويل، خبرتها وحفظتها أذناي، حتى الملل، مع مرور حقب الزمان وعقود السنين. لا تعديل في المنطق، ولا تصويبات للأخطاء، ولا تصحيحات للزور والبهتان، ولا اهتمام يرعى جراح البلاد والعباد: لاشفاء من علة ومرض، الجديد فحسب هو اتساع رقعة منصات انطلاق متفجرات الكلام الخارجة من حاويات الأذى، التي كانت محدودة ومحصورة بقصور الإمكانيات في عقود الأربعينات حتى التسعينات من القرن العشرين إلى أن فتحت الألفية الثانية مغاليق الصناديق، ماتم تسميته "ثورة الإتصالات"، وطارت وطاويطها من محابسها لتلبس في وجوهنا صباح مساء توسوس وتصوصو وتصفر وتنهش وتمصمص ولا مجال لطردها ولو بالطبل البلدي.


سألني هذا،فكتمت السهم في كبدي وكيف أنهى عن أمر وأقترف مثله؟، ماحدث ليس فتنة: إنه تصنيع فتنة، وكل الاحتمالات واردة، ننتظر نتائج التحقيقات، والرغي الكثير لا فائدة فيه، ألم يقلها ألشاعر أحمد شوقي، وكان ذلك قبل وفاته 1932: "...وفيم يكيد بعضكمو لبعض وتبدون العداوة والخصاما؟...............وأين ذهبتمو بالحق لما ركبتم في قضيته الظلاما؟، شببتم بينكم في القُطْر نارا على محتلّه كانت سلاما، شهيد الحق قم تره يتيما بأرض ضُيّعت فيها اليتامى"!


وساءلتني تلك، ناقلة في تساؤلها روح "الإسلام فوبيا" لأتحسس ماتصورته بطحة في الرأس، عن طرح طرحه مسؤول عن "الوسطية" و "الدولة المدنية"، كأن مصر تشكو التزمت، بكل مهرجاناتها الفنية التي تلبس فيها فناناتها "من غير هدوم"، حتى يتوجب علينا النصح بـ "الوسطية"! وأين هي هذه الدولة الدينية الوهمية التي مافتئ بعض الزاعمين يدّعي بأنها تناطح الدولة المدنية القائمة بالفعل منذ زمن ولا ينقصها قول مغن: "عمّاله أدوّر عليك أتاريك هنا جنبي"!


صححني متشائم قائلا: أين هي الدولة أصلا؟
أجبته غاضبة: العراق كان يصيح: ماكو ميْ، ماكو كهرباء، ماكو دولة! أما نحن فلا يزال لدينا ماء، ولو ملوّث، ولدينا كهرباء ولو باهظة الثمن، وهذا دليل على أن لدينا دولة فمن غيرها الذي يلوّث المياه والزرع والضرع ويرفع الأسعار؟


كان لابد أن يداهمني سعال "المُستجدّة"، وهو ما تم اطلاقه على أنفلونزا 2011، فانطلقت إلى شريط أغنيات لعبد الوهاب أتفاكه مع مواله: "مسكين وحالي عدم" حتى "النيل نجاشي حليوه أسمر" إلى أن وصلت مع صوته الشجي إلى كلمات الشاعر شوقي العابثة: "جات الفلوكة والملاّح ونزلنا و ركبنا، حمامة بيضا بفرد جناح، تودينا وتجيبنا، ودارت الألحان والراح وسمعنا، وسمعنا وشربنا......هيلا هوب هيلا... صلّح لي قلوعك ياريّس......."!


هذا المجون مع الغرام والشراب الذي ساقه شوقي وصفا إلى أسماعنا في بحبوحة الدولة المدنية، على مدى مايقرب من قرن، لم يمنعه من التضرع إلى الله سبحانه بالدعاء:


"وقى الأرض شر مقاديره،
لطيف السماء ورحمانها،
ونجى الكنانة من فتنة ،
تهددت النيل نيرانها"!


فهل هناك من دلائل لـ "وسطية" مصرنا المحروسة أكثر من ذلك؟

هناك 3 تعليقات:

  1. الأخت الفاضلة الأستاذة صافي ناز كاظم
    أثناء تجوالي كعادتي اليومية في طرقات حارة المدونات ، يندر أن يستوقفني عنوان أو موضوع لمدونة واحدة من هنا او هناك ، ولو كل كام شهر ، من أجل أن اطلع منها بمعلومة صحيحة أو جملة مفيدة ، ليس فيها سباب ولا هباب ، كما كان حاصل من معارضة زمان ، اللي كانت بتناضل بأرقي الكلام وأفقه وأعذبه ، ولهذا توقفت فرحاّ لما شفت عنوان مدونتك النهارده بالصدفة متأكداّ أنني سأجد فيها موضوعات دسمه ، وبالفعل كان لي ما توقعته ، أسلوب راقي بيفكرنا بكتابات ومقالات الزمن الجميل ، علي الرغم من وجود اختلاف طفيف في بعض ما جاء فيها ، لهذا اسمحي لي ان أكتب الي حضرتك فيها تباعاّ ، من اجل وطن عزيز وغالي علينا جميعاّ سواء كنا مع أو ضد النظام الحالي او السابق او القادم من منطلق أن مصر فوق الجميع .
    بالمناسبة يسعدني ويشرفني زيارة حضرتك لمدونتي المتواضعة ( هاجن مصر ) .
    http://hagenmisr.blogspot.com/

    ردحذف
  2. لاتعليق غير انه مقال رائع
    وعايزاضيف ان الاعلام صاراشبه
    بالمعددة جنازة وشبعوافيها لطم

    ردحذف
  3. تحياتى يا أستاذتنا

    هذه وسطيتهم هم وأعتقد انها مشتقة من والوسط التى تستخدمه راقصات شارع الهرم فى الهز

    ردحذف