جيراني و فنطاس زبالتهم!
من الفجر وأنا أصدر الأوامر من نفسي لنفسي: لابد من وضع كيس زبالتي في فنطاس زبالتي، فإبنتي، كعادتها قالت: حاضر ولم تنفذ طلبي، فلازم أنزل أنا السلالم التسعة، بوجع رُكبي، إلى الفنطاس قبل أن يأتي جامع القمامة الملتزم بموعده لينقلها إلى واحدة من الحاويات الكبرى أمام مجموعة عماراتنا، فيما نسميه: مساكن هيئة تدريس جامعة عين شمس، حدائق الزعفران، وحدائق صفة للمفارقة فحسب، ليتم نزحها بعد توسلات مني، التي تصل أحيانا مبلغ لهجة التسولات، للمسئولين الطيبين في رئاسة الحي حتى تتحقق من جانبهم إستجابات "فورية" لا تتأخر عن يومين ولا تزيد عن شهر!
فتحت بابي ووجدت ما توقعت رؤيته من غم "ع الصبح": فنطاس زبالة جاري، حامل الدكتوراة أستاذ الجامعة وزوجته صاحبة حضانة الأطفال؛ هذه العائلة تصوم وتصلي ومع ذلك لا تتذكر أبدا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ "إماطة الأذى عن الطريق"، إنها أسرة تجد قيمة جمالية غريبة في فنطاس زبالتها؛ تتزين به أمام شقتها التي هي في مواجهتي مباشرة، بعد أن عانيت من زبالتها التي تفرشها قطط السلم صباح يوم عيد أو يوم فضيل لا تفرق مع هذه العائلة، الحريصة على نظافة بيتها من الداخل، أقول لنفسي: هؤلاء الناس يعرفون النظافة ويتعرفون على وسائلها فلماذا إذن يوسخون المشهد أمامي وينكدون عليّ كلما فتحت بابي؟
بالذوق بدأت بلصق ورقة على بابهم أقول: "ياجيراني أقابلكم بالورود والبخور وتقابلوني بالزبالة؟ سامحكم الله! ثالث أيام عيد الفطر المبارك2009 \1430"! ولا أي رد فعل، كأنني وقفة إحتجاجية للمطحونين من المصريين أمام مجلسي الشعب والشورى قبل 25 يناير 2011 يطنشها المقدمون اليوم للمحاكمة! تصاعدت بالطبع أساليبي في لفت أنظارهم حتى وصلت إلى التهديد بأنني سأستعين ضدهم ببوليس النجدة! هنا تحركوا بالحل، "على ذوقهم"، قاموا بشراء هذا الفنطاس اللعين أزرق اللون ووضعوه أمام بابهم، يلم زبالتهم حتى لا تنتشر في المساحة المشتركة بين بابينا. بأدب شديد اقترحت على الدكتور وزوجته أن يتم نقل الفنطاس إلى الممر الصاعد من ناحيتهم 9 درجات سلم أو النازل من جانبي 9 درجات حتى يختفي عن ناظري الفنطاس بكل قبحه الشكلي والمعنوي. لم تتم الإستجابة كأنني أطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في بلد لا ديني!
في لحظة من فوران دمي، وأنا حضراتكم برج أسد، كان الفنطاس بوجهي والدكتور يتحدث مع البواب في أمور تخص مسئوليته، مسئولية الدكتور، في صيانة ونظافة العمارة، قلت بزئير يصل إلى كل ميادين القاهرة: "لو الفنطاس ده ما اتشالش من وشّي ح اعمل وأسوّي!". بالتأكيد؛ وفقا لسياسة حكام ماقبل 25 يناير 2011 وفلولهم الرابضة في أماكنهم حتى الآن، أهملني الدكتور في إزدراء كامل لمطلبي الشعبي الإنساني الجمالي العادل وأنهى إجراءاته مع البواب وأغلق بابه مكرّســا وجود فنطاس زبالته على حدودي من دون أي إتفاقية تخوله لكل هذا الصلف و هذه الغطرسة التي يبديها!
قبل أن أدعو الله أن يشد عضدي بألتراس يؤازرني في قلة حيلتي وهواني على هؤلاء الناس، دق بابي " السيد" البواب، واسمه ليس "سيد" بل: "السيد فضل أحمد حماد"، وقال لي برحمة بها كل أصالة شعبنا المحترم: "أنا أتعهد بنقل الفنطاس يوميا من أمامك إلى الممر المتواري عنك". ياسلام يا ربي!، من دون أي تسلق لجدار نكس "السيد" البواب فنطاس زبالة المعتدين على قيم الحق والعدل والجمال.
ظل "السيد"، الحاصل على ثانوية الأزهر وجاء من بلدته بالصعيد ليعمل حين لم يتمكن من إكمال مساره للجامعة، ظل على عهده مواظبا يزيح جاري الفنطاس من مجال رؤيتي إلا في مثل تلك اللحظات وقت صلاة الفجر، لا يلحق ساعتها إماطة أذى جاري الدكتور الجامعي وزوجته صاحبة حضانة الأطفال؛ التي ضبطها في مرة من المرات وقد كلفت "جاريتها" بتنفيض سجادتها بالمضرب اليدوي البوص البامبو، المنتهية صلاحيته منذ الستينيات، على السلّم، ولما نبهتها إلى إختراع اسمه المكنسة الكهربائية قالت "عندي"! فلماذا يامسلمة، بحق الله سبحانه، كان الشح وإذلال العاملة؟
حكيت لجارتي الأستاذة الجامعية الفاضلة، المفروسة مثلي من الإشغالات العجيبة أمام أبواب بعض الجيران، فقالت لي: طيب فنطاس الزبالة يعرف ينقله "السيد" لكن كيف يتصرف مع الشباشب والأحذية؟ قلت بلا تردد: يطوّحها داخل الفنطاس!