السبت، 13 أكتوبر 2012

فن كتابة:

نشيـــــــــد الاستبداد

أَكَلَنا النّملُ الأبيض على مدى 60 عاما فقضى، تدريجيا، على أخضرنا ويابسنا وترك بلادنا مُجوّفة، نعم "مُجــوّفــة"؛ هيكلها الخارجي يبدو كأنها بكامل صلاحياتها تحتاج  فحسب ترميما هنا وإصلاحا هناك ويُظن أنه مع الجهد والصبر تتعدّل الأمور، لكن هذا تصوُر فيه الكثير من التعامي عن الواقع الصعب الذي خلّفته لنا جحافل النمل الأبيض بنهشها محاصيل الحاضر ومخزونات المستقبل نهشا طماعا نهما، لم يرع فينا إلاّ ولا ذمّة، لم يتوقف لحظة، ولم تزل فلوله حتى الآن؛ فلول الحقبة الناصرية ومن بعدها فلول الساداتية حتى لحقتهما فلول مبارك وسوزان والأنجال ومن يلوذ بهم، تواصل الشمشمة لعلّها تتنبّه إلى عود لم يكتمل مًصه فتلحقه بالازدراد حتى لا يتبقى من الأمل شيئا، ولا يغرّنا التشاجر والتخاصم والتعارك فيما بينهم فكله حراك التنافس بين كتل النمل المتوحشة.

لا تكف فلول حقب الاستبداد المتتالية عن الجعير بنشيدها الذي يُعلي من قيم أساليب: "العين الحمراء" و "الضرب بيد من حديد" وبقية العبارات الطنانة التي مُفادها: "الشعب إتمرع إديله على دماغه إحنا مش عاوزين حاكم يكون بابا جدو عاوزين واحد يعيد هيبة الدولة كفاية فوضى!"،  وهنا يجد  نشيد الاستبداد فرصته ليعلو بعقيرته يشيد بأمجاد السفاحين واللصوص الذين مروا على بلادنا عبر العصور؛ مبادرين بالطبع بذكر السفاح محمد على الجزار؛ الذي لم يقتل الأمراء المصريين، (المماليك)، وحدهم بل ظل يعتمد سياسة قتل كل من ظن أنه عقبة في طريقه أيا من كان: جماعات وفرادى، هذا الذي احتقر الشعب المصري وكان الود ودّه أن يستبدله بمجموعة من الأجانب لم تخرج عن كونها عصابات جهولة من صعاليك أوروبا، وارجعوا في ذلك إلى شهادة الشيخ محمد عبده التي سجّلها في مقاله بجريدة المنار 1902 بعنوان: "آثار محمد على في مصر"، ملخصا دور ذلك المحمد علي،  باعث مصر الحديثة المزعوم، بأنه "لم يستطع أن يُحي ولكنه إستطاع أن يُميت"!

ويأخذنا نشيد الاستبداد لنجد أنفسنا، في وهدة "التجويف"، أمام نمل أبيض يتخلق من رماد استبداد مندثر، تخضبت يد "زعيمه" بقتل العلماء الذين خالفوه الرأي، وزاد على ذلك بقصص مؤكدة عن  اغتياله الأصدقاء والأخلاء والأطباء المقرّبين، ومع هذا لا يستحي النمل المتخلق من رماده عن المعافرة المستحيلة، في محاولة سقيمة شديدة الفجاجة والركاكة لبعث ما لا يمكن بعثه من جلباب لأب أكلته العثة، يستقدم بصياغة ثقيلة الظل نمط أحزاب العائلات  المنقرض، التي لعبتها الهند بأنديرا غاندي ابنة نهرو، وباكستان ببيناظير بوتو ابنة المعدوم ذو الفقار علي بوتو.

و يُكمل منشد، غريب الأطوار، لنشيد الاستبداد عبثا مُضافا يطالب بتكريم قائد جيوش النمل المتوحش: المخلوع محمد حسني مبارك، الذي لم تبرأ مصر ولا شعبها بعد من أكله لحمها الحي ولم تزل الدماء على شفتيه لم تجف، باعتباره من أبطال نصر أكتوبر، مع أن الأولى بالتكريم بذكر بطولاته، التي لا تغفلها السجلات الأمينة لحرب أكتوبر، هو المشير أحمد بدوي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة الذي اغتالته الحقبة الساداتية، 2 \ 3 \ 1981، مع  13  من  كبار قادة القوات المسلحة، في ظروف حادثة مريبة لم يُفتح ملفّها للتحقيق العادل حتى الآن.

فأين لمصر المفر ياربي أمام كل إبداعات الغش والغباء هذه؟




هناك تعليقان (2):

  1. الأستاذة الفاضلة ألف تحية من الجزائر
    السفاح محمد على الجزار؛ الذي لم يقتل الأمراء المصريين، (المماليك)، وحدهم
    كتبت عن مرحلة محمد علي ،كما كتبت عن إمام النهضة العربية رفاعة رافع الطهطاوي كما كتبت عن الأستاذ الإمام محمد عبده. كتبت ذلك كله وأنا شاب في منتصف العشرينيات . وأنا من أدخل درس عصر النهضة ورواد عصر النهضة، ودرّس عصر النهضة وعرّف بفكر النهضة العربية أكثر من ربع قرن .
    في سهرة رمضان العام الماضي وفي محاضرة ألقيتها بالمكتبة الوطنية كانت بعنوان " العرب و محنة التنوير " تطرقت فيها إلى حركة التنوير التي عرفتها مصر في منتصف القرن التاسع عشر بعد انتهاء المحاضرة تقدم ذلك المصري إلى المنصة و صافحني بحرارة وشكرني لأنه كما قال، أنه استفاد من بعض التفاصيل عن الحياة الفكرية المصرية في تلك المرحلة ذلك المصري يدعى سعيد اللاوندي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس التحرير جريدة الأهرام
    الأستاذة المحترمة صافي ناز قرأت كثيرا عن مرحلة محمد علي، ما كتبه العرب وغير العرب كما أعرف وصف ماركس لمحمد علي لكن في كل هذه الرحلة على تواضعها لم أعثر يوما على جملة تصف محمد على "السفاح محمد على الجزار؛ الذي لم يقتل الأمراء المصريين، (المماليك)، وحدهم"
    وكما قالت العرب الاختلاف لا يفسد للود قضية
    تحياتي الخالصة

    ردحذف
    الردود
    1. إقرأ ما كتبه الشيخ محمد عبده في المنار 1902 تحت عنوان " آثار محمد علي في مصر"، والإختلاف هنا يُفسد للود مليون قضية!

      حذف