الخميس، 28 أبريل 2011

مقالي المنشور بالمصوّر 27 4 2011:

أدب المهنة
تلطف الله سبحانه وتعالى وفتح لي أبوابا لنشر كتابتي على صفحات لم تكن مفتوحة لي من قبل، وكان هذا من الأمور التي طيبت خاطري، ذلك لأنه في مثل هذه الأيام من العام الماضي ـ (إبريل 2010) ـ تعرضت لأسلوب معاملة بعيدة كل البعد عن أدب المهنة من جريدة المصري اليوم  حين فوجئت في يوم الإثنين 26 إبريل 2010 بعدم نشر عمودي الأسبوعي "ليالينا الحلوة" من دون إرهاصات مسبقة، وكان عنوانه "واقعة سقوط محمود من فتحة كوبري الساحل". كان الطبيعي أن أندهش، فالموضوع لم يكن به شبهة إختلاف يتولد عنه أي إجراء تعسفي يصل حد البتر البغتة ـ (لا شئ يستفز الكاتب مثل مباغتته وهو يفتح الجريدة باختفاء كلماته؛ يحدث له لحظيا ما يحدث حين يسحب شرير كرسيا من تحت متأهب للجلوس) ـ إذن؟ تساءلت: ما الأمر وهل؟.

 بالطبع كان من الأصول أن أجد إجابة لأي "هل ؟" تخطر على بالي ، لكني، بنصف دهشة، لم أجد "الأصول" وبالتالي لم أجد "الإجابة" ؛ أدق باب حضرة رئيس التحرير، مجدي الجلاد، عبر هاتفه المحمول وبريده الإلكتروني وسكرتارييه ولا من مجيب، أدق باب رئيس قسم الرأي، علي السيد، عبر هاتفه ومحموله وبريده، طريق سد! على مدى يومين، بربع دهشة، شيمة أهل الجريدة كلهمو "البواخة"، وتعريف "البواخة" عندي هو: قلة ذوق من غير ضرورة، حتى أنني طلبت السويتش، مع إختفاء كامل للدهشة، وقلت له: اعطني أي  واحد في صالة التحرير فكان رده: كلهم روّحوا!

اللللللللللللللللللللللله! ماهي الحكاية التي تجعلهم يختبئون كلهم جميعا هكذا تحت الكراسي؟ هل أنا "شبطانة" في جاه سلطانهم وزهقت روحهم من "تلقيح الجتت" بحيث تملكهم الحرج من الإعتذار اللائق الواجب الملزمون به، وفق أدب المهنة، ليقول لي مفوّض منهم: نشكرك على مشوارك معنا ونكتفي بهذا القدر من مشاركتك؟ أم أنهم قد أعجبهم ممارسة الغطرسة والتلذذ بإهانة الآخر لأنهم من محدثي السلطة والتسلط العبيط؟.

نهايته كان هذا كله قبل 25 يناير 2011 ، والطريف بعدها هو ذلك الإتصال الذي جاءني عبر الهاتف مفاده: فلان من جريدة المصري اليوم يسألني مارأيك فيما حدث؟ أفندم؟ وهل حضراتكم تختلفون كثيرا عن هؤلاء المخلوعين الذين مارسوا الغطرسة على الشعب المصري وتلذذوا بإهانته؟ إذهب يافتى عني فلا حق لديكم عندي للفرح بثورة كشف الغمة وعودة الكرامة والحق في "أدب" التعامل مع خلق الله!

سادت ظاهرة الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، (مثل الذي يضرب زوجته وعياله ثم يندد بممارسات التعذيب في أقسام الشرطة!).

 شالتني وحطّتني أماكن صحفية كثيرة تركت منها ما تركت ولسان حالي يغني "ودعتك وأنا أهون ليا تفارقني روحي ولا أسيبك"، غير أنه للكرامة سطوتها عليّ  فلي لسان حال آخر يغني "رضيت هوانها فيما تقاسي وما إذلالها في الصحف دأبي!".

