السبت، 26 نوفمبر 2011


حجازي الرسّام

الحمد لله وجدت كاريكاتير "حجازي" الذي ظللت أحتفظ به منذ سنوات وقد صوّر فيه وزير الداخلية لواء حسن أبو باشا يمسك بهراوة غليظة متحزما بالقوانين الإستثنائية  وتزوير الإنتخابات ومكشرا بملامح لا رحمة فيها وهو يقول لمواطن مُروّع: "نتكلم بالعقل. إنت ليه إرهابي وأفكارك متطرفة؟ إخرس ولا كلمة!"؛ مُلخّصا منهج القهر والبطش الذي كان يعتمده سيادة اللواء، ومن قبله ومن بعده كل السادة اللواءات من أساتذته وزملائه وتلامذته، وقد أتاحت لي معاودة النظر في هذا الكاريكاتير، أرجو أن يصاحب كلامي، إكتشاف الشبه بين وجه المواطن المرسوم ووجه حجازي نفسه الذي عرفته: ذلك الميل من الرأس بالرقبة ناحية الكتف مع إتساع العينين تملأها النظرة الغنية عن أي تعقيب إذ تتسمر بالتعجب فلا ينفتح الفم ولا يجد اللسان أي جدوي في الكلام. هكذا كان حجازي له ذلك الميل برأسه مغلقا فمه، فاتحا عينيه الملونتين على إتساعها بتعبير بين من "سيفطس على روحه" من الضحك أو على وشك إنفجار بالنحيب؛ فشر البلية ما يضحك!

ودودا لطيفا مجاملا متعاطفا في كل المرات التي جمعتنا فيها اللقاءات؛ يستمع، وقد يقهقه، من سرد لتفاصيل المفاسد، وحين يهم بالكلام يتوقف بحسم اللاجدوى ويكسوه عزم الصابر على المكاره الواعد، بذات الوقت، بمطاردتها وتكسير دماغها، ولا تتوانى رسوماته عن الوفاء بالعهد. لازلت أذكر، إبان حملة  التسفيه الإعلامي التي دارت في نهاية  الستينات ـ ( بعد هزيمة 5 يونيو 1967) ـ ضد مقاومة الشعب الفيتنامي للتهوين من أمرها،  رسمه لسيدتين تجلسان إلى طبلية تنقشان كحك العيد وواحدة تقول للأخرى: " بقى هم في فيتنام يعرفوا ينقشوا كحك زيّنا؟"!

بشهامة وجدعنة وقف حجازي الرسام يؤازر، بكل ما أوتي من فن ووعي، الكيان الفني نجم\إمام، في سنوات المطاردة والحصار، وكانت لهما أغنية تقول في مقطع منها: "والخضرة ف جلبي، وجلبي دايما على طرف لساني يا بوي، ولساني حصاني رماني يا بوي، وتعبني كتير وأذاني يا بوي، ياما جابني وياما وداني يا بوي، من جوله ف الحكايات ...."،  صوّر بها الشاعر أحمد فؤاد نجم اللسان، الذي ينطق بما يراه حقا وخيرا وفائدة للناس، مؤكدا معنى "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن أهنته هانك"؛ فصون اللسان لا يعني قطعه بالإمساك، جبنا، عن قول ما ينبغي قوله بل هو العكس تماما إذ يعني أن يسير بنا اللسان، كما الفرس النبيل، في طريق الإستقامة نحو صيانة ما يجب أن يصان مهما لاقينا وتكبدنا من مشاق وتعب وأذى، وكنت دائما أرى لسان حجازي، الذي أغلق عليه شفتيه، ينطلق على الورق بخطوط الرسم البارع والفكرة الوهاجة مجسدا رسالة الإستقامة محققا بفنه: صيانة ما يجب أن يصان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق