السبت، 26 نوفمبر 2011


حجازي الرسّام

الحمد لله وجدت كاريكاتير "حجازي" الذي ظللت أحتفظ به منذ سنوات وقد صوّر فيه وزير الداخلية لواء حسن أبو باشا يمسك بهراوة غليظة متحزما بالقوانين الإستثنائية  وتزوير الإنتخابات ومكشرا بملامح لا رحمة فيها وهو يقول لمواطن مُروّع: "نتكلم بالعقل. إنت ليه إرهابي وأفكارك متطرفة؟ إخرس ولا كلمة!"؛ مُلخّصا منهج القهر والبطش الذي كان يعتمده سيادة اللواء، ومن قبله ومن بعده كل السادة اللواءات من أساتذته وزملائه وتلامذته، وقد أتاحت لي معاودة النظر في هذا الكاريكاتير، أرجو أن يصاحب كلامي، إكتشاف الشبه بين وجه المواطن المرسوم ووجه حجازي نفسه الذي عرفته: ذلك الميل من الرأس بالرقبة ناحية الكتف مع إتساع العينين تملأها النظرة الغنية عن أي تعقيب إذ تتسمر بالتعجب فلا ينفتح الفم ولا يجد اللسان أي جدوي في الكلام. هكذا كان حجازي له ذلك الميل برأسه مغلقا فمه، فاتحا عينيه الملونتين على إتساعها بتعبير بين من "سيفطس على روحه" من الضحك أو على وشك إنفجار بالنحيب؛ فشر البلية ما يضحك!

ودودا لطيفا مجاملا متعاطفا في كل المرات التي جمعتنا فيها اللقاءات؛ يستمع، وقد يقهقه، من سرد لتفاصيل المفاسد، وحين يهم بالكلام يتوقف بحسم اللاجدوى ويكسوه عزم الصابر على المكاره الواعد، بذات الوقت، بمطاردتها وتكسير دماغها، ولا تتوانى رسوماته عن الوفاء بالعهد. لازلت أذكر، إبان حملة  التسفيه الإعلامي التي دارت في نهاية  الستينات ـ ( بعد هزيمة 5 يونيو 1967) ـ ضد مقاومة الشعب الفيتنامي للتهوين من أمرها،  رسمه لسيدتين تجلسان إلى طبلية تنقشان كحك العيد وواحدة تقول للأخرى: " بقى هم في فيتنام يعرفوا ينقشوا كحك زيّنا؟"!

بشهامة وجدعنة وقف حجازي الرسام يؤازر، بكل ما أوتي من فن ووعي، الكيان الفني نجم\إمام، في سنوات المطاردة والحصار، وكانت لهما أغنية تقول في مقطع منها: "والخضرة ف جلبي، وجلبي دايما على طرف لساني يا بوي، ولساني حصاني رماني يا بوي، وتعبني كتير وأذاني يا بوي، ياما جابني وياما وداني يا بوي، من جوله ف الحكايات ...."،  صوّر بها الشاعر أحمد فؤاد نجم اللسان، الذي ينطق بما يراه حقا وخيرا وفائدة للناس، مؤكدا معنى "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن أهنته هانك"؛ فصون اللسان لا يعني قطعه بالإمساك، جبنا، عن قول ما ينبغي قوله بل هو العكس تماما إذ يعني أن يسير بنا اللسان، كما الفرس النبيل، في طريق الإستقامة نحو صيانة ما يجب أن يصان مهما لاقينا وتكبدنا من مشاق وتعب وأذى، وكنت دائما أرى لسان حجازي، الذي أغلق عليه شفتيه، ينطلق على الورق بخطوط الرسم البارع والفكرة الوهاجة مجسدا رسالة الإستقامة محققا بفنه: صيانة ما يجب أن يصان.

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

اسمعوا صوت الشعب وكفاكم لغطا
لاأدري من الذي ألقى في روع  المنادين بتنحية الدين عن شئون حياتنا أن أرض مصر قد دانت لهم ولم يبق عليهم سوى التخلص من المتدينين بالإساءة إلى سمعتهم بسيل أكاذيبهم وتشويه منطلقاتهم و تحريف أفكارهم وممارساتهم وتحميلهم مسئولية إخفاقات دولتهم المستترة تحت لافتة "المدنية"، التي عزلت الدين عن الحكم منذ إستبد العسكري الجاهل محمد علي بحكم مصر عام 1805، آملين، أمل إبليس في الجنة، الإنتهاء منهم تماما والجلوس على تلّها.

هؤلاء، الذين أصبحوا يسيطرون على كثير من نوافذ الجعير الإعلامي في مصر بواسطة  رؤوس أموال ما أنزل الله بها من سلطان لها أهواؤها وأهدافها ومخططاتها ومصالحها السرية والمعلنة،  يعترفون بعظمة لسانهم أن "الدين" هو الوسيلة لكسب قلوب أهل مصر واستقطاب مشاعرهم  وذلك حين يقررون أن المادة الثانية من الدستور، التي تنص على: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، تم تعديلها
بواسطة الرئيس الراحل محمد أنور السادات "لدغدغة" مشاعر الناس واستمالتهم، على حد تعبير أستاذ قانون دستوري من المطالبين بإلغائها، فإذا كان هذا الزعم له وجه من الصحة أفلا يعني أن  تحكيم الشريعة الإسلامية، التي لاتطبق إلا على المسلمين، مطلب شعبي؟ فهلاّ طرحوا أنفسهم في إستفتاء  يستطلع رغبة الناس في "الدين" أو "اللادين" لنرى على أي سند "ديموقراطي" يستندون في مطلبهم المُلح لإبعاد الدين عن الحياة؟

بسبب قول يفيد  بالتعامل مع الإخوان المسلمين، بصفتهم قوة موجودة بالفعل على الساحة السياسية، هاج أصحاب النداء "لا للتدين" وماجوا وزعقت لاءات فلول الماركسيين ومن على دربهم من بقايا  شمسهم الغاربة، كأنه قد أصبح بالفعل لنا رئيسا لجمهورية مصرمن الإخوان المسلمين وسيؤلف من الغد وزارة يرأسها المرشد العام!

هبطت علينا لافتة "الدولة المدنية" متخفية، كمثل الشر الذي نزل من حصان طروادة ليطعن الآمنين في غفلة منهم، وكان المنطقي أن ينخدع بها الناس متصورين أنها "غير العسكرية" و"غير البوليسية" فإذا بنا نباغت، قبل 25 يناير وبعدها، بكل أقوال التجاوز و التواقح على الدين والمتدينين، بل والتحريض الأمني عليهم في عبارات ترميهم بـ"ثقافة التخلف"،( وكان صاحب المصطلح قد أوصي في سلسلة مقالات نشرها في صحيفة قومية، مهيبا بكل أجنحة سلطة حسني مبارك البائدة، بعدم التهاون مع أتباعها فهم وقود الإرهاب وليس بينهم متطرف ومعتدل فكلهم جميعا، في ملته واعتقاده، يستحقون الإقتلاع  بسيف حماية "الديموقراطية" و"التنوير" الملحق طبعا بقلمه البتار، ولِمَ لا وهو مسئول ثقافي، نال جائزة القذافي المليونية، وكان، ولا يزال، متحكما وقادرا على الدس والبث ويطل من كل شرفات هذا العصر اللاديني المقيت)،  حتى طالت الألسنة المجرمة الفتح الإسلامي لمصر عام 20 هـ وتجرأت، وهو نعمة الله علينا، بنعته: "قوة إحتلال إستيطاني مسلحة ومحاربة قادمة من الصحراء!"، ومن ثم صرنا نحن، مالم نتبرأ من الدين، "أحفاد الغزاة الآتين من الصحراء" إلى آخر تخليطات الأبخرة الكريهة الخارجة من أفواه تفننت في الكذب والبهتان وكل أشكال الأذى، وإذا بنا أمام مؤامرة تحاك لنا تقهرنا لننزلق إلى "دولة لادينية"؛ تعدّت أطماعها مقولة "لادين في السياسة ولا سياسة في الدين" إلى "لادين" على الإطلاق في أي منحى من مناحي الحياة وعلى رأسها مناهج التربية والتعليم، برغم ما جاء في الباب الثاني من الدستور الخاص بالمقومات الإجتماعية والخلقية، المادة 12:"يلتزم المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها، والتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة، وعليه مراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخُلقية والوطنية، والتراث التاريخي للشعب......".

لابأس حانت لحظة الإحتكام إلى صوت الشعب فكفاكم لغطا: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون". صدق الله العظيم، يوسف\آية 21.












الأحد، 20 نوفمبر 2011

56 سنة صحافة

 أبلغ هذا العام 56 سنة في العمل الصحفي، ففي1955 دخلت دار أخبار اليوم وقابلت الأستاذ  مصطفى أمين صاحب الدار وقلت له إنني طالبة بقسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة ولكنني غير مكتفية بالدراسة النظرية وأريد أن ألتحق بأخبار اليوم تحت التمرين.  كان عمري في تلك المقابلة 18 سنة، وأهيم اعجابا بأسلوب دار أخبار اليوم في الكتابة والتحرير وروحها الشبابية المتوثبة.  رحب بي مصطفى أمين وأدخلني مع مجموعة من زميلاتي قسم الأبحاث، وتلخص عملنا في تغذية الأرشيف بقصاصات من مجلدات صحف قديمة نقصها وفقا لأهميتها من وجهة نظرنا، وكان المقصود هو التجول في التجارب الصحفية السابقة للقفز منها إلى الجديد والمتطور. بعد مايقرب من عام ونصف قرر لنا مصطفى أمين مكافأة شهرية قدرها خمسة جنيهات نستلمها من الكاتبة مي شاهين، التي كانت من رائدات العمل الصحفي، لم تكن لطيفة معنا وبدت غير مرحبة بوجودنا بعكس خيرية خيري وفتحية بهيج اللتان كانتا مستعدتان دائما للمعاونة و الإرشاد. لاشك، والشهادة لله، أنه كان بنا مايزعج العقلاء فقد كنا مجموعة شابات جامحات ممتلئات بالمرح والثقة الهائلة بمواهبنا الأدبية والفنية ،فمنا من تكتب وترسم، ومن تتملكها عين ناقدة تعبر عنها بقدرة هائلة على التهكم و..و..، أما أنا فكنت أكتب الشعر والقصة و أختال بجمال أسلوبي بمبالغة غفرها لي الجميع!

خلال عام 1957 تم تعييننا محررات بدار أخبار اليوم، ونحن في العشرين وقبل الحصول على شهادة التخرج من الجامعة التي حصلت عليها عام 1959. أخذني موسى صبري  من قسم الأبحاث لمجلة "الجيل الجديد" التي كان يرأس تحريرها منوها بشطارتي وتوقعاته لي بأنني "أجيب الديب من ديله"!

كانت الجنيهات الخمسة بمثابة مصروف جيب للمواصلات، (أبونيه الترام بتخفيض للطلبة)، والنثريات، ( بطاقات مشاهدة أفلام السينما من فئة 14 قرشا مقاعد صالة + وجبات مكرونة فرن باللحم المفروم "ع الواقف" من المطعم الإيطالي "بامبو" جوار سينما مترو لا تقل تكلفتها عن 6 قروش لأن "الصحة مش بعزقة" + كاسات أيس كريم " تروا بيتي كوشو" من الأمريكين 5 قروش ونصف للواحدة "وإن شاالله ما حد حوّش!")، المشكلة المالية كانت تبدأ عندما يداعب طموحنا مشروع مكلف مثل ذلك الذي مازالت تحمله أوراق دفتر كتبت على غلافه: "بحث في مشكلة تجميع فلوس رحلة روسيا"!  حددت "المشكلة": مطلوب 10 جنيهات لرحلة روسيا في إبريل 1957، إذن مطلوب أن أعمل 5 مواضيع سعر الواحد منها 2 جنيه برجاء  نشرها كلها في مجلة الجيل - صفحتين- لكي أحصل في منتصف إبريل على 10 جنيهات لرحلة روسيا، " فهل أستطيع؟ "!

 استعرضت احتمالات الموافقة والمعوقات، وتمثلت المعوقات في سكرتير التحرير لكني نصحت نفسي بالتغاضي عن بروده وثقل ظله حتى لايعرقل موافقات رئيس التحرير، موسى صبري، الذي وصفته بأنه الفنان الفهمان المقدر لنبوغي واجتهادي، وأتذكرأن لديه قطعة شعر و قصة لي عنوانها "ليتها تموت!" ومن المحتمل أن تعجبه ويقرر نشرها بتقدير مالي يسرني، أذهب إليه: حضرتك قرأت القصة؟ يرد بسرحان:  قصة؟ ثم يتركني ويسهب في الكلام هاتفيا وبعد لأي ينظر إليّ:....أهلا صافي ناز؟ فأعيد : حضرتك... بسأل عن القصة..! يستفهم:...قصة؟ أرد: أيوة ليتها تموت! يدق صدره: تموت ليه كفانا الله الشر! ثم يتجاهلني تماما ويعود إلى مواصلة همسه للهاتف فأفقد الأمل في القصة و قطعة الشعر وأعترف أنه ليس أمامي سوى أن أستمر في إنجاز الموضوعات!

 ينتهي كلام أوراق 1957.

لا أذكر كيف كانت رحلة روسيا بعشرة جنيهات، لكن الذي أذكره جيدا أنني لم أنجح في تحصيل المبلغ ولم أسافر روسيا أبدا، لاوقتها ولا بعد ذلك!



الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

من صندوق الجواهر:

الاستشهاد: أعلى قمم الشعر
16 سنة مرت علي استشهاد الدكتور فتحي الشقاقي ، مؤسس حركة الجهاد الاسلامي المقاوِمَة على أرض فلسطين . ففي يوم الخميس 26 اكتوبر 1995، الموافق 2 جمادي الثاني 1416، ظهرا، تم تنفيذ قرار اسحق رابين، 73 سنة ، بقتل فتحي الشقاقي، 44 سنة ، تحت إشراف رئيس الموساد ، وكان هناك ثلاثة اختيارات للتنفيذ، فوافق رابين على واحد منها. جاء هذا القرار بالقتل والتنفيذ قبل وأثناء وبعد أن وقف اسحق رابين في واشنطن يتعهد أمام العالم بالسلام، يوم الخميس 28 سبتمبر 1995، ويقول : كفانا دماء ودموعا ، كفانا!.

بين يوم الخميس 28 سبتمبر 1995 والخميس 26 اكتوبر 1995 أثبت رابين أن احترامه للعهد لا يمكن أن يصمد ولو لشهر واحد . ولم يكن في نكث رابين لعهده بعدم القتل أي غرابة ، فإذا لم يكن مجرم حرب ومجرم سلام مثل اسحق رابين واحدا من الذين قصدهم القرآن الكريم بقوله : «الذين ظلموا من أهل الكتاب »، فمن يكون؟

وحين خفقت قلوبنا في جدلية بين ألم لفقدان قمر من أقمار المقاومة الفلسطينية ، وبين فرح لفوز جندي مرابط بالشهادة في سبيل الله، يعرف أن أجره الفوري أن يظل حيا مرزوقا عند الله، وقف اسحق رابين يقول بفظاظة الشامتين ودمامة الخنازير والقردة : «إنني غير آسف لموت الشقاقي والحياة أفضل بدونه». وكان الباطل مع رابين. ونشرت الصحف صورا عديدة للمجاهد الشهيد، وقارنت نظرته الفتية الصبوحة في عينيه الباسمتين، المعقودتين علي إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة ، وبين نظرة الالتواء والحقد والشراسة في عيني رابين المتجهمتين الشيطانيتين ، وفيهما طالعت السجل الحافل لمجرم عتيد اسمه اسحق رابين .

في يوم الأربعاء أول نوفمبر ، ليلة ذكرى وعد بلفور المشؤوم عام 1917، كانت جنازة الشهيد فتحي عبد العزيز الشقاقي، وتم دفن الشهيد ابن فلسطين قرب دمشق ، لأن سلطات الاحتلال الصهيوني منعته من الدفن في مسقط رأسه بفلسطين المحتلة .

في مساء السبت 4 نوفمبر 1995 شاء الله سبحانه وتعالى أن يقتل إيجال عمير الصهيوني المتعصب إسحق رابين، وأن يعلن : «أنا غير نادم ، وقد نفذت أمر الله ! »، وهكذا في أقل من أسبوع ارتدت الكلمة الحاقدة لرابين حين قال : "أنا غير آسف"، عند قتله شهيدنا فتحي الشقاقي ، لتعود إلى نحره : "أنا غير نادم"، يقولها عند مقتله قاتله من أهله! .

يوم قرأت نبأ استشهاده في مالطا، أذاعوا اسمه فتحي الشقاقي ، وحين تأملت صورة بدت غير مألوفة لدي، فقد كان لا يزال في مخيلتي يوم رأيته آخر مرة في القاهرة، صيف 1981، وكان اسمه لا يزال على لساني : عز الدين الفارس ، كما قدم نفسه إليّ، حينما كان يكوّن : مركز أبحاث مجلة المختار الإسلامي ، ويكتب ويوقع باسم عز الدين الفارس ، تيمنا باسم الشهيد البطل عز الدين القسام، وقتها كان ينهي دراسته بكلية الطب جامعة الزقازيق ويخطو نحو الثلاثين من عمره، في وجهه البشاشة، وللأمل مفتوح الذراعين، وللحلم يرنو بنظرته، يحمل أوراق شعر وكلمات نثر مفعمة بالجمال ، يستخدم "فيما" كثيرا وتعجبني في مواقعها . يشرح التاريخ ، ويعرض الكتب فتبزغ لها رؤى لم يكن يلتفت إليها أحد ، ويقدم الدراسات لتثقيف الوعي لنفهم لماذا يحدث لنا ما يحدث. كان رأيه أننا نحصد ثمارا مُرّة لأخطاء أناس جرفهم أخطبوط التغريب فأنساهم أنفسهم، حين أداروا ظهورهم لمنهج الله وساروا مع مصالح العدو، ثم ماتوا . وكان يرى الإبقاء علي جذوة المقاومة مستمرة ، وإن كانت خافتة لا يهم لأنها ستقوى باصرار الروح المنتصرة الطاردة للانهزامية والخنوع والتثبيط . النصر من عند الله ، فليس علينا أن نتوقع رؤية النصر بأعيننا ، فالمقاومة ، وعدم اليأس منها ، نصر في ذاته؛ يكفي أن نغرس الشجرة ونحميها لتنمو وستجني الأجيال القادمة الثمرة الطيبة بديلا عن الثمار المرّة التي ورثناها نحن .

أعجبته كلمة للإمام علي بن أبي طالب : «نِعْم الحارس الأجل »، قالها ، كرم الله وجهه ، عندما نصحوه باتخاذ احتياطات ضد المتربصين به، فتحرر الشهيد منذ البداية من كل خوف ليتحرك خفيفا طائرا بجناحين : الشعر والأمل في الشهادة .

شاعرا كان ، من قمة رأسه حتى أخمص قدميه . كتب الشعر وقال به ، فيما قال : «تلفظني القدس إن كنت نسيت ، تلفظني الفاء ، تلفظني اللام ، تلفظني السين ، تلفظني الطاء ، تلفظني الياء ، تلفظني النون ، تلفظني كل حروفك يا فلسطين ، تلفظني كل حروفك يا وطني المغبون : إن كنت غفرت أو كنت نسيت »، لكنه وجد الكتابة لا تكفي ، فجعل الشعر الشهيق والزفير والقيام والقعود والحركة والخطو نحو أعلى قمم الشعر : الاستشهاد . في دراسة له نشرها بمجلة «المختار الاسلامي» القاهرية ، ابريل 1981، كتب يقول : اليوم والمسلم يقف مغلوبا مجردا من القوة المادية لا يفارقه شعوره أنه الأعلى .. فهو يستشهد ، ويغادر إلى الجنة ... إن حكمة الله هي التي قررت أن تقف العقيدة مجردة من كل زينة وطلاء وإغراء ليقبل عليها من يقبل وهو على يقين من نفسه، فهو يعرف أنه اختار الجهد والمشقة والجهاد والاستشهاد.

لقد كان فتحي الشقاقي حقا عزا للدين وفارسا، ويظل أكلة الأكباد ، على كر الأزمنة ، فرحين دائما بمقتل حمزة ، كلما مرت بالمسلمين أُحُد، لكن أيام المسلمين تعرف معرفة اليقين أنه لا بد من نصر الله، هذا هو الحتم الذي نؤمن به لأنه ليس الحتمية التاريخية التي يقول بها الماركسيون، بل هي حتمية وعد الله ، الذي لا يخلف وعده للمرابطين دفاعا عن ثغور الاسلام، وصدق الله القائل في  سورة الشورى\ آية 39: «والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون» .





الاثنين، 14 نوفمبر 2011

شكرا يا دكتور أحمد قدري: ما شاء الله قطعة الشعر حلوة وطيبة، وكان لي فيها عزاء بعد جولة في قراءة تعليقات شريرة كتبها بعض أوغاد لا يتأثمون من الكذب والبهتان والإفتراءات وقد فوّضت أمري إلى الله ليقتص لي منهم قصاصه العادل فهو حسبي وعليه أتوكل!

الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

"مصر وكيف غُدر بها"

عرض كتاب قنصل أمريكا في عهد الخديو إسماعيل
قنصل أمريكا في مصر في الفترة الواقعة بين 1876 حتى 1881 هو "ألبرت لي فارمان"، المعاصر للسنوات الأخيرة من عهد الخديو إسماعيل؛ الذي إستمر من 18 يناير 1863 حتى عزله ونفيه خارج البلاد 26 يونيو 1879، ومن الآثار المفيدة لهذا القنصل كتابه بعنوان:
Egypt and its betrayal ، ترجمه الأستاذ عبد الفتاح عنايت بعنوان "مصر وكيف غُدر بها"؛ (يجدر هنا التعريف بأن عبد الفتاح عنايت أمضى عقوبة 20 سنة سجن بصفته الوحيد الذي نجا، لصغر سنه، من حكم الإعدام في القضية المعروفة بـ "قتل السردار لي ستاك نوفمبر 1924"، إشارة إلى ذلك الإنجليزي الذي نصّبوه سردارا للجيش المصري في السودان، وقد تم الإفراج عن عبد الفتاح عنايت بإنقضاء المدة عام 1944 وتم تلقيبه بالشهيد الحي حتى وفاته 18 ديسمبر 1986 عن عمر يناهز 85 سنة).

يقع الكتاب في 377 صفحة و 24 فصلا بعناوين منها: "مشاهداتي الأولى في مصر"، "إستقبال سمو الخديو لي"، "مسلة كليوباترا"، "إهداء المسلة"ــ (لأمريكا) ــ "ما فعلته مصر لأجل إنجلترا (قناة السويس)، "عزل إسماعيل باشا"، "إسماعيل باشا وعهده".

عن مشاهداته الأولى في مصر يدون "فارمان" ملاحظاته كاتبا: "...إعتراني الأرق في أول ليلة في مصر...لم تتوقف الموسيقى العربية،  تلك الأصوات النشاز المزعجة التي تصدر عن الآلات أو الأصوات والتي يطلق عليها العرب اسم موسيقى، حتى ساعة متأخرة من الليل، واستمر بعد ذلك نباح الكلاب وغناء الشبان العرب وصياحهم ــ أعني متشردي القاهرة الذين لا مأوى لهم سوى الشوارع ــ حتى مطلع الفجر، أما الكلاب في القاهرة، كما هو الحال في القسطنطينية والمدن الشرقية الإسلامية الأخرى، فليس لها صاحب وتسمى بالكلاب الضالة لأنها غير مُستأنسة ...في هذه المدن حيث تُلقى القمامة في الشوارع أو في الأراضي الفضاء تؤدي الكلاب عمل الكناسين"، ومع إصراره على تسمية مدينة "إستامبول" أو "الآستانة" باسمها القديم "القسطنطينية" يواصل القنصل الأمريكي وصف فندقه وشرفته الأرضية وما يراه من: " الشوارع المكتظة بالمارة يتجاوب فيها باستمرار وقع أقدام خليط كبير من الناس ... هنالك توجد الحمير لركوب السائحين أو النساء المحجبات اللاتي يرتدين ملابس سوداء وينتمين إلى القشرة الدنيا من الطبقة المتوسطة ..."، وبعد سرده المفصل للقبيح والجميل واصفا الحدائق يصل إلى ما يسميه "الحي الأوروبي" حيث "... تقع حديقة الأزبكية ببحيراتها ونافوراتها وجبلاياتها ومغاراتها وتحتل عشرين فدانا أو يزيد، كما تتخللها الطرقات الجميلة والشجيرات والأشجار العديدة النادرة التي جُلب أغلبها من الهند، ومن بينها يوجد عدد كبير من أشجار تتدلى فروعها إلى الأرض وتمتد أغصانها إلى باطنها فتكوّن أصولا جديدة. وإنك لتسمع صوت البط في مجرى المياه الصناعية وترى البجع الأبيض والأسود وهو يتهادى في رشاقة على سطح البحيرات... ويتدفق القاهريون الذين ينتمون إلى الطبقتين الوسطى والدنيا عصر كل يوم ومساءه لكي يستمتعوا بصوت الموسيقى ويشاهدوا ألعاب الحواة وهكذا يتيحون للأجنبي فرصة لكي يشاهد خليطا من الناس من كل الأشكال والألوان والأديان والجنسيات، الذين يتكون منهم سكان القاهرة، كما يحيط بالحديقة من جميع الجوانب مبان فخمة من بينها دار الأوبرا ..........".

يصف القنصل الأمريكي "فارمان" بالتفصيل أول واجب قام به في القاهرة، عند وصوله إليها 1879، وهو زيارة الخديو إسماعيل، في "قصر الجزيرة" الواقع على الشاطئ الغربي للنيل في مواجهة المدينة ، بالقرب من حديقة الحيوانات وحدائق النباتات، ويسهب في وصف الخديو إسماعيل: "... رحب بي الخديو في بلاده ولما كان لا يتكلم الإنجليزية فقد كانت محادثاتنا باللغة الفرنسية التي كان يتكلمها بطلاقة. لم يكن إسماعيل باشا جذابا من الناحية الجسمانية، كان يبلغ من العمر حوالي السابعة والأربعين، قصير القامة، عريض المنكبين، ضخم الجثة، ولون بشرته أكثر سمرة من بشرة الأوروبيين، أما جفونه فكانت مرتخية، وكانت اليسرى أكثر إرتخاء من اليمنى،وعندما تكون ملامحه ساكنة تبدو عيناه وكأنها نصف مغلقة، وكانت حواجبه فاحمة اللون، خشنة، كثة الشعر وبارزة إلى الأمام، أما لحيته البنية الداكنة فكانت قصيرة، وأذناه كبيرتان وليست من الحسن بمكان" ــ (من الواضح أن القنصل الأمريكي لم يفهم أن وصفه لعيني الخديو يمكن أن تكون من "العيون الدُبّل" على سبيل الإستحسان!) ــ لكنه في محاولة لإنصاف إسماعيل يشهد بأنه: "... رغم كل نقائصه و  مساوئه الجسمانية كان محدّثا ممتعا، يبتسم في كثير من الأحيان، بشوشا دائما ومُثيرا للإهتمام. كان صوته هادئا يبعث على السرور وألفاظه مُنتقاه ومُعبّرة، فائق الذكاء ولديه معلومات دقيقة حتى عن التفاصيل التي تخص حكومته وشئونه الخاصة الشاسعة، وتبرهن نظراته الحادة الثاقبة، حينما تكون عيناه مفتوحتين من أثر حديث شائق، وإجابته السريعة الدقيقة، ومعلوماته الخاصة بموضوعات ليس من المفروض أصلا أن يكون ملما بها، تبرهن لكل هؤلاء الذين استمتعوا بالحديث معه أنه رجل يمتاز بقدرة غير عادية .... كان العسكريون والمدنيون على السواء يدهشون من من معلوماته المفصلة، أضف إلى ذلك أنه كان يملك القدرة النادرة على أن يكتسب ثقة زائره بأن يزيح عن كاهله كل حرج ممكن ويجعله على طبيعته تماما..."، في نهاية هذا الفصل يقول فارمان: "... قبل حفل الإستقبال الرسمي الذي أقيم لي، كثيرا ماقمت بزيارة الخديو الذي أشعرني بأني على صلة وثيقة بسموّه .... وكان ينبغي علىّ أكثر من مرّة أن أقوم بواجب غير سار وهو المطالبة غير الرسمية، وإن كانت بطريقة مُلحّة،  بدفع التعويضات الأمريكية ضد الحكومة المصرية، وكانت الحكومة المصرية في ضائقة مالية شديدة ولذا كان مجرد ذكر أي تعويض مالي لابد وأن يسبب بعض الضيق، وعلى كلٍ لم يكن بي حاجة للمطالبة بشئ آخر خلاف ذلك في الوقت الذي كان فيه الممثلون الأوروبيون لا يلحون في طلب التعويضات المالية فحسب بل يقومون كذلك بتنفيذ مشروعات سياسية ........ الأمر الذي أدى في النهاية إلى أن يفقده عرشه. عندما كان يُعلن وصولي إلى القصر لم يكن الخديو يخشى مطلبا مجحفا أو مؤامرة سياسية من جانب حكومتي ولذا كان يلقاني بإخلاص تام دون أي خوف من تعريض مصالحه للخطر، والواقع أن الولايات المتحدة وروسيا كانتا في ذلك الوقت الدولتين الكبيرتين الوحيدتين اللتين لم يكن لهما مطمع سياسي مباشر وغير مباشر بالنسبة لمصر، مثل هذه الظروف ساعدت كثيرا في دفع التعويضات المستحقة لأمريكا التي سُوّيت أخيرا بطريقة مرضية؛ دُفعت عن آخرها ولقد كنت مدينا بهذه النتيجة لصداقتي بالخديو...".

في فصليه المعنونين "مسلة كليوباترة" و "إهداء المسلة" يحكي القنصل  ملابسات التفريط الغريب في إهداء "مسلة كليوباترة" لمدينة نيويورك فيقول: "... إن فكرة الحصول على مسلة لمدينة نيويورك قد بدأت عام 1877 ولقد نشأت هذه الفكرة عن الأنباء الواردة في الصحف بشأن العمل الجاري في نقل مسلة الإسكندرية إلى لندن، أما باريس فقد كان لديها مسلة سلفا، فلِم لا تُجامل نيويورك تلك المدينة العظيمة في العالم الجديد بنفس الطريقة؟"، (كان هذا تساؤل القنصل الأمريكي لإقتناص مكسب هائل لبلاده ولم يكن هناك للأسف من غيور يتساءل لمصر: ولماذا، إذا كان ولا بد من التفريط  في كنوز البلاد، نعطي هذه المسلات، التي لا تقدر بمال، هدايا مجانية للمدن المذكورة ولا نجعلها مقابل التنازل عن التعويضات من جانبهم؟ ثم ماهي قصة تلك التعويضات التي كان على مصر سدادها للولايات المتحدة سنة 1877؟ آآآآآه يامصر!)، نعرف من حكاية القنصل أنه بعد المشادات والمراسلات وتشبث إنجلترا (؟!) و"تسامح" مصر (!) تتمكن الولايات المتحدة بفضل قنصلها الهمام من الحصول على مسلة مصرية "هدية" لنيويورك! يقول القنصل: "... عرفت أنه قد قامت بعض الإعتراضات الخاصة بالنسبة لكل مسلة وذلك لأن النفوذ الأوروبي قد تكتل ضدي وأن مطالبة الإنجليز بمسلة الأقصر لم تكن إلا نتيجة لهذا التكتل ..." ــ ( كأن مصر وكالة من غير بواب يتشاجر اللصوص على نهبها عيني عينك!) ــ يكمل القنصل كلامه: "... قال شريف باشا: أظنك تفضل مسلة الإسكندرية أليس كذلك؟ فأجبت قائلا إن هذه المسلة في مكان يسهل معه نقلها عن المسلات الأخرى، فأجاب شريف باشا: حسنا لقد قررنا أن نعطيها لكم!"ــ ( مع ذلك كان حضرة شريف باشا واعيا والحمد لله فقد أخبرنا القنصل الأمريكي أن شريف باشا لم ينس أن يؤكد له أن مصاريف نقل المسلة يجب أن تتكفل بها الولايات المتحدة أو مدينة نيويورك! ياسلاااااااااااااام! هكذا تكون الحيطة وإلا فلا!).

في 26 يونيو 1879 الموافق 6 رجب 1296 تم عزل الخديو إسماعيل، وتنصيب ابنه محمد توفيق باشا خلفا له، ويذكر القنصل "فارمان" أن الخديو صاح ساعة تلقيه خبر عزله من السلطان العثماني: "أهذا ما أناله جزاء إرسالي إبان حكمي 20 مليونا من الجنيهات الإسترلينية ......إلى القسطنطينية ؟" ــ (طبعا لايمكن أن يكون الخديو إسماعيل قد قال "القسطنطينية" بدلا من الآستانة أو إستامبول، لكن القنصل المتعصب لم يعترف مرة واحدة ولو على سبيل السهو بأن القسطنطينية لم يعد لها وجودعلى خريطة العالم.)

خارج هذا الكتاب حاولت أن أنعش ذاكرتي بمعلومات عن الخديو إسماعيل بن ابراهيم باشا بن السفاح محمد علي باشا، المولود 31 \12\1830 والمتوفي في منفاه بالآستانة  2 \ 3\ 1895، وعرفت من الحاسوب أنه تزوج  14 زوجة ومستولدة وأنه أنجب منهن ما مجموعه 14؛ 8 أولاد و5 بنات، حكم مصر منهم: الخديو توفيق بن زوجته شفق، والسلطان حسين كامل بن زوجته نور، والملك فؤاد بن زوجته فريال، وتساوت فترة حكمه لمصر 16 سنة مع أعوام نفيه خارجها البالغة 16 سنة.

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

أبو هاجر دقق وسوف ترى: الإبن كان يغتاب النائمين وهو لا يعرف أعذارهم، وقد هداه والده لكي لا يظلم نفسه بارتكاب إثم الغيبة!

لا حول ولا قوة إلا بالله!