 نظرت إلى وجهي بالمرآة، متذكرة  الذين سمحوا لأنفسهم الإطاحة بأدب المهنة دون أن يستبد بهم الحياء،  ولم يعجبني تجهم جبيني فحسّنت شكلي  وناقشتني في حوار بناء:  ياستي الشمس تشرق دائما كما ترين وكما سبق وأفاد إرنست همنجواي، وهاهوالورد يتفتح في جناين مصر كما توقع الشاعر نجم وغنى ملحنه إمام منذ أربعين سنة، وهاهي برامج التوك شو إلى أفول بلا تردد بحمد الله، فلماذا يا سيدتي لماذا الكدر وبيدك مفاتيح البهجة؛ طالما يحق لك النقر على أمر"إلغاء" لتختفي فورا الرسائل التي لا تلتزم بـ "الأصول" و "الأدب"، ولتسطع وجوه الشهداء بأعيننا  فلا نرى غير جمالها ونبلها!

 

الاثنين، 25 أبريل 2011

الحمد لله الذي أسقط الأقنعة عن كل السفاحين!

مبروك لشعب سوريا العظيم كشف عورات بشّــار السوء الذي نجح طويلا في خداع المقاومين! سقط الدجال الجلاّد فياويله يوم حسـابه، وقد جاء أوانه بحول الله وقوته!

ولقد إصطفى الله سبحانه الشهداء فهنيئا لذويهم!

الجمعة، 22 أبريل 2011

مقالي الذي تم نشره اليوم بالأهرام صفحة "الســاخر"


الموسيقار عبد الوهاب يدعو إلى الدولة "الدينية"!

سيرا في السياق "الحلمنتيشي" لتعريف الدولة "الدينية"، وفقا لما يصدر عن جهابذة المثقفين والسياسيين وبعض فقهاء القانون و"الكتباء"، (الجمع الذي ابتكره المهندس نجيب ساويرس لكلمة كاتب!)، يمكننا أن نعتبر أغنية موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب: "حب الوطن فرض عليّ أفديه بروحي وعنيّه" شاهدا أصيلا على توجهه نحو تحبيذ الدولة "الدينية" وذلك لخلطه "الدين" بالغناء وتكريسه كوسيلة إقناع لدعوة الناس لحب الوطن باعتباره "فرضا" من الفروض الدينية، بل إنه بتأسيسه لهذا الخلط  قد أوقع كلا من الشاعر أحمد فؤاد نجم وزميله الملحن والمغني الشيخ إمام عيسى لاقتراف هذا الإستخدام "لتديين الفن والغناء"، المعادي للدولة المدنية، في أغنية "الخط ده خطي والكلمة دي ليا" التي جاء فيها: "واكتب على عيني يحرم عليك النوم، واحبس ضيا عيني بدموعي طول اليوم، قبل الوفا بديني زي الصلاة والصوم......إلخ"، فها نحن نرى الشاعر والمغني يربطان بوضوح، لا لبس فيه ولا مهرب منه، وفاء الواجبات الوطنية بالفرضين الدينيين "الصلاة والصوم" اللذين يكونان ركنين أساسيين من أركان "الدين" الخمسة، ناهيك عن ليّ عنق التاريخ والفن والغناء بردة إلى الوراء، لا تصل والحمد لرب العزة إلى شبهة العودة إلى القرن السابع الميلادى الذي تكررت الإشارة إليه سلبيا في الأدبيات الداعية إلى قطع دابر الدين والمتدينين وهو بالمناسبة قرن بعثة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حين تم إحياء  نشيد "إسلمي يامصر إنني الفدا، ذي يدي إن مدت الدنيا يدا، أبدا لن تستكيني أبدا، إنني أرجو مع اليوم غدا، ومعي قلبي وعزمي للجهاد، ولقلبي أنت بعد الدين دين" الذي لم يتحرج مؤلفه، بعد ذكره  لعزمه "الجهاد"، من إقحام "الدين" في مقولته لمصر أنها لقلبه بعد الدين "دين"، إلى آخر كل الإختراقات "الدينية" التي لا تعد ولا تحصى والتي تسللت، في غفلة من حراس الدولة "المدنية"، إلى وجدان الشعب المصري وجعلته يقوم "بتديين الإستفتاء السياسي الذي لاعلاقة له بالدين ولا حتى بالمادة الثانية من الدستور المعطل..."، على حد قول "حلمنتشة" من "حلمنتشات" واحد من "كتباء" الصحف!

ماذا أقول لكم لو جئتم تسألوني  عن سبب هذا الهم والغم كله؟

أقول نعم وأينعم: لقد دلف "الدين فوبيا" متأبطا "الإسلام فوبيا" عقر دارنا بكل الهيستيريا المصاحبة؛ تتطير وتتوجس وتتكدر من أي ذكر لمفردة إيمانية عابرة من مفردات "الدين"!

خلاص ولا مناص!

تركوا هموم الوطن وكل مشاغله المتراكمة، ولم يعد يدفعهم دافع إلى أن ينفر في أقفيتهم عرق الغضب، فيتنادوا للتحلق والتآزر و تجييش حشودهم القلمية والفضائية والتآلفية والتحالفية للصد والرد، سوى كلمة هنا أو هناك، خرجت عفوا أو قصدا، تحمد الله بزوال غمة الإستبداد وترى في أداء واجبها نحو الوطن أمانة تقربها إليه سبحانه وتعالى، تبتغي رضاءه وتسأله التوفيق في القول والعمل، في استحضار متوهج للآية الكريمة "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".

إلى هذا الحد يبلغ البغض بالبعض حتى يطيح بالصواب فتلتبس في الأيدي لافتة "الدولة المدنية" بلافتة "حريتي هي قهر الآخر"، فصاروا يستنكرون بشراسة  فك قيد المحظورين و صعود المنفيين في أوطانهم  إلى جوارهم يمارسون بندية حقهم المستعاد في الكلام،  لأنهم تعودوا أن تقوم سلطات الإستبداد على مر العقود والسنوات بأن تُخلي لهم الجو  ليعوموا على "وش الفت" براحتهم، وتنصبهم وحدهم"النخبة"، من دون أي وجه للحق أومراعاة للحقوق، وتريحهم بسجن خصومهم الفكريين وإقصائهم تماما من كل ساحات الثقافة والإعلام والمشاركات المصيرية المعبرة عن الإختيارات الأصيلة والأصلية للشعب المصري.

الخميس، 21 أبريل 2011

... وكانت التاسعة من روايات عمرو عبد السميع

هي "الكاميليا والرمان"، التي قرأت مسودتها سبتمبر 2010 قبل صدورها عن الدار المصرية اللبنانية أول يوم من يناير 2011 بعد أن إنتهى مؤلفها من كتابتها في برج العرب \ الإسكندرية 19 أغسطس 2010، التاسعة في قائمة مؤلفات الدكتور عمرو عبد السميع في فن الرواية: ساعة عصاري، الدم والعصافير، أنا والحبيب، الفنطاس، العنكبوت، الأشرار، النسوان، كفاحي.

بين المواهب المتعددة للفنان ابن الفنان عبد السميع عبد الله، تتفوق موهبته الفذة في فن الرواية،  هذا الفن الذي برطش فيه من برطش بجرأة واستهانة حتى صرت أخافه، خشية صواعق ملله وقباحة لغته وآلام ركاكته، ولذلك صرت لا آمن إلا لإسمين: سلوى بكر وعمرو عبد السميع، على إختلافهما، أهرع إلى كتابتهما مدركة أنني، على أقل تقدير، سوف أكسب شيئين هامين صارا نادرين: لغة عربية طلية قوية مطواعة متجددة ومبتكرة، وخفة ظل جيدة التوظيف، تضيف الظلال وتكثف الحسم وتستدعي الوعي، تتدفق بين الأسطر وتنساب عبر الصفحات مثل غدير ماء يتمناه القارئ زادا وزوادة.

لولا أن كتابة رواية"الكاميليا والرمان" كانت تأخذ أيامها قبل ثورة 25 يناير 2011 بعام على الأقل، لوجدناها الآن بلاغا أدبيا للنائب العام يرصد أحوال فساد سادت قبل الثورة تلخصها كلمات بطلها "الشمندل بتانوني شمندل": "أتواجه مع صورة بلد لا أعرفه.. لا أحبه.. لا أبغاه..بلد مدموغ باللعنة.............بلد لصوص الخصخصة وأصحاب التوكيلات.. بلد المتنفذين الخصيان............بلد النسوان المحظيات.. بلد يترصد أشواق البسطاء للحرية .. بلد الشركات متعددة الجنسيات .. بلد العفن حين تجلى .. بلد سطوع وإشراق المحنة.. بلد الظلم المظلم ورجال الأعمال .. بلد كل ساعاته ودقائقه وثوانيه مواقيت حاضرة لصلاة المال.. بلد البصق على الفقراء، وإهدار القيمة والمعنى، وقتل الأطفال .. بلد اختاره ـ أصحاب الزمن الجديد ـ موقعا للإنزال .. وهبطوا علينا وهبطوا بنا واختطفوا الأمل رهينة ودفعوا بالعملاء إلى السيطرة على الأسوار والحصون ودخول الأحياء الشعبية وأحشاء المدن من دون قتال فاكتمل سقوط الوطن وأعلن الزيف نفسه: سلطة احتلال"! (ص 135 و 136).

بين كلمة الإهداء (ص 5): "إلى فضيلة عدم الإنكسار؛ إلى عود الرمان الجاف الذي رفض ـ  تاريخيا ـ الإنحناء"، وبين آخر ثلاثة أسطر هي خاتمة الرواية (ص 191) التي تقول: " وهمس حفيف أوراق الشجر ـ في يقين ـ  أن الليالي حبالى وستلد عما قريب أطفالا مُفرحين؛ أطهارا كالحليب، عباقرة، مفرودي الظهور، عيدانا من الرمان، مرشوقة كالحراب في كل أرض البلد تأبى: الإنحناء"، يقدم عمرو عبد السميع، عبر 38 شخصية لاعبة، كواليس مسرح "صناعة إمبراطورية الفساد"، التي قامت على أعين أجهزة التسلط بالقهر؛ فتولدت عنها الجرأة الفاجرة في الإستحواذ على مفاتيح التحكم، في البلاد والعباد، وأتاحت اغتصاب الحقوق وانتحال التفوّق والنبوغ، ليتزين بجهد غيرهم وإنجازاتهم الجهال والمزورون، بلا حياء، ويستمرئ آكلو السحت، الإستيلاء على المناصب، ( تسرد الرواية بالتفصيل حالة تنصيب حاصلة على دبلوم تجاري رئيسة لجامعة إستثمارية خاصة)،من دون تأثم أو استعظام للجرائم الفادحة، وبفضل إقصاء الأخيار لصالح المتباهين بسحق الكرامة  العزيزة وسرقة الروح النابهة، تدنى سقف الوطن فلم يصبح في صفوفه الأولى ولم يلمع على شاشاته و ينطق عنه سوى البليد والركيك والأهطل والسفيه والذي أينما توجه لم يأت بخير!

هذا التنويه لرواية  "الكاميليا والرمان"، للروائي الثاقب الأستاذ الدكتور عمرو عبد السميع، يأخذ فرصته اليوم ليدلل على مدى الإحتياج الذي حتم النهضة في التحرير لقيام ثورة 25 يناير 2011، التي ساعدنا الله سبحانه على تحققها، والحمد لله رب العالمين.

 

الخميس، 14 أبريل 2011

من ملفاتي تم نشره 28 8 2008 وها فد حانت ساعة القصاص من كل المجرمين!

ليلة أن شعرت بالخوف

بعيدا عن كل حيثيات الحزن والغضب التي يمكن أن تنبثق من حريق مبنى مجلس الشورى المصري التاريخي العريق، 19/8/2008، فاجأتني نفسي بآلام خوف يداهمني، إذ رأيت في ألسنة اللهب وحشا عنيدا واثقا بإمكانه أن تمتد أطرافه الأخطبوطية إلى حيث يشاء.


كنت أخاف الزلازل والبراكين لأنها قوة دمار مباغتة يقف الإنسان أمامها عاجزا، لم يعلم كيف بدأت ولا يملك إرادة إنهائها، أما الحرائق فهي، إن لم تكن بفعل فاعل مجرم، تكون بفعل إهمال فاحش وتقصير خائن للأمانة.


شاهدت عام 1971 حريق دار الأوبرا الخديوية الملاصق للمركز الرئيسي لإدارة إطفاء الحريق بميدان العتبة، ودارت وقتها الثرثرة الخائبة التبريرية نفسها، حول كيف أنها خشب في خشب ولذلك كان من السهل أن ينشب فيها الحريق، كأن قابلية الأوبرا للاشتعال كانت سرا تم اكتشافه على التو، كأنها لم تكن تضاء بالمشاعل والشموع من دون أن يمسها الخطر، لأن الذي أنشأها عام 1869 أقام بالقرب منها وحدة إطفاء جاهزة للدفاع عنها منبها على ضرورة تأمينها.


بعد حريق الأوبرا احترق متحف الفن الإسلامي بباب الخلق وتمت «كلفتة» الحدث بخسائره المروعة، مادية ومعنوية، بالثرثرة المعتادة عن الخشب وقابليته للاشتعال، وظلت حرائق منطقة الموسكي والصاغة، وما يجاورها من متاجر شارع الأزهر تأكل ورش الصناعات المحلية، أحذية وملابس وخلافه، بمعدل حريق كل أسبوع، أو ما يقرب من ذلك، حتى صارت من طبائع الأمور يدهشنا سكونها كأن النار قد تقاعست عن أداء عملها المتوقع!


حرائق.. حرائق.. حرائق، كلها من ابتكارات الإهمال واستفحالات التقصير، والاستهتار واللا مبالاة، استكمالا لمشاهد طفح المجاري وانفجار المواسير واختلاط مياه الصرف الصحي مع مياه الشرب، سواء بسبب انتهاء العمر الافتراضي للمواسير القديمة أو بسبب خراب ذمة من أشرف على تجديدها بأردأ الأنواع وأسوأ المهارات، التي لا تهتم بغلق الفجوات لتصبح من جانبها آبار موت تبتلع الأطفال، وحوادث صعق المواطنين بأسلاك الكهرباء العارية المدلاة، ناهيك من تلال القمامة التي تمرق جوارها العربات الفارهات لتجسيد مفارقة المثل المصري الشائع «زبال وفي يده ورده»! وإذا بالقاهرة العزيزة تنسحب برمتها إلى العشوائية، ................ نعم أنا بنت المدينة وقد تمنيت أن تنهض القرى وترتفع إلى صلاح المدينة وأحكام نظامها وتنسيقها وانضباطها ونظافتها وأمنها وأمانها، لا أن يحدث العكس الذي نعايشه ويستفحل يوما بعد يوم، لتتحول القاهرة إلى قرية نهبط معها حتى نصل إلى حريق مجلس تاريخي، منوط بفحص شكاوانا، لتعديل المائل، ودفع الأخطار، وتهدئة الخواطر، وتأكيد حقنا في الأمن والأمان والطمأنينة.


ليست الخسارة في اللوحات النادرة لكبار فنانينا الرواد التي كانت تزين الجدران، ولا يجدي معها أنها، مع تلك الوثائق التي قال الدكتور فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب المصري، قد تم حفظها في الكمبيوترات، فهذا كلام به الكثير من التبسيط والاستهانة بقيمة الخسائر مع كونه مؤشر دال على العقلية التي نظر بها هذا المسئول وقرينه إلى وسائل تأمين سلامة مبنى المجلسين الشورى والشعب. الخسارة الحقيقية هي في ذلك الهلع الذي بات يحاصرنا، وليس سببه فحسب حافلات القهر والقمع التي تحاصر الجامعات والمنشآت بالأمن المركزي، بواقع دائم «عمال على بطال»، ولا الجوع، ولا غلاء الأسعار، ولا طوابير الخبز، والسحابة السوداء، وأوبئة الأمراض الفيروسية والسرطانية، وعصابات تجارة الأعضاء البشرية.. إلخ، إن الهلع الأكبر هو هذا الكشف: أننا في «تيتانيك» تغرق ولا يهتم أحد من المكلفين حمايتنا بالبحث لنا عن أطواق إنقاذ بعد أن احتكروا لأنفسهم كل قوارب النجاة.

الاثنين، 11 أبريل 2011

ثورة بنت ثورة والخيانة واحدة!

من ملفاتي هذا المقال الراصد لموقف حضراتهم منذ 2008!

يحتفلون ببونابرت في ذكرى ثورة المصريين عليه: أكتوبر 1798!

احتفظت بقصاصة من «الشرق الأوسط» 2 أكتوبر 2008، تفيد بالاستفزاز التالي: «تقيم مصر وفرنسا احتفالية مشتركة بعنوان بونابرت ومصر»، ويتضمن الخبر تفصيلات وافية عن المشاركة المصرية الرسمية في هذه الخيبة القوية، التي بدأت 13 أكتوبر الحالي وتستمر الى 29 مارس 2009 في باريس، ثم تابعت ما نشرته جريدة الأهرام القاهرية 12/10 و13/10/2008، في لهجة مرحبة: «ساركوزي يرعى احتفالية بونابرت في مصر»، ومعها صورة لوحة، يقولون انها نادرة، لبونابرت فوق ظهر جواد يرقب القاهرة من فوق المقطم! فيما أفاد الخبر صباح اليوم التالي مغادرة الوفد الرسمي برئاسة وزير الثقافة المصري فاروق حسني ود. زاهي حواس ود. اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية. وصرح فاروق حسني قبل مغادرته مطار القاهرة قائلا: «كانت حملة بونابرت على مصر عسكرية، لكن الجانب المضيء فيها يتمثل في أنها كانت إرهاصات مبكرة لنهضة مصر في عهد محمد علي، وشهدت تلك الفترة مرحلة جديدة من الثقافة والعلم والمعرفة..».

وبعد: أليس من العجيب هذا التلذذ بالمذلة الطوعية والخضوع الاختياري؟

اسمحوا لي بإنعاش ذاكرتكم قليلا ببعض ما جرى خلال تلك الحملة المشؤومة، التي يراها حضرة وزير الثقافة «إرهاصات مبكرة لنهضة مصر».

في 28 يونيو 1798 ـ الموافق لشهر المحرم 1213 ـ ضربت مدينة الإسكندرية بالهجوم البونابرتي، بادئا حملة احتلال استمر ثلاث سنوات و21 يوما، من 1798 حتى 1801، الموافق السبت 9 صفر 1213 حتى ليلة الجمعة 21 صفر 1216، كما يذكر الجبرتي في كتابه عجائب الآثار ج 2 ص 480. تصدى حاكم الإسكندرية، الشهيد محمد كريم، للعدوان في بطولة مثالية انتهت بالقبض عليه وإرساله مخفورا إلى نابليون بونابرت فحكم بإعدامه. ويروي المؤرخ العلامة الشيخ عبدالرحمن الجبرتي هذا الحدث قائلا: «.. فاشتد غيظهم عليه فارسلوا وأحضروه الى مصر (يعني القاهرة) وحبسوه، فتشفع فيه أرباب الديوان.. فحضر اليه مجلون وقال له: المطلوب منك كذا وكذا من المال، وذكر له قدرا يعجز عنه.. فلما أصبح أرسل الى المشايخ.. واستغاث وصار يقول: اشتروني يا مسلمين، وليس بيدهم ما يفتدونه به.. فلما كان قرب الظهر وقد انقضى الأجل أركبوه حمارا واحتاط به عدة من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة، ويقدمهم طبل يضربون عليه وشقوا به الصليبة إلى أن ذهبوا إلى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحا وضربوا عليه البنادق كعادتهم مع من يقتلونه، ثم قطعوا رأسه ورفعوه على نبوت وطافوا به بجهات الرميلة والمنادي يقول: هذا جزاء من يخالف الفرنسيس.. وانقضى امره، وذلك يوم الخميس خامس عشر ربيع الأول من سنة1213 هـ الموافق 6 سبتمبر 1798.

في كتابه المرجع: ".. ودخلت الخيل الأزهر" يهدي محمد جلال كشك صفحاته الى: «سليمان الحلبي بطل الوحدة العربية يوم كان طريقها عبر الأزهر»، والشهيد سليمان الحلبي هو قاتل المحتل كليبر، الذي تم إعدامه على الخازوق بيد الفرنسيين، ولقبه في فرنسا هو: الإرهابي!، في هذا الكتاب، مجلد 534 صفحة من القطع الكبير، نجد كل ما نبغيه لمعايشة بشاعة الغزو البربري الذي شنه حضرة بونابرت بحملته على مصر صيف 1798، مسحوبا بكل توتره وآلامه وغيظه إلى أحداث زماننا المروعة. يكتب جلال كشك مستنفرا للرد بالحجة والتفصيل على المنحنى الفكري الخطير للدكتور لويس عوض، القائد لأوركسترا تمجيد الحملة الفرنسية، واعتبارها «نقلة حضارية»، أو كما قال السيد فاروق حسني «إرهاصات مبكرة لنهضة مصر»، حققتها خيول السيد بونابرت يوم  دهست الأزهر، يصفها الجبرتي شاهدا: «.. وبدأ ضرب الأزهر بالقنابل حوالي الظهر، واستمر الى المساء وأصدر بونابرت أمره إلى الجنرال بون بأن يبيد كل من في الجامع.. ودخلوا الجامع عنوة وهم راكبون الخيول، وبينهم المشاة كالوعول، وتفرقوا بصحنه ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع.. والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا وشربوا الشراب وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه، وكل من صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه.. » ـ الجبرتي ج 3، مأخوذ من «ودخلت الخيل الأزهر» ص 234.

تحت عنوان «نابليون والمهمة الحضارية «يقول جلال كشك: «رغم كل البيانات والمنشورات والتحليلات التي صاحبت وأعقبت الحملة الفرنسية.. فإن نابليون كان صريحا وواضحا في تحديد مهمته في مصر عندما قال: سأستعمر مصر.. »!

تجرأ نابليون على إعدام العلماء المصريين، وأمر بتغليظ العقاب للقرى بصرامة وقسوة، لكن جبروت السفاح لم يمنع ثورة القاهرة الأولى في أكتوبر 1798 التي وصف جماهيرها المقاومين، رجالا ونساء من أولاد البلد، بالزعرنة والغوغائية والدهماء وأمر بقطع رؤوس جميع المسجونين وإلقاء جثثهم في النيل، وإعدام شيخ طائفة العميان.. ولا نهاية للأوجاع، وإذا كانت الحضارة والنهضة والتنوير هي احتلال بونابرت وغطرسته واستباحاته حرمات الناس والمساجد، ومن بعده محمد علي العسكري الأرناؤوطي، الذي لا يتفوق على استبداده إلا جهله، فانظروا أيها الناس الى أي داهية يريدونا أن ننجرف إليها.

حكاية الصمت

عزيزة عليّ تعليقاتكم، المشكلة في قدرتي لتدوين ما يمكن أن أكتبه، فالجسم له آليته المتحررة من إرادتنا؛ بمعنى أن تجد آلاما في العظام لا تدري سببها تفرض عدم القدرة على الجلوس أمام الحاسوب، ناهيك عن التدوين، ما السبب؟ لا بد من سبب، لكني لا أحدده، وإن كان منه على وجه اليقين تعيين حلمي النمنم رئيسا لمجلس إدارة دار الهلال! جنون رسمي! هذا القائل في برنامج حالة حوار منذ شهور قبل ثورة 25 1 2011: "في اللحظة الراهنة إسرائيل ليست العدو"! ماشاء الله! أعطوا القط مفتاح المخزن!

المؤشر هو الخطر! ولكن من يأتي بعماد أبو غازي، سليل شلة فاروق حسني تحت رعاية سوزان ثابت مبارك، وزيرا للثقافة لانستغرب منه شيئا!

هذا ليس كل شئ فسامحوني: يتوجب عليّ الإختصار!