الجمعة، 27 أبريل 2012

على أي وجه يبدو الشر؟
   

شاهدت منذ سنوات عرضا مسرحيا تجريبيا لا أنساه، قدمته، فكرة وإخراجا، زميلتنا الناقدة الفنانة منحة البطراوي، أستدعيه في ذاكرتي هذه الأيام ربما للأسباب نفسها التي دفعت منحة البطرواي للتفكير في تقديمه أيامه تلك التي مضت منذ سنوات. كانت فكرة مرتجلة عن «الغولة»، هذه الشخصية التي نعتقد أنها خرافية وإذا بها واقعية إلى حد الفزع!

اتفق الجميع على أن «الغولة»، «شر»، لكن على أي وجه يبدو «الشر»؟

 اختلفت الآراء في رسم الشكل الخارجي لهذا «الشر». كانت المخرجة ترى أن الصورة «البادية» للغولة يمكن أن تكون فتى وسيما أو امرأة خلابة الجمال تخطف الأبصار ببريق ثرائها أو وجاهتها أو سلطانها، لأن المشكلة في «الشر» أنه مراوغ  والتعرف عليه ليس سهلا، فهو «لا يبدو» دائما قبيحا مخيفا شرسا، وإلا لما كان فخا للغواية أو مصيدة هلاك، ولما كانت لديه فرصة التسلل للتدمير والأذى، غير أن أغلبية الفريق المسرحي كانت تحبذ تجسيد «الغولة» على المسرح في صورة بشعة وحشية على الرغم من محاولاتها في «التجمل»، لأن المسرح ـ في النهاية ـ إنما يعكس البعد الباطني في شكل خارجي. استمرت المحاولات مع التجريب حتى استطاعت المخرجة وفريق العمل تحديد العرض في أربع شخصيات تضاف إلى محور شخصية «الغولة»، الأولى: هي «النقيض» وتكون البنت الحلوة التي هي «ست الحسن والجمال»، أي: الخير الطفولي النقي كالحلم العذب، والندى كالزنبقة البيضاء المتفتحة، رضيعة لأول بشائر نور الفجر، والثانية: شخصية «الشينة»، التي هي في قول آخر «البنت الوحشة»، التي تترعرع إلى جوار «الغولة»، تكون بداية ضحيتها ثم تصبح امتدادا لها، ويدا لنشاطها، ترضعها لبن المرارة والحقد وعشق الفساد، تحنو عليها وتهدهدها في مشهد يبرز تعاطف الشر فيما بينه وتعاونه الوثيق لتحقيق العهد المبرم لترسيخ الباطل والوفاء له. والثالثة: يكونها «الشاطر حسن» الذي لا يملك سوى الحب والشجاعة والمروءة وساعد قوي يعرف إشهار سيف الدفاع عند الضرورة.

 «الشاطر حسن»، إلى جوار «ست الحسن والجمال» ـ الحرية، الحق، العدل...إلخ ـ مقاومة باسلة تكون سندها وقوتها الدفاعية المتعاونة معها، على نثر بذور للبر في كل مكان، وما تلبث أن تنبثق في الأرض براعم تنشأ منها أجيال، تكون بكثرتها سياجا يحمي «ست الحسن والجمال» وتكون ـ في الوقت ذاته ـ امتدادها في إشاعة الخير الجميل.

 مع هاتين القوتين المتعارضتين: قوة عدوان «الغولة»، بشرها البادي أو المستتر، وحليفتها «البنت الوحشة الشينة»، في مواجهة «البنت الحلوة ست الحسن» وقوة مقاومة راعيها «الشاطر حسن»، هناك «التنين»، الشخصية الرابعة: القوة الكامنة في الكون، التي قد يسخرها الله للغولة، حين يشاء تسليطها على البشر امتحانا أو عقابا، لكن رحمته سبحانه وتعالى ما تلبث أن تسخر هذه القوة الكامنة ذاتها وتحولها لتعاون فارس الخير وتعطيه سرها، بعد أن يمتحن صدقه وإصراره على الحق، وتكون دليله حتى يسير منتصرا في «سكة السلامة»، فالله ـ بحوله وقوته ـ قد جعل لشجاعة «الخير» وإيمانه قدرة على إخضاع «التنين» وتحويله من العداء إلى الحياد ثم إلى المؤازرة!


 


هناك تعليق واحد:

  1. قال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )
    لقد أمر الله فيها بخصال ثلاث من أهم خصال الخير , ونهى عن ثلاث خصال من أهم خصال الشر.

    ردحذف