الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

من ذكرىمولد سيد قطب إلى إعدامه
يصادف التاسع من أكتوبر الجاري 2011 مرور 105 عاما على مولد العلامة سيد قطب، وفي شهر أغسطس الماضي مرت 45 سنة على تنفيذ حكم الإعدام  فيه شنقا حتى الموت بأمر من جمال عبد الناصر، الذي مرت ذكراه الـ 41  يوم 28 سبتمبر.

إذن لا حزن اليوم ولا عصبية، آن الأوان للتأمل، ومع ذلك فلقد تحسّرت وأنا أقرأ أن أسبانيا احتفلت بمرور 75 سنة على إعدام شاعرها جارسيا لوركا أثناء الحرب الأهلية، حين أخذوه إلى الغابات في أغسطس 1936 ونفذوا في «الشاعر» حكم الإعدام. هذا الخبر جعلني أعلق، متهكمة، لقد مرت 45 سنة على إعدام سيد قطب، في أغسطس عام 1966، فلماذا لم تحتفل به أسبانيا عوضا عنا؟ عارفة أنه لا يمكن أن يعقد المجلس الأعلى للثقافة، بالقاهرة، ندوة حول الرجل، ولا يمكن أن تقوم بهذا الواجب أي جهة أخرى في بلادنا الحريصة على الاحتفال بالعندليب والسندريللا!

 من الخيبة ألا يقفز اسم سيد قطب إلى الصفحات الأدبية وغير الأدبية في تنويه فخور وفاخر سوى بمعلومة غير دقيقة هي: أن سيد قطب «أول» من تنبأ بعبقرية نجيب محفوظ، أهكذا يتلخص «سيد قطب» في الأذهان وفي الوعي «الجمعي»؟

سيد قطب، القيمة الثقافية والأدبية والعلمية والنقدية والفكرية، الذي بدأ مشواره الخصيب الغزير بكتاب عنوانه: «مهمة الشاعر في الحياة»1932، وأنهاه بمجلداته الستة الموسوعية: «في ظلال القرآن» 1963/1965، مرورا بكتابه: «طفل القرية» 1945، الممتع فنا وإنسانية، لا تذكر من مآثره سوى أنه كان «الأول»، والحقيقة أنه كان الثاني بعد الناقد الجليل وديع فلسطين، في استشعار قيمة نجيب محفوظ الروائية منذ «كفاح طيبة»؟ ما شاء الله!

في 11 يناير 2000 قرأت للأستاذ وديع فلسطين ـ وهو بالمناسبة مصري مسيحي من أخميم في صعيد مصر، احتفلنا هذا الأسبوع في أول أكتوبر بعيد ميلاده الـ 88 حرسه الله ـ مقالا بجريدة الحياة اللندنية يرد، بطريقة غير مباشرة، غيبة سيد قطب، المتهم من قِبل بعض الجهلة بالتعصب الطائفي إذ أصبح الخوض في سيرته والافتراء والافتئات عليه هواية من هوايات بعض الأقلام التي تعرف وتنكر أو لا تعرف وتدعي المعرفة، وذكر وديع فلسطين في سياق مقاله مراسلاته مع سيد قطب، إبان زيارته إلى الولايات المتحدة  الأمريكية عام 1950، وقد تكرم أستاذي وديع فلسطين، بناء على إلحاحي بمنحى صور 7 خطابات من هذه المراسلات.

الأهمية التي رأيتها في الخطابات، فوق أنها من سيد قطب إلى وديع فلسطين، هي في شكل الصداقة الأدبية السامية التي نشأت بين أستاذ في الرابعة والأربعين، في سمت شهرته وعطائه الفكري والثقافي والأدبي، وبين وديع فلسطين الناقد الشاب الذي  لم يكن قد تجاوز السابعة والعشرين من عمره، ولغة المخاطبة الندية الودود التي تبث الهم الثقافي والعلمي والتربوي وتشاركه. إنها مراسلة نقف على طرف واحد منها، هو سيد قطب، لكنها تخبرنا عن الرقي الذي يتمتع به الطرفان، وتجعلنا نلمس الغور الإنساني الدمث، الذي كان جوهر شخصية الشهيد سيد قطب، والذي يجعلنا لا نصدق عنه أيا من البهتان الذي لاحقه ويلاحقه مع افتراءات العنف، التي روجتها الأجهزة الأمنية الناصرية وتشبثت بها أهواء الماركسيين والعلمانيين فلا يكفون لحظة عن غنائها في موال بايخ طويل.

الخطابات قصيرة وعفو الخاطر، لكنها ببعدها الزمني ونبضها الخاطف لا تخلو من دلالات مفيدة.

*الأولى: مؤرخة 22/1/1950 تقول في بعض أسطرها: «أخي الأستاذ وديع، تحياتي إليك، فعلى رغم معرفتي بمشاغلك أرغب إليك في أن تكتب إلى وأن تكون على اتصال بي ما استطعت، فأنا هنا في وحشة نفسية وفكرية على الرغم من كل الصحف الأمريكاني حولي....... كيف تمضي الحياة عندكم، وماذا عندك من أخبار الأدب والتأليف وشئون الفكر بوجه عام؟ وكيف تسير الأحوال السياسية والاجتماعية والصحفية عندكم، وماذا عن الأحكام العرفية والرقابة (طبعا في حدود الرقابة!).

هل تقابل الأستاذ فؤاد صروف؟ ماذا يعمل الآن؟ أرجو أن تبلغه تحياتي..... وتحياتي إليك ومودتي. المخلص سيد قطب».

*الثانية: على ورق فندق روزفلت، شارع جونز وإدي: «سان فرانسيسكو 15/3/1950، أخي الأستاذ وديع، أشكرك كل الشكر على ما جشمت نفسك من عناء في إرسال أعداد مجلة الأديب وشيخ الصحافة ومنبر الشرق............. ولقد سرني أن أعلم نبأ اختيارك أستاذا لصياغة الأنباء الصحفية بالدراسات العليا بالجامعة الأمريكية مما يدل على أن الجهد الصادق لابد أن يجد تقديرا في النهاية. من أعداد الأديب التي أرسلتها إليّ علمت أن هذه المجلة المهمة في الحقل الأدبي لا تزال تعاني من ركود في سوق الأدب....... وددت لو كنت على شيء من السعة لأجيب تلك الدعوة ـ (في إعانتها) ـ ومع ذلك سأحاول ما في جهدي........».

*الثالثة: 2/4/1950: «أخي الأستاذ وديع، وصلتني رسالتك مفضوضة، كما توقعت، يبدو أن إخواننا في الرقابة يردون على كلمتك عن الرقابة! على أيه حال ليست الرقابة وحدها هي كل ما في مصر من ألغاز وأعاجيب! لدي سلسلة مقالات ربما نشرتها في الأهرام تباعا بعنوان: ألغاز محيرة في حياتنا المصرية...... لقد كنت معتزما العودة في مايو القادم فأنا لا أعمل لدراسة معينة، فالشهادات لا تهمنى في حياتي، إنها ميسورة كل اليسر في أمريكا، ولكني أرى الدراسة الحرة في مثل سني وموقفي أجدى نفعا....... بهذه المناسبة، إن لدي مشروعا عن سلسلة محاضرات عامة عن كيف نعيد إنشاء أداتنا الثقافية، أعني وزارة المعارف وملحقاتها على ضوء تجاربي ومشاهداتي........ وستتناول أحاديثي: إعادة تنظيم وزارة المعارف، اختصاص المناطق والدوائر السياسية. طرق وضع المناهج وتأليف الكتب المدرسية، علاقة الأداة التعليمية بعالم التأليف والصحافة والإذاعة المدرسية والعامة........».

*الرابعة: بتاريخ 14/5/1950.

*الخامسة: 9/6/1950 جاء فيها: «........ عدم انتظام وصول الصحف والأخبار المصرية إليّ يشعرني بعزلة عن بلدي...... لست يائسا من مستقبل هذا البلد أيا كانت العقبات التي في الطريق. لقد استيقظنا ولن ننام مرة أخرى وإذا كنا نتخبط، فقد يزيد هذا التخبط يقظتنا، لأن الصدمات كثيرا ما تنبه الغافلين....».

*الرسالة السادسة: 11/7/1950.

*والسابعة: 28/7/1950 تحدد موعد عودته: «... سأغادر نيويورك إن شاء الله يوم 7 أغسطس لأصل مطار فاروق الجوي في الساعة 7 و 45 صباح يوم 20 منه، فإذا رأيت أن شيئا من هذا البرنامج يستحق أن تشير إليه في ـ (جريدة) ـ المقطم قرب يوم الوصول فافعل، وما أريد هذه الإشارة لشخصي، ولكن لدي أفكارا واقتراحات وبرامج أريد لها النفاذ في مصر للخير العام ومثل هذه الإشارات قد يساعد على تقبل هذه البرامج في دوائرنا الرسمية التي لا تقيس القيم إلا بظواهرها. لك تحياتي الخالصة وإلى اللقاء. المخلص سيد قطب».

 ويبقى أن أقول وأعيد: ألا نعلم أن الندوات الثقافية وحلقات الدراسة العلمية حول شخصيات أسهمت في حقول العلم والفلسفة والفن والأدب والثقافة، بمفهومها الجاد والواسع، ليس من شروطها أن «نوافق» على مسيرة الشخصية ونعتنق أفكارها ومذاهبها؟

هذا تساؤل إجابته البديهية تكشف زيف الطاقين بالحنك عن «التنوير» و«المعرفة» و«الحرية» وما إلى ذلك من الرطانات المتنوعة على اللحن الواحد.

هناك تعليقان (2):

  1. الأستاذة صافي ناز كاظم ألف تحية من الجزائر
    ذكرى على ذكرى، أنا والشيخ كشك و سيد قطب
    كنت طالبا في الجامعة ،وكانت الجامعة تتجاذبها تيارات متقابلة، الفرانكفونية تتستر وراء الشيوعية ، والرجعية تتستر وراء الإسلام ، والتخلف يتستر وراء والوطنية . كانت الحركة الإسلامية في بدايتها في شكل تجمعات طلابية صغيرة وحلقات دراسية داخل المدن الجامعية بما فيها أشرطة الكاسيت التي كانت توزع مجانا.
    وإذا كان هناك دور يذكر للمصريين في بلورة الخطاب الديني في الجزائر، كان ثالث الثلاثة الشيخ كشك بعد حسن البناء وسيد قطب.لقد كان الشيخ كشك بصوته الجهوري وبلاغته وسحر بيانه وفصاحة لسانه يدوي في أرجاء المدن الجامعية.إلى حد كنت من حين لآخر استمع لحديثه و أنا البعيد كل البعد عن التيار الإسلامي. وفي إحدى المرات كنت استمع إليه وهو يتحدث عن سيد قطب ومما قال، وكان يتألم ويبكي، وقد آلمني ما قال، أنه في اليوم الذي أعدم فيه سيد قطب أعلنت الإذاعة الخبر في صباح ذلك اليوم ومباشرة بعد الخبر أذيعت أغنية ، ذكرها الشيخ كشك لكن لم أعد اذكر اسمها لكن أعتقد كانت بعنوان ،أحلوي يا دنيا ، أو الدنيا أحلوت أو شيء من هذا القبيل . رددها الشيخ كشك أكثر من مرة وهو يتحسر . رحم الله العالم الجليل سيد قطب .

    ردحذف
  2. أستاذتنا الغالية.. أود أن أعرف تعليقك على هذا المقال المضلل.. ليتك تفنديه في بعض النقاط ﻹظهار الحقيقة
    http://www.falasteen.com/spip.php?article152

    ردحذف