الجمعة، 27 مايو 2011

مقالي الذي نشره الأهرام اليوم 27 5 2011 في ملحق الجمعة صفحة أدب ساخر:
لساني حصاني:
حكاية دخولي المغارة

 المقصود بالمغارة هي: الشبكة العنكبوتية "الانترنت".
كنت قد ركنت الى اليأس وارتضيت أن أكون من ذوي الاحتياجات، أخضع لما تجود به ابنتي من وقتها وعافيتها لتكتب لي مقالاتي على الحاسوب، وتقرأ لي بريدي متحملة منها عبارة: "اصبرييييي يا ماما"! حتى صعبت عليّ نفسي وقلت في سري: هل أصبحت يا ست صافي مثل الأمي، الذي ينتظر ابنه العائد من الكتاب ليقرأ له الجريدة أو يذهب إلى العرضحالجي ليكتب عنه الجوابات؟
لم يعجبني الحال بالطبع، أنا التي من صغر سني مطنجرة العمامة، أأدخل، في ثياب الذل، عصر الاتصالات؟ ساءلت نفسي، مستعيرة كبرياء جـــدتي كليوباترا وهي ترفض بإباء وشمم أن تدخل في ثياب الذل روما مكان التاج من فرقيها خال؛ وكان أن رفعت يدي هاتفة بحسم: كلا وألف كلا: سأنزل غير هائبة إذا ما تلمظت المنيــّـة للنزال !
طيب، تحتّم التصرف الحكيم، الذي حدث منذ عامين ونصف، أن أعود تلميذة في محو الأمية الانترنتية، وكان أن بدأت مع متخصص يعلمني الأبجدية الحاسوبية: وتاتا بعد تاتا تخطيت العتبة نحو المغارة!
 دعوت الله في سجودي بحرارة وابتهال: يا من علم آدم الأسماء علمني الحاسوب!
 واستجاب الكريم الودود الفعال لما يريد. عافرت لأتقن جمع ما أكتب، ولاقيت ما لاقيت من عذاب وعنت، هلكت والله صحيح لكن من قال إن حفظ الكرامة بالساهل؟
المهم أنني صرت أعرف الدخول إلى مواقع تنشر مقالاتي وأطمئن أن مقالي تم نشره من دون الإحراج الذي كان ينشأ، وابنتي تراقب قلقي أو إحباطي أو فرحي الطفولي عندما تجد مقالي منشورا فتصيح: نزلت ياماما نزلت! وأبدو متهللة كأني أنشر لأول مرة.
 أفتح بريدي الإلكتروني، بل وواثقة أحرك المؤشر إلى "إلغاء"، الللللللله! يا لها من كلمة أحبها جدا.
أما لماذا أجد الإنترنت كما المغارة؟ فذلك لأنني تهت في غياهبها والإشارات تزيدني حيرة حتى البكاء.
ليس لي فيها مقام، فهي زحام حاجتي إليه قليلة لا تستحق كل الجلبة المتاحة.  
وها قد تعلمت وأنا عجوز أتوكأ على عصا، وأصبح لدي حاسوبي الخاص المحمول، واسمه الشائع   للأسف هو اللاب توب، وأوصلني اجتهادي إلى نتائج إيجابية، فوق أنني أصف مقالي بنفسي وأرسله بمعرفتي إلى الجهة المقصودة  للنشر عبر البريد الإلكتروني، ولا الحوجة إلى الإستعانة بإبنتي!
 ولأن الطمع في المعرفة محبوب قادني طموحي إلى التجول في الشبكة العنكبوتية \ "المغارة" ،ووجدت مايسرني وإلى جانبه الكثير مما لم يسرني من لغة التفحش ونهش الأعراض، التي لم أر ضرورتها لأصوات تأخذ سمت الغاضبين للحق!
كل هذه الألفاظ النابية ؟ لماذا؟  تساءلت وقد غمت نفسي وأناألوذ بالنقر على أمر الإلغاء.

أصوات تحب صياغات كشف العورات والعبارات منزوعة العفة والحياء، تلهو لهوها الكئيب مع العناكب والخنافس وخرفشات الحشرات المتنوعة ، وترى في ذلك المهارة والشطارة والمبتغى!

في مسرحية "بيرجنت" لـ "إبسن" يهبط البطل "بيرجنت" إلى عالم المسوخ ، تحت الأرض، حيث تُقلب دلالات الأشياء رأسا على عقب فيُمجّد القبح ويصبح القيمة المرجوة  التي تزدري"الجمال"،  ومازلت أذكر جملة زعيم المسوخ: "لا..لا.. إنها ليست قبيحة كما ينبغي" وهو ينشد أكثر الفتيات قبحا لتنال رضاءه!

 لست ممن يحبون مصادرة اختيارات الآخرين، وأرى أن من حق المسوخ أن يعبُوا من قصعات "المسوخية" حتى حافة كروشهم ، بل إن من حقهم أن يتجشأوا أبخرتهم الكريهة، ويتمتعوا، في محافلهم القمامية، بالتعبير المكرّس لكل القبح الذي يعشقونه ويتبادلون الإحتفاء به في دوائرهم التحتية، أما الذي ليس من حقهم ولا من حريتهم فهو قطع الطريق على الأسوياء، ليحاصروا فرصهم في استنشاق الهواء النقي مستشرفين ضياء الشمس ونور القمر.




هناك 4 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    هلكت والله صحيح لكن من قال إن حفظ الكرامة بالساهل؟

    لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال

    تحياتى لحضرتك واتمنى قرائتك لمجهودى المتواضع فى هذا الكتاب ... بل وسيسعدنى نقده ...

    http://hesshesss.blogspot.com/

    للتحميل برجاء النقربمؤشر الفارة على غلاف الكتاب فى المدونة

    تحياتى

    ردحذف
  2. الأستاذة صافي ناز كاظم المحترمة ألف تحية من الجزائر

    الانترنت يجب ما قبله .بفضله انتقلنا من الواحد الأحد إلى الكثرة والتعدد .طبعا بالمعنى السياسي .

    ردحذف
  3. تحياتي لحضرتك ولقرائك الكرام،،،
    لا يُعامل المسوخ سيدتي بمبدأ الحقوق كما ذكرتِ في آخر مقالك الشيق؛ أي لا يُرحموا كما لا يُرجى منهم أن يَرحموا، وليست المشكلة في التعامل مع هؤلاء - وهم كُثر في واقعنا العالمي والمحلي- بمبدأ عدم مصادرة اختيار الآخرين، وإنما التعامل معهم في نظري يكون بطريقتين: طريقة التجاهل للجاهلين؛ إن لم يتعدّ جهلُهم أنفسَهم مع التحذير منهم، وهذا نادر بل قد يكون منطقًا حالمًا؛ لأنهم ولجهلهم لن يقبلون أو تقبل أنفسهم الخبيثة مبدأ عدم التعدي، وقد قال تعالى: "ودَّ الذين كفروا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء"، وهذا ينسحب أيضًا على المفسدين والمسوخ بحدِّ تعبير حضرتك الصائب لواقع مجتمعنا المصري.
    أما الطريقة التي أراها حق في التعامل مع المسوخ سواء من استقراء التاريخ أو مشاهدة الواقع، فهي مبدأ المدافعة، فلابد من مواجهة كل مسخ بما تيسر لنا من أساليب المقاومة والمواجهة الشريفة التي يتحلى بها الفرسان الشجعان، وأرى أن الفارس الشجاع في كل ميدان ثقافي كان أو حربي لا يترك سيفه إلا أن ينتصر بعزةٍ وكرامة أو يموت بشرفٍ وإباء.

    ردحذف
  4. المقال تحفة فى تعبيره عن عالم الإنترنت .. الملفت فى بعض من يجافعون عن الثورة بعنف و بالرغم من أراءهم السليمة فإنهم يستخدمون أقذع الألفاظ فى الدفاع عنها و فى الهجوم على من يخالفهم .. إنه تناقض لم أفهمه !! كيف لمن يدافع عن الحق أن يكون القبح وسيلته !!!

    ردحذف