الخميس، 7 يوليو 2011

ليْلى دوس: إطلالة على وطن جميل


أدهشني ترحيبها: "أهلا أهلا صافي ناز...فينك من زمان"؟

معقووووووول؟ أبعد كل هذه السنوات ـ 50 سنة ـ ما زلت تذكرينني ياليلى؟ منذ 1960 آخر مرة إلتقينا، كنت محررة شابة في مجلة الجيل مع رئيس تحريرها موسى صبري، الذي كان يحبك كثيرا، تضحك: "أيوه...أيوه..."!

إنها هي ليْلى ـ بفتحة على اللام وبسكون على الياء أو بكسرة تحت اللام تجرّها إلى الياء ـ أشارت بإصبعها: " بفتحة على اللام والسكون على الياء بس؛ أنا لا أحب الخوجنة"!
هي، كما كنت أراها في سنوات الخمسينات، بمرحها الطفولي وظُرفها الراقي وصراحتها التي لا تتنازل، وحبها للمهمشين والمظلومين الذين هبت من أجلهم بجمعية تحسين الصحة لحماية مرضى الدرن والعناية بأسرهم.

بعد أن تركت فيللا والدها، المحامي الشهير توفيق باشا دوس، سكنت بيتها الحالي في الدور الثامن بجاردن سيتي، مع راعيتها "زينب"، إتساع البيت يبدو واضحا لكننا نجلس في محدودية الشرفة التي تحولت إلى غرفة معيشة مختصرة ومشرقة ومريحة. يتقارب مجلسنا، ومعنا إبنة أخيها صديقتي دكتورة مديحة دوس، أستاذة اللغويات بقسم الأدب الفرنسي بكلية الآداب جامعة القاهرة، جئنا نحتفل بعيد ميلادك يا ليْلى، تسارع بالتنويه بكل فخر: "خمسة وتسعين سنة"! وتضحك.

كم أنا مسرورة بهذا اللقاء، شكرا لكتابة الزميلتين تهاني صلاح وسهير حلمي عنها بجريدة الأهرام 17يونيو 2011، التي نبهتني إلى ضرورة السعي فورا للذهاب إليها لوصل ما انقطع أولا: بمناسبة عيد ميلادها أول يوليو، وثانيا: لترى كيف توافق إشتراك والدي، محمد كاظم أصفهاني الخبير في تحقيق الخطوط والأختام، مع والدها، توفيق بك دوس المحامي المتطوع للدفاع عن أبناء الشعب المصري في القضية التي إشتهرت عام 1920 باسم "قضية المؤامرة المنظورة أمام المحكمة العسكرية" والتي حاكم المحتل الإنجليزي بمقتضاها 25 من أشرف أبناء مصر بتهمة "التآمر على قلب نظام الحكم والتحريض على قتل عظمة السلطان والوزراء"، من بينهم عبد الرحمن فهمي بك وتوفيق صليب وياقوت عبد النبي ومنير جرجس عبد الشهيد وابرهيم عبد الهادي المليجي ومحمد حسن البشبيشي وقرياقص ميخائيل والشيخ محمد المصيلحي وعازر وناشد غبريال ومحمد الميرغني.

 كان بيدي صورة من التقرير الذي كتبه والدي مع زملائه الأربعة: الأستاذ الشيخ على عوض والأستاذ الشيخ عبد الرزاق والأستاذ الشيخ حسن شهاب  والأستاذ محمود أفندي حسني؛ الخبراء الفنيين والمستشارين في الخطوط، الذين انتدبهم الدفاع لفحص الأوراق والمستندات التي عوّل عليها المدعي العمومي الإنجليزي في اتهاماته، وجاء من نص الصفحة الأولى من التقرير التالي: "تقرير مقدّم منا نحن الخبراء الموقعين عليه في قضية المؤامرة المنظورة أمام المحكمة العسكرية ؛ كلّفنا من قبل الدفاع في هذه القضية بلسان الأستاذ توفيق بك دوس المحامي لعمل ما يأتي، الموضوع، حيث أنه تقدم في هذه القضية ورقة كبيرة قيل أنها بخط ياقوت عبد النبي وعليها بعض تصليحات قيل أنها بخط محمد أفندي حسن البشبيشي المحامي......إلخ"، ثم تابع صفحة 3: ".......................اجتمعنا في يوم الإثنين 9 أغسطس سنة 1920 بغرفة المحامين بمحكمة الإستئناف الأهلية واستلمنا من حضرة توفيق بك دوس صورا فتوغرافية لبعض الأوراق السالفة الذكر وطلبنا الإطلاع على أصول هذه الأوراق فتحدد لذلك صباح اليوم التالي وفي الساعة التاسعة من يوم الثلاثاء 10 أغسطس 1920 اجتمعنا وانتقلنا مع حضرتي مصطفى النحاس بك وأمين عز العرب أفندي إلى غرفة المستر باول حيث توجد لديه أصول الأوراق المذكورة.........إلخ".

قدّمت لها الأوراق: شوفي ياليلى بابايا كان مع باباك!

أمسكت ليلى عدسة تكبير الخط وقرأت باهتمام بالغ ثم رفعت رأسها وقالت بجديّة: "نأخذ فوتو كوبي"، قبل أن أتساءل: كيف؟ كانت قد قامت من فورها، من دون مساعدة، واتجهت إلى جهاز التصوير الضوئي لديها وأنجزت المطلوب بنفسها وبمهارة عالية، ما شاء الله، ثم قالت: "هل تعرفين من هم هؤلاء الذين كانوا يحاكمون ثوار 1919؟  والدي كان في لندن وسمع من يناديه باسمه وفوجئ بأنه القاضي الذي كان يحاكم الثوار وأنه لا يزيد عن مجرد بهلوان يعمل في واحد من المسارح الرخيصة"!

في كلمات له نشرتها "المصوّر" في عددها الصادر 7 يوليو 1950 ـ قبل وفاته بشهرين في 18 سبتمبر 1950ـ  ظل المحامي توفيق باشا دوس على انحيازه لمطالب بني وطنه قائلا: "...إن لدينا الآن مسائل معلقة تشغل بال كل مصري غير المسائل السياسية على أهميتها وهي المسائل الإجتماعية...وعلاج هذه المسائل في نظري يكون بتحسين حالة الفقراء، ورفع مستوى معيشتهم، ومحاربة الجهل والمرض ، وهذا هو ما أتطلع إلى تحقيقه لاعتقادي أن له المقام الأول من الأهمية." وهكذا كان من الطبيعي أن تكون إبنته هي ليلى دوس: رائدة العمل الإجتماعي ومؤسسة جمعية "تحسين الصحة" التي قدمت لمصر الجليل من الأعمال من دون أن تنتظر من أي سلطة حاكمة جزاء ولا شكورا ولا حتى فتفوتة جائزة!

في عيد ميلادك الخامس والتسعين ننتظر عيدك المائة ولك مني ياليلى ألف تحية وتعظيم سلام!


هناك تعليقان (2):

  1. الأستاذة الفاضلة صافي ناز كاظم ألف تحية من الجزائر

    ليلى بفتحة على اللام ، وليلى بكسر اللام
    .
    يبدو أن صديقتك ثقافتها فرنسية ، لأن ليلى بفتحة على اللام تعني عند العرب ، نشوة الخمر ، أما ليلى بكسرة على اللام تعني عند الفرنسيين نوع من الزهور

    ردحذف
  2. الأستاذة الفاضلة صافي ناز كاظم ألف تحية من الجزائر

    سيدتي المحترمة: المقال من بابه إلى محرابه كله فيمينيزم . ومن الآخر كما تقولون في المحروسة و الله العظيم ثلاث لا أسال أم هاجر عن راتبها ولا أعرف بالضبط راتبها الشهري حتى أنها تتضايق من ذلك .و كما قال سواح في ملك الله لست وحدي أعرف أصدقاء وزملاء لا يتدخلون في مرتبات زوجاتهم .
    أيتها الكاتبة المحترمة تحياتي الخالصة من الجزائر

    ردحذف