السبت، 6 أبريل 2013

فن كتابة:

تحريك الناس لغير مصلحتهم

يشترك الشاعران "أحمد شوقي" و "وليم شكسبير" في التنبيه شعرا إلى سهولة جر الغوغاء إلى إشعال نار الفتنة الغاشمة، التي تحرق الأخضر واليابس وتقود حملة مشاعلها إلى التحرك ضد مصالحهم ، بل إلى غير رغباتهم ، ففي مسرحيته "مصرع كليوباترا" يقول أحمد شوقي على لسان "حابي":

" اسمع الشعب دُيُونُ كيف يوحون إليه \ ملأ الجو هتافا بحياتيّ قاتليه \ أثّر البهتان فيه وانطلى الزور عليه \ يا له من ببغاء عقله في أذنيه "!

 وفي مسرحية "يوليوس قيصر" يجسد شكسبير لعبة التغرير الخطابي بالغوغاء الذين اندفعوا أولا هاتفين بحياة "بروتوس" وجماعته ثم انقلبوا عليهم فورا ، بعد أن استلمهم "أنطونيو" وسلّط عليهم خطابه المهيج لمشاعرهم ، صائحين متوعدين بالحرائق والتحطيم والتخريب ، وأنطونيو يراقبهم فرحا بتفاعل كلماته فورانا في أدمغتهم ، وقد اطمأن إلى توظيف غضبهم الجامح لمصلحته ،  قائلا في فوز : " أيها الشر إنك على بعد خطوة فاسلك غايتك بالدمار كيفما
 شئت "!

ولأن الشر المتحمس أعمى وأصم ، لا يفوت شكسبير أن يبرزه كالثور الهائج ، متهكما ، حين يعترض الغوغاء الشاعر" سينّا " ويسألونه عن اسمه،  المتشابه مع واحد من جماعة بروتوس، فيتصايحون : " مزقوه إنه المتآمر"! وعبثا يحاول أن يوضح لهم :" إنني سيّنا الشاعر ، ولست سيّنا المتآمر "،  فيكون الرد من البلطجية : " اقتلوه لرداءة شعره ، مزقوه لرداءة شعره "! ، وإمعانا في الغلظة والتوحش يتضاحكون بالتوصية وهم يمزقونه بلا
 رحمة : " يكفي اسمه سيّنا ، انزع اسمه وحده من قلبه ثم اطلق سراحه "!

في منتصف ستينات القرن الماضي، كتب الشاعر صلاح عبد الصبور قصيدته "مذكرات رجل مجهول" لخص فيها معاناة المواطن المصري في ظل الحكم الناصري، (الذي اتسم بواجهة عربية زاهية يفرح بها من ليس تحت طائلة استبداده وديكتاتوريته ويعاني من عذابها الشعب المصري الواقع بين أنياب الجبروت، مخيّب الآمال فيما ظنه حلم الخلاص، مكتوما مقهورا تحاصره الأناشيد والرقص الشعبي والهتافات الملحقة بالخطابات الرنانة) ، فاضحا الصمت ، الذي لم يكن يوما دليل الرضا : "هذا يوم مكرور من أيامي.." و"... أعود إلى بيتي مقهورا، لا أدري لي اسما، أو وطنا، أو أهلا..." و"... هذا يوم كاذب، قابلنا فيه بضعة أخبار أشتات لقطاء، فأعناها بالمأوى والأقوات، وولدنا فيه كذبا شخصيا"،  إلى آخر هذه المقدمات التي تصعد، في تصوير فني دقيق، إلى الاحتجاج الصارخ: "يا هذا المفتون البسام الداعي للبسمات، نبئني، ماذا أفعل، فأنا أتوسل بك............ إن كنت حكيما نبئني كيف أجن، لأحس بنبض الكون المجنون، لا أطلب عندئذ فيه العقلَ" ، وبهذا التساؤل / الإجابة، ينهي صلاح قصيدته الرائعة، التي تكمن روعتها في صدق لا ينسحب على زمن كتابتها ونشرها فحسب، ولكن لامتداده المعبر عن كل الأزمنة القاسية التي استباحت الوطن وإنسانه؛ وإن أشد الأزمنة قسوة هي تلك التي يهتف فيها الشعب بحياة قاتليه، مأخوذا بكلمات مخادعة،  ولقد استوقفتني ذات مرّة عبارة في مقال  تشير إلى  فؤاد سراج الدين بصفته "الراحل العظيم"، رغم أن السيد فؤاد سراج الدين باشا كان وزيرا للداخلية في وزارة من وزارات النحاس باشا، "الليبرالي الديمقراطي"، وقام سيادته في أربعينات القرن الماضي  بغلق مدارس الرائدة التربوية نبوية موسى ـ 1886/1951ـ وأعتقلها وأودعها سجن الحضرة بالإسكندرية مع "المعوجات من الأجنبيات"، على حد تعبيرها، وذلك بسبب معارضتها  السياسية ليس إلاّ!

                                                                                   

هناك 6 تعليقات:

  1. ينطلى الضحك على الذقون وتحريك الناس لغير مصلحتهم على الغوغاء والعامة والبسطاء وأما المثقفين والثوريين والمناضلين .. فهل نصدق انهم مجرد مخدوعين ؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. بالطبع لا! إن منهم من يحرك الناس لغير مصلحتهم مثل أنطونيو، ومنهم شياطين خرساء والبقية تكشف الحقائق، أو هكذا واجبهم.

      حذف
    2. لكن لا اخفى عليك اعجابى بخطبة انطونيو خاصة مع القاء مارلون براندو لها فى الفيلم الامريكى

      حذف
  2. الأستاذة الفاضلةالف تحية من الجزائر

    لقد ذكرتني الأستاذة صافي ناز بكتاب قرأته في السبعينيات ولازلت اختفظ به في مكتبتي ،الموسوم "الوعي و الوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر " للمفكر الراحل محمود أمين العالم

    ردحذف
    الردود
    1. معلش بلاش سيرة الأستاذ محمود أمين العالم!

      حذف
    2. قسما بالله العظيم لقد توقعت هكذا ردا من الأستاذة
      الجيل الذي أنتمي إليه نشأ على أفكار محمود أمين العالم و عبد العظيم أنيس وفؤاد زكريا وغيرهم من المفكرين كما نشأنا على أشعار أحمد فؤاد نجم واغاني الشيخ إمام
      الأستاذة صافي ناز أنت أحسن من يعرف طبيعة المرحلة

      حذف