الأحد، 20 نوفمبر 2011

56 سنة صحافة

 أبلغ هذا العام 56 سنة في العمل الصحفي، ففي1955 دخلت دار أخبار اليوم وقابلت الأستاذ  مصطفى أمين صاحب الدار وقلت له إنني طالبة بقسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة ولكنني غير مكتفية بالدراسة النظرية وأريد أن ألتحق بأخبار اليوم تحت التمرين.  كان عمري في تلك المقابلة 18 سنة، وأهيم اعجابا بأسلوب دار أخبار اليوم في الكتابة والتحرير وروحها الشبابية المتوثبة.  رحب بي مصطفى أمين وأدخلني مع مجموعة من زميلاتي قسم الأبحاث، وتلخص عملنا في تغذية الأرشيف بقصاصات من مجلدات صحف قديمة نقصها وفقا لأهميتها من وجهة نظرنا، وكان المقصود هو التجول في التجارب الصحفية السابقة للقفز منها إلى الجديد والمتطور. بعد مايقرب من عام ونصف قرر لنا مصطفى أمين مكافأة شهرية قدرها خمسة جنيهات نستلمها من الكاتبة مي شاهين، التي كانت من رائدات العمل الصحفي، لم تكن لطيفة معنا وبدت غير مرحبة بوجودنا بعكس خيرية خيري وفتحية بهيج اللتان كانتا مستعدتان دائما للمعاونة و الإرشاد. لاشك، والشهادة لله، أنه كان بنا مايزعج العقلاء فقد كنا مجموعة شابات جامحات ممتلئات بالمرح والثقة الهائلة بمواهبنا الأدبية والفنية ،فمنا من تكتب وترسم، ومن تتملكها عين ناقدة تعبر عنها بقدرة هائلة على التهكم و..و..، أما أنا فكنت أكتب الشعر والقصة و أختال بجمال أسلوبي بمبالغة غفرها لي الجميع!

خلال عام 1957 تم تعييننا محررات بدار أخبار اليوم، ونحن في العشرين وقبل الحصول على شهادة التخرج من الجامعة التي حصلت عليها عام 1959. أخذني موسى صبري  من قسم الأبحاث لمجلة "الجيل الجديد" التي كان يرأس تحريرها منوها بشطارتي وتوقعاته لي بأنني "أجيب الديب من ديله"!

كانت الجنيهات الخمسة بمثابة مصروف جيب للمواصلات، (أبونيه الترام بتخفيض للطلبة)، والنثريات، ( بطاقات مشاهدة أفلام السينما من فئة 14 قرشا مقاعد صالة + وجبات مكرونة فرن باللحم المفروم "ع الواقف" من المطعم الإيطالي "بامبو" جوار سينما مترو لا تقل تكلفتها عن 6 قروش لأن "الصحة مش بعزقة" + كاسات أيس كريم " تروا بيتي كوشو" من الأمريكين 5 قروش ونصف للواحدة "وإن شاالله ما حد حوّش!")، المشكلة المالية كانت تبدأ عندما يداعب طموحنا مشروع مكلف مثل ذلك الذي مازالت تحمله أوراق دفتر كتبت على غلافه: "بحث في مشكلة تجميع فلوس رحلة روسيا"!  حددت "المشكلة": مطلوب 10 جنيهات لرحلة روسيا في إبريل 1957، إذن مطلوب أن أعمل 5 مواضيع سعر الواحد منها 2 جنيه برجاء  نشرها كلها في مجلة الجيل - صفحتين- لكي أحصل في منتصف إبريل على 10 جنيهات لرحلة روسيا، " فهل أستطيع؟ "!

 استعرضت احتمالات الموافقة والمعوقات، وتمثلت المعوقات في سكرتير التحرير لكني نصحت نفسي بالتغاضي عن بروده وثقل ظله حتى لايعرقل موافقات رئيس التحرير، موسى صبري، الذي وصفته بأنه الفنان الفهمان المقدر لنبوغي واجتهادي، وأتذكرأن لديه قطعة شعر و قصة لي عنوانها "ليتها تموت!" ومن المحتمل أن تعجبه ويقرر نشرها بتقدير مالي يسرني، أذهب إليه: حضرتك قرأت القصة؟ يرد بسرحان:  قصة؟ ثم يتركني ويسهب في الكلام هاتفيا وبعد لأي ينظر إليّ:....أهلا صافي ناز؟ فأعيد : حضرتك... بسأل عن القصة..! يستفهم:...قصة؟ أرد: أيوة ليتها تموت! يدق صدره: تموت ليه كفانا الله الشر! ثم يتجاهلني تماما ويعود إلى مواصلة همسه للهاتف فأفقد الأمل في القصة و قطعة الشعر وأعترف أنه ليس أمامي سوى أن أستمر في إنجاز الموضوعات!

 ينتهي كلام أوراق 1957.

لا أذكر كيف كانت رحلة روسيا بعشرة جنيهات، لكن الذي أذكره جيدا أنني لم أنجح في تحصيل المبلغ ولم أسافر روسيا أبدا، لاوقتها ولا بعد ذلك!



هناك تعليق واحد: