الخميس، 18 أغسطس 2011

صلاة الطغاة
 يكثفون صلاتهم، يصلون طيلة الوقت، يهرعون للصلاة في الشدائد يستمدون منها القوة...إلخ.  لا بأس! لكني أهز رأسي تعجبا وأنا أبتسم، رغم أن أخبارهم غير  مكتوبة بصيغة ساخرة، بل الحقيقة أن الصيغة الجادة التي نقلت إلينا هذا الكلام عن أحوال جناكيز  العصر والأوان، هي التي أضحكتني وتذكرت على الفور كلمات للمسرحي الإنجليزي وليام شكسبير (المولود في أبريل 1564 والمتوفي في أبريل 1616) جاءت على لسان الملك "كلوديوس" في مسرحية "هاملت".

 هذا الملك (كلوديوس) قاتل وداعر وفاسد ومن جرائمه العديدة قتله أخاه الملك هاملت (والد الأمير هاملت ) وزواجه المحرّم من الملكة أرملة أخيه، واغتصابه العرش من وريثه الشرعي الأمير هاملت، ولكي يحافظ على مكاسب جرائمه ملأ القصر الملكي بحاشية فاسدة تتولى مهام قذرة من تجسس ومراقبة وخطط لاغتيال الأمير هاملت؛ مع ذلك خطر لهذا الملك الفاسد أن يصلي، متصورا أنه يمكن أن يستحوذ على كل شيء : الدنيا والآخرة. وفعلا أخذ نفسه إلى "حالة" الصلاة وأخذ يبتهل إلى جسده أن يخشع قائلا، بما أترجمه عن النص الإنجليزي على مسؤوليتي:

 "انحنيا يا ركبتي العنيدتين، وأنت أيها القلب، بشرايين من حديد، كن طريا، مثل عضلات طفل وليد".

 لكن لا أمل أمام السفاح "كلوديوس"، المعترف بجرائمه أمام نفسه في خلوته، وقد عددها قائلا:

 "إن جريمتي منتنة، تصل رائحتها إلى السماء،
لا يمكنني الصلاة، رغم أن رغبتي فيها معها إصراري،
 إن إثمي الكبير يهزم إصراري،
 لقد ازدادت يدي سمكا، بدماء أخي،
 هل هناك في رحمة السماوات، الماء الكافي لغسل يدي، وتكون بيضاء كالثلج؟
 ما هي وظيفة الرحمة، إن لم تكن لمواجهة الذنب؟
 لكن أي شكل من الصلاة أقول؟
 هل أقول: اغفر لي يا ربي، جريمة قتلي البشعة؟
 هذا لا يمكن، طالما أنني لا أزال أمتلك الغنائم التي من أجلها ارتكبت جريمتي،
 هل يمكن أن يغفر لي ربي، مع استبقائي لغنائم جريمتي؟
 هذا ممكن في مجريات هذا العالم الفاسد، فمن الممكن ليد الجريمة الثرية أن تزيح العدالة جانبا، وغالبا ما نرى الرشوة الوغدة، تشتري القانون، ولكن الأمر ليس هكذا في السماء، فليس فيها أي إمكانية للتلاعب!،
 آه يا نفسي الملعونة، آه يا صدري الأسود كالموت، آه يا روحي الواقعة في الفخ، تصارع من أجل الفكاك، فتزداد قيودها، النجدة يا ملائكة!"

بنهاية هذه المحاولة الميئوس منها، للصلاة، يعترف المجرم القاتل كلوديوس بالفشل مرددا هذه الحكمة:
"كلماتي تطير، وأفكاري تظل هابطة. كلمات بلا نية معقودة على التوبة، لا يمكن أن تقبلها السماء"!

لقد صار العالم أمامي المرادف للقصر الملكي في مسرحية هاملت، وها هو كلوديوس  وأعوانه: بولونيوس، وجولد نستين، وروزنكرانتس، يديرون معركتهم الماكرة لخداع "هاملت": رمز المقاومة النبيلة ضد الفساد والبغي والجبروت، لكن مهما ركب هذا الطغيان أعلى ما في قدراته من كذب وتضليل فإنه إلى هلاك وكساد.

وقد قالها وليم شكسبير لكل هؤلاء القتلة واللصوص منذ أربعة قرون: "سوف تنالون الخزي بانتصاراتكم الشريرة"!





هناك 3 تعليقات:

  1. "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".
    صدق الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم

    ردحذف
  2. الأستاذة الفاضلة صافي ناز كاظم ألف تحية من الجزائر
    كلوديوس قاتل وداعر وفاسد ، كم قتل؟وكم اغتصب؟ وكم سرق؟ . لا أعتقد مطلقا انه قتل 200 ألف من البشر ولا اختطف 7 آلاف من البشر ولا اغتصب آلا ف من البشر . هؤلاء شيئا أخرا تعجز الكلمات على الوصف .
    أيتها الكاتبة المحترمة كل رمضان وأنت بألف خير

    ردحذف
  3. السيدة الفاضلة
    هذا الكلوديوس عندي، مقارنة بسلاطين وطواغيت عالمنا العربي الآن، لهو إنسان طاهر نقي القلب وإن كان مجرماً لكنه ياسيدتي يملك الضمير اليقظ الذي يحدثه بكل جرائمه في ساعات الخلوة إلي النفس. هل رأيت أحداً منهم (طواغيتنا) ياسيدتي يري نفسه إلا مبعوثا خاصاً من السماء، وبشراً ليس قابلاً للخطأ مثل بقيتنا من البشر. هذا الكلوديوس الذي إذا قورن بحكامنا من القتلةفهو قديس، لقد قتل أخاه فقط فرأي ضميره يداه وقد زادت غلظة، وهم قتلوا الآلاف بينما يدرمون أظافرهم لتبدو أكثر أناقة. أأه- لن أطيل عليك ولكني سأطلب، في عصر حكم سلاطيننا، صلاة خاصة لروح القديس كلوديوس. مع خالص التحية والتقدير.
    د. محمد زكريا الأسود

    ردحذف