الجمعة، 6 يوليو 2012

ثقافة العربجة

تحولت الكلمتان "عربجي" و "حمّار" من إشارة تعني عاملين في مهنة إلى إشارة نحو بشر يستدل منها على سوء أخلاقهم وتردي سلوكياتهم مهما ارتفع شأنهم الاجتماعي أو الوظيفي، أو تضخمت ثرواتهم؛ فهذا راكب سيارته الفاخرة يقودها، أو يقودها له سائق، ولا يستحي أن يمد يده بمنديل ورقي أو بقشرة موز أو برتقال أو عقب سيجارة مشتعل، إلى آخر مفردات قمامته، يلقيها من نافذة سيارته الأنيقة، وهذا آخر يبصق، وخلافه، على الأرض غير آبه برذاذ بصاقه، وخلافه، ملوّثا للبيئة  ومتناثرا على وجوه السائرين، ونقول جهرا أو في سرّنا: "أما حتة عربجي صحيح!"، وقد يرى البعض  هذا المشهد "عربجة" سطحية؛ فثمة ممارسات بين الأزواج والزوجات يختصرها القول: "جوزها عربجي وحمّار"، ونفهم فورا شكل خطابه السلوكي واللفظي مع زوجته وأبنائه. هذه النماذج تنتشر أينما توجهنا فنراها في دواوين العمل، ومقاهي المثقفين، والنقابات، والأندية، وتعليقات المعلّقين في الشبكة العنكبوتية وفي تدوينات بعض المدوّنين، وتغريدات بعض المغرّدين، ونقرؤها أحيانا في المنثور والموزون والقصير والمسهب من الإنتاج الورقي الذي يطبعه بعض الذين يحاولون بالكتابة نشر "ثقافة العربجة"، ولا يمكن أن ننسى في هذا المضمار إسهامات المذياع المرئي بقنواته وفضائياته وما تبثه من اعلانات مُحرجة وتنويهات عن أفلام سينمائية غير قابلة للمنافسة في القبح والبذاءة!

 وأعود بذاكرتي إلى "العربجي" أو "الحمّار" المسكين، الذي كان يجلس ورأسه في حماره عند مدخل "الحسينية"، بميدان فاروق بعباسية الأربعينيات ميدان الجيش حاليا، وأمتلئ بالشفقة عليه؛ فالمسكين كان يجد قوت يومه بالكاد، وكان همّه الأول قوت حماره، وما يتبقى من قوت حماره يكون رزق عياله، فكيف كان بالإمكان ألا يضيق خلقه ويسب ويشتم ويلعن وهو يطرقع بسوطه "شي .. حا يابتاع الكلب.."، لكن ماعذر البهوات والأساتذة والدكاترة والمستشارين وأصحاب المناصب العليا والشرفية والسيارات الفارهات في سلوكياتهم التي تملأ القلب بالغم والهم؟ لا والله إنهم لم يرتقوا حتى لألقاب "عربجية" و "حمّارين" ولوكان للعربجية والحمّارين نقابة لحق لها الشكوى من إساءة استخدام ألقابهم بإطلاقها على كل صاحب مسلك سفيه ولفظ  قبيح وشر آثم لا يعرف السبيل إلى تقوى الله.

هناك تعليقان (2):

  1. اصبحنا في عصر نفتقد فيه رقي الكلمة




    بيقولوا عليهم نخبة

    ردحذف
  2. الأستاذة الفاضلة ألف تحية من الجزائر
    عندنا منهم الكثير
    الأستاذة صافي ناز الفاضلة توصيفاتك بحذافيرها عندنا منها الكثير الاختلاف فقط في اللفظ فنحن نسميهم "الرعيان " أما التصرف نسميه ، طبعا بالدارجة المحلية ، فنقول هذا "ترعوين "
    لكن والدتي أطل الله عمرها وعمرك في إحدى المرات حدثتني عن تصرف احد الأقرباء مع زوجته ولما قلت لها هذت تصرف رعيان لم يعجبها الوصف ورحت تعدد مناقب الراعي و الرعيان
    الأستاذة الفاضلة يبدو أن تلك التشبيهات تحمل معنى طبقي أكثر منه أخلاقي

    ردحذف