الجمعة، 15 يونيو 2012


تقدر تقول للحصان بـِمْ؟

"عربجي" و"حمّار"- بتشديدعلى حرف الميم- كلمتان من الزمن القديم تعني الذي كان يسوق عربة كارو يجرها حمار. لم تكن "عربجي" تطلق على سائق الحنطور فاسمه كان "الأسطى"، وهي محرّفة عن لقب "أستاذ".

كان "العربجي" يعايش الحمار؛ يؤاكله ويشاربه ويبيت معه لذلك سمّوه "بتاع الحمار" أو "الحمّار"، وبسبب تلك البيئة التي وجد "العربجي" نفسه في غمارها كان مضطرا أن يكون ضيق الخلق، غضوبا، فاقد السيطرة على ألفاظه؛ فهو شتّام ينتقي أقذع الألفاظ ليزوّد بها مفرداته، ويزعق بالصفات الشائنة والنعوت الفاحشة التي تمس الأعراض وتعاير بالعاهات، ويتلمظ لإنزال الناس عن أقدارهم، ويفتخر بعجزهم عن مباراته في السوقية والإبتذال والبذاءة.

كنت أرى "العربجية"، وأنا طفلة في أربعينيات القرن الماضي يحتشدون عند مدخل شارع "الحسينية"في ميدان فاروق – الجيش حاليا – ذلك وأنا في طريقي قاصدة روضتي ومدرستي العباسية بميدان الإسبتالية الفرنساوي - القوات الجوية حاليا ، كانوا يجلسون ورأس كل واحد فوق رأس حماره: "العربجي" يسب ويشتم والحمار صابر "مطنش" كأنه ليس المقصود أو كأنه أكثر حكمة وعقلا، وأحيانا كنت ألمح شبه نظرة ترفع في عين الحمار لا تخفيها الغمّايات على جانبي عينيه يزدري بها "العربجي". لم أكره الحمار لكنني لم أحبه كذلك بسبب صبره واحتماله للإهانة من دون ضرورة.

في مرّة من مرّات جلوسي إلى جانبه وأنا طفلة، بسبب إكتمال عدد الجالسين في صالون العربة أبو غطاء، سألت سائق "الحنطور": لماذا الذي يسوق الحمار هو وحده الذي نسميه "عربجي"؟ فأجابني: "لأنه، لا مؤاخذة، قاعد طول النهار يشتم حماره ويسبه صارخا: شي يابتاع الكلب، حا يابتاع........ وكلام تاني وِحِش، إنما إحنا نسوق الخيل، تِقدر تقول للحصان بـِم؟ ما تخلصش منه!" قلت مستفهمة: يعني يحصل إيه؟ قال: "يحصل إنك مش ح تقدر عليه ح يقلبها نكد عليك! الحصان لازم يتدلع، ماء نظيف، أكل نظيف، سُكّر، طبطبة، لازم يستحمى، لازم تمشطه، ياااااه حكاية الحصان حكاية، أمال ليه المثل بيقول: لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك؟ عرفت بقى ليه لازم اللي يسوق الحصان مايكونش عربجي؟".


هناك 4 تعليقات:

  1. أنت من زمن مش دلوقت يا أستاذه

    ردحذف
    الردود
    1. أقصد ان فكره اني اقرأ هذا النص من على الانترنت غريبه علي.
      التعامل مع الفروق في الحياه في الفرق الزمني القصير نسبياً غريب علي، وكان برضه غريب جدا وأنا اقرأ "رومنتيكيات" كما فهمت كتابك الأول...

      قصة اني أتعامل مع شخص عاش في زمن اللا تلفاز هو مفهوم صعب علي التعامل معه جدا

      كأني اقرأ عن زمن انتهى ، لكنه مازال حي بحياة أصحابه

      حذف
  2. هناك وهم وتوهم ترسخ للأسف عند البعض منذ عشرات السنوات أن القيم والأخلاق مجرد كلمات ليس لها رصيد وكان هذا مقصود وسياسة دولة وأيدلوجية حكم
    ____________________

    النص من أروع النصوص التى قرائتها يختلط فيه علم العمران مع دفىء حديث الذكريات يتمازج فيه الخاص والعام والتاريخى مع الإدبى يواصل التأمل بين عولم الكائنات وتوصلاتها فى سياحة بين الإزمنة وأجناس يحسبه المطلع ظاهريا "نص" يقرر حالة ولكن المحدق فيه ينتبه أنه يرسخ لمجموعة كاملة من القيم

    ردحذف