الخميس، 10 مايو 2012

يسقط  يسقط قُبح المشهد!


لم أشاهد الفيلم المسجّل لأحداث الجمعة 4 مايو 2012، ولم أشاهد لقطات قنوات التلفزيون المحلّي والفضائي لها؛ كنت أسمع وأشاهد واقع المشهد حيا من شرفة بيتي في الدور الثاني عشر المطلّة على جامعة عين شمس وجامع النور وميدان العباسية وشارع أحمد لطفي السيّد. قبل ذلك اليوم وقبل أحداثه كنت قد تعوّدت على سماع الطلقات والفرقعات، التي كنت أحيانا أحسبها صواريخا أو غير ذلك أحيانا أخرى، أسمعها نهارا وعصرا ومغربا وتزداد ليلا، لا تتوقف ولا تخلف مواعيدها حتى أصبحت من المألوف الذي يصاحب أوقاتي في عقر داري ويتراوح بين المعقول واللامعقول؛ بين ما أبرره بمناوشات إحتياطية أو أنكره تصعيدا مخيفا، كذلك الذي ساد مساء الثلاثاء 1 مايو 2012 متواصلا حتى بلغ أشدّه مروعا وأنا أهرع بوضوئي لصلاة فجر الأربعاء 2 مايو 2012 أبتهل إلى الله أن يمن باللطف على المعتصمين وقد علت إستغاثاتهم بالتكبيرات تكررها مكبرات الصوت بآذان الفجر والإقامة من مسجد النور، إستغاثات من كانوا قد أتموا الوضوء إستعدادا لصلاة الفجر حين باغتتهم المجزرة ووقع من وقع من الشهداء والجرحى، أما في مشهد ما حدث بعد صلاة الجمعة 4 مايو 2012 فقد هطلت الفرقعات والطلقات في عز الظهيرة بدوي مهول أرعب عصافير حدائق جامعة عين شمس وكلابها. كانت جماعات العصافير تطير فارة يمينا ناشدة مهربا لا تجده فتعود شمالا ولا ملاذ لها يهدئ من فزعها، وكانت قبيلة الكلاب، التي طالما أرّقني نباحها الجماعي، تندفع جريا نحو السور الحجري الفاصل بين الجامعة ومساكننا، (مساكن هيئة تدريس جامعة عين شمس بأرض الزعفران)، قبيلة الكلاب لا تجد منفذا في السور فتكر راجعة في حيرة المحاصر بين النار والنار لا تصدر صوتا فقد كتم الهلع قدرتها على النباح، والله إنني لأصف ما رأيت حتى أنني بكيت شفقة على العصافير والكلاب فكيف لا ينخلع قلبي من أجل الإنسان \ المتظاهرين وأنا أراهم عزلا فارين من ميدان العباسية نحو شارع أحمد لطفي السيّد تطاردهم فيالق الجنود بالحجارة والقنابل والطلقات يتقدمون بكل عنجهية القوة في تفوّق كاسح مبين وراء شباب من أهلهم ومن لحمهم ودمهم!

علا نحيبى وأصابني المغص وأنا اشاهد القبح المستعيد لذكريات حوادث كوبري عباس فبراير 1946 وغيرها من ممارسات القمع التي لا يجوز، مهما كانت مبرراتها، أن نورّط فيها جنودا مصريين يضربون مظاهرات واحتجاجات شعبية سلّم الجميع بمشروعيتها وكان الوعد هو حمايتها.

كان هناك على قناة "المحروسة" رجل عريض المنكبين، لم أتنبّه لاسمه، يزعق بتحريض فاقد لكل صواب يطالب المسؤولين بأن يضربوا الناس "بيد من نار"، وهو إبداع جديد لم أسمعه من قبل في موسوعة التحريضات المتنوعة التي شملت من أول التوصية بـ"الضرب بيد من حديد" و التجهم للشعب بـ "العين الحمراء"، حتى المناشدة بإعلان الأحكام العرفية فورا، (بيان د. عصمت الميرغني الأهرام 14 أكتوبر 2011 ص 9)!

يا أخي المسئول: صديقك من صدقك بمناشدة، لا نفاق فيها، تبني الثقة و تداوي الثارات وتخمد نيرانها، و تعالج الجراح لا أن تزيدها تقيحا وإدماء، إن من مسئولية المسئول "الحكمة" وهي تقتضي عدم الإلتفات إلى من يزينون لكل الحكام والمسؤولين في كل العهود الإغترار بـ "عنجهية القوة" التي ما اغتر بها مغتر إلا هلك.

بقى أن أتعجب من فقرة، نسبت إلى حضرة اللواء عادل المرسي رئيس هيئة القضاء العسكري في الأهرام 9 مايو 2012 ص 7، تفيد بأن القضاء العسكري سيواجه "التهكم" على القوات المسلحة بالقانون؛ والله أنا لم أصدّق عيني: إذا أردنا أن نُطاع نطلب ما يُستطاع، نحن هنا في مصر التي لايمكن لأهلها العيش من دون "التهكم" ومشتقاته؛ هكذا خلقنا ربنا، و"آدي ألله وآدي حكمته"، بالإضافة إلى أن هذا الكلام يشبه تماما ما كان يسمى في الأزمنة البائدة: "العيب في الذات الملكية"، وما كان يروى عن تجريم "النّكت" في الحقبة الناصرية وكان هذا الأمر في حد ذاته: "نُكتة"!

هناك تعليق واحد: