السبت، 13 أغسطس 2011

سجل لحقوق الإنسان من سبعة قرون

إنه كتاب "معيد النعم ومبيد النقم"، من تأليف تاج الدين السبكي، المولود بالقاهرة عام 727هـ/1326م، في عصر السلطنة الثالثة للناصر محمد بن قلاوون، وتوفى بالطاعون في دمشق وهو في الثالثة والأربعين سنة 771هـ/1369م في سلطة الأشرف زين الدين بن حسين بن محمد بن قلاوون. أهمية هذا الكتاب الآن أنه يعزينا، بلغته المتهكمة على الظالمين، فيما نلقاه ونتصوره من المصائب التي لم تلحق الأولين ولا الآخرين، لكنه يؤكد إلى جانب ذلك ضرورة ألا نيأس من قول ما يجب أن يقال لإيقاظ الغافلين ولله الأمر من قبل ومن بعد.

# حين يضرب تاج الدين السبكي الأمثلة التي تخص سلبيات رجال الحكومة في زمانه، والتي تؤدي إلى زوال النعم يقول: "إن الله لم يوله ـ (أي السلطان) ـ على المسلمين ليكون رئيساً آكلاً شاربا مستريحا، بل لينصر الدين ويعلي الكلمة. ومن وظائف السلطان أن ينظر في الإقطاعات ـ (أي الإمتيازات) ـ ويضعها في مواضعها… فإن فرق الإقطاعات على مماليك اصطفاها وزينها بأنواع الملابس والزراكش المحرمة وافتخر بركوبها بين يديه، وترك الذين ينفعون الإسلام جياعاً في بيوتهم، ثم سلبه الله النعمة وأخذ يبكي… فيقال له يا أحمق أما علمت السبب، أو لست الجاني على نفسك؟ وإن استكثر على الفقراء ما بأيديهم وتعرض لأوقاف وقفها أهل الخير… عليهم فهو بلاء على بلاء… فإن ضم إلى ذلك أنه يبيعها بالبرطيل ويضعها في غير مستحقها فما يكون جزاؤه؟….. وإن أخذ يصرف الأموال على خواصه ومن يريد استمالة قلوبهم لبقاء ملكه وأعجبه مدائح الشعراء لكرمه فذلك خرق، ولقد رأينا منهم ـ (يعني السلاطين والحكام) ـ من يعمر الجوامع ظاناً أن ذلك من أعظم القرب فينبغي أن يفهم أن إقامة جمعتين في بلد لا يجوز إلا لضرورة، عند الشافعي وأكثر العلماء، فإن قال قد جوزها قوم قلنا له: إذا فعلت ما هو واجب عليك عند الكل، فذاك الوقت إفعل الجائز عند البعض، وأما أنك ترتكب ما نهى الله عنه وتترك ما أمر به، ثم تريد أن تعمر الجوامع بأموال الرعايا ليقال هذا جامع فلان، فلا والله لن يتقبله الله تعالى أبداً…". ثم يقول: "… وعليه أن يرفق بأهل القرى ويؤدي أمانة الله التي علقها في رقبته للفلاحين"، ويقول: "… ومن حق البريدي أن لا يجهد الفرس بل يسوقها بقدر طاقتها، وقد كثر منهم سوق الخيول السوق المزعج  بحيث تهلك تحتهم، أفما علموا أنها خلق من خلق الله تعالى؟".

#  ويقول في ناظر الجيش: "ومن قبائح الجيش إلزامهم الفلاحين في الإقطاعات بالفلاحة ـ (السخرة) ـ والفلاح حر لا يد لآدمي عليه وهو أمير نفسه".

#  ويعلن: "… فمن خطر له أنه إن لم يسفك الدماء بغير حق ويضرب المسلمين بلا ذنب، لم تصلح أيامه، فعّرفه أنه باغ جهول أحمق حمار، دولته قريبة الزوال ومصيبته سريعة الوقوع، وهو شقي في الدنيا والآخرة، وإذا أخذه الله لم يفلته… فإن قال حمار من هؤلاء من أين أعرف هذا…… قلنا له: إذا كنت لا تعرف فاسأل أهل الذكر…. وإن عجزت عن الفهم فمالك والدخول في هذه الوظيفة ـ (خادم السلطان) ـ دعها"!

#  ويعود ليوصي بالفلاحين من ظلم جنود السلطان: "…. لو شاء الله تعالى لقلب الفلاح جندياً والجندي فلاحاً، فإذا كان لا يشكر نعمة الله تعالى على أن رفعه على درجة الفلاح، فلا أقل من أن يكفي الفلاح شره وظلمه…".

 #  وعن البنائين: "اللطف والرفق بالبنائين وأن لا يستعمل أحداً فوق طاقته ولا يجيعه، بل يمكنه من الأكل أو يطعمه… وعليه أن يطلق سراحه وقت الصلوات فإنها لا تدخل في الإجارة وما يعتمده بعضهم من تسخير البنائين وإجاعتهم وإعطائهم من الأجرة من دون حقهم واستعمالهم فوق طاقتهم، ومن أقبح الحرمات وأشنع الجرأة على الله في خلقه، وأقبح من ذلك أنهم يعتمدونه في بناء المساجد والمدارس، فليت شعري بأي قربة يتقربون"؟

هل هذه المقتطفات التي اخترتها من كلام تاج الدين السبكي، في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم"، أمثلة من وثيقة حقوق الإنسان والحيوان في الإسلام ذكّرنا بها عالم من أهل الذكر، أم هي سجل للجرائم والانتهاكات التي جهر بها في مواجهة الطغاة والبغاة من حكام عصره وكل العصور؟ الإثنان معاً بالطبع.. نعم بالطبع.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق