السبت، 5 يناير 2013

فن كتابة:

خيرية خيري

لم يكن خبرا بل إفادة مُختصرة؛ في صفحة الوفيات بجريدة الأهرام 24 ديسمبر 2012 أن السيدة خيرية خيري "توفيت  إلى رحمة الله تعالى"، حين توقفت أمامها لم أتصوّر للوهلة الأولى أن المقصودة هي الصحفية الكبيرة الرائدة خيرية خيري، التي تألقت على صفحات إصدارات دار أخبار اليوم خمسينات القرن الماضي، لولا الإشارة أنها والدة "منى علي أمين"، إبنة الأستاذ على أمين توأم الأستاذ مصطفى أمين صاحبي دار أخبار اليوم التي أسساها 11 نوفمبر عام 1944 لتكون واحدة من العلامات الكبرى في تاريخ الصحافة المصرية. أهكذا إذن؟ تذكرت بيتا للشاعر أحمد شوقي جاء في مسرحية مصرع كليوباترا يقول: "اليوم يلقى الموت لم يهتف به ناعٍ ولا ضجّت عليه بواكي"، ومع ذلك ماذا يضير الصحفية الأستاذة الآن أن تكون مجرد "السيدة خيرية خيرى إبنة...و أم ..."؟

حين دخلت دار أخبار اليوم، نوفمبر 1955 طالبة بقسم الصحافة، أرجو التدريب الصحفي في الدار التي شغفت بجريدتها منذ صباي، كان بالدار ثلاث صحفيات لامعات؛ خيرية خيري وفتحية بهيج ومي شاهين في أوج شبابهن وعطائهن، مُختلفات ومتكاملات؛ مي شاهين خريجة كلّية الآداب جامعة فؤاد الأول، قبل تحولها إلى جامعة القاهرة،  تكتب اليوميات، بالصفحة الأخيرة من جريدة الأخبار، قابعة في مكتبها بالدور التاسع لاتتحرك خارجه سوى لأمور إدارية بسيطة يكلفها بها الأستاذ مصطفى أمين، فتحية بهيج، الحقوقية إبنة الجامعة المصرية، رئيسة قسم المرأة بمجلة آخر ساعة ومحررة ركن المرأة الأسبوعي بجريدة الأخبار، ممتلئة بالحيوية المهنية تشاغب بالجدال المثير في قضايا المرأة وأذكر لها الآن، وعلى شفتي إبتسامة، تربصها بالأميرة مارجريت، الشقيقة الصغرى لملكة إنجلترا، ترفض فضائحها واحراجها لتقاليد القصر الملكي الإنجليزي!، وخيرية خيري، خريجة المدارس الأجنبية حتى التخرج في الجامعة الأمريكية، تنقل لنا بحملها الدائم آلتها الكاتبة الصغيرة،  رائحة غادية، وإتقانها اللغة الإنجليزية، كأنها لغتها الأم ،مهارة الصحفي الغربي، تسافر هنا وهناك خلف الأحوال العالمية تنقل آخر ما صدر من كتب وأحداث ثقافية وسياسية. كانت فتحية بهيج "بنت بلد" وكانت خيرية خيري "الخواجاية" لكنهما تشابهتا في الإهتمام بأمثالي من المتدربات اللاتي كن يبحثن عن يد تشجع وتوجّه بالرّفق والقدوة، لم يكن المطلوب أن يسقينا أحد بالملعقة أصول المهنة في التعامل والتفكير والتحرير، كان يكفي أن تدعوني فتحية بهيج لأصاحبها في لقاءاتها وتحقيقاتها أتابعها وألاحظها وأكتشف ما ينقصني وأستكمله، وأكتسب الثقة بنفسي حين تُفرحني بنشر إجتهاداتي في الكتابة، كان يكفي أن تتابع خيرية خيري ما أنشره صغيرا أو كبيرا وتعلق علية باشة دائما وساخرة أحيانا ومُهوّنة، في رقة وأناقة، ما نلاقيه من جهامة مي شاهين ودأبها على التسفيه والتسخيف.

 في عنقي لأستاذية فتحية بهيج وخيرية خيري ما لا أنساه لهما من جميل الرعاية بالإهتمام، والتوجيه بالقدوة، والعطاء الإنساني المغدق  بلا حدود. أسأل الله الرحمة لهما وفسيح جناته.

هناك تعليق واحد: