السبت، 10 نوفمبر 2012


مذكرات طفلة مصرية من 1947  (1)

أكتوبر 1947: اليوم افتتاح الدراسة وبدء عام جديد. احتفلت منذ شهرين بعيد ميلادي العاشر. لقد أصبحت كبيرة ويجب أن أتحمل مسؤولية هذه السنة الدراسية الصعبة؛ سنة ثالثة ابتدائي،  سندرس اللغة الإنجليزية لأول مرة، وسنأخذ دروسا صعبة في الحساب لكي نستعد العام القادم لشهادة الابتدائية، وسيسمحون لنا باستخدام القلم الأبنوس. هذا القلم يستخدمه إخوتي الذين بالثانوي، وهو يجعل الخط جميلا ولا تتسخ الأيدي من الحبر، كما هو الحال مع هذه الريشة، ويمكن أن نكتب به العربي والإنجليزي من دون أن نغير السن. هذا القلم الجديد كله مميزات، لكن مدرس الخط العربي لن يسمح لنا باستعماله. إنه يقول: لكي يتحسن خطك وتتعلم فعلا كيف تكتب الحروف لا بد من استعمال الريشة. وهكذا لا بد أن أحتفظ بريشة سنة ثانية وأشتري سنا عربية لحصة الخط العربي وسنا إنجليزية لحصة الخط الإنجليزي، وأحمل معي زجاجة حبر أسود. الحبر الأزرق ممنوع. مازلت أسعد حظا ممن كانوا يستخدمون شيئا اسمه القلم البسط.

نوفمبر 1947: ضاع مني اليوم قلمي الأبنوس الغالي. بكيت لماما لكي تشتري لي غيره. رفضت وقالت لن أشتري لك كل يوم قلما بثلاثين قرشا ثمن ثلاثة أرطال من اللحم. نعم كان يجب أن أحافظ على كنزي الغالي، فثلاثين قرشا ليست مبلغا سهلا. لا بد أن أحرم نفسي من رحلة حديقة الحيوان وأقتصد الخمسة قروش، وكذلك رحلة الأهرامات وأقتصد العشرة قروش، حتى أستطيع أن أعوض الثمن الباهظ  لقلمي العزيز. الحمد لله انه أرخص الأنواع، فقلم إخوتي بعشر رحلات إلى الهرم، أي جنيها كاملا.

ديسمبر 1947: البرد شديد اليوم. تمنيت أن تنتهي الحصة الثالثة سريعا حتى تأتي الفسحة، وتمنيت لو كنت مازلت بروضة الأطفال؛ في روضة الأطفال كانوا يقدمون لنا  الكاكاو باللبن ومعه بسكوت جميل بالسمسم. الحقيقة أن سنوات الروضة لا تعوض. كل شيء في الروضة كان جميلا، كانوا يقدمون لنا في الفسحة الصغيرة الكاكاو باللبن والبسكوت والموز، وفي فسحة الغداء كنا نأكل الأرز باللحم المفروم. للآن لم أذق مثل هذا الأرز اللذيذ. ورغم أنني كنت لا أحب الكوسة إلا أنهم كانوا يصنعونها بطريقة مدهشة تنسيني تماما أنها كوسة. وكانت الفاكهة برتقالا أو يوسفيا أو موزا أو تينا، كنت أسمع أنهم فيما مضى كانوا يقدمون التفاح. ذات مرة ظلوا أسبوعا يقدمون لنا فاكهة التين فقط، ولأني أحب التين لم ألحظ ذلك حتى نبهتني الطفلة التي بجواري قائلة: إيه ده؟ كل يوم تنتين تنتين تنتين، فتصورت أنها تقصد صوت الجرس كل يوم: تن تن تن، تن تن تن، فقلت لها: طبعا لازم الجرس يدق كل يوم وكل حصة وكل فسحة!

فاصل وأواصل المرة القادمة إن شاء الله.

هناك 5 تعليقات:

  1. الان اشعر باالألفة لذا تركت تعليق
    كنتي طفلة
    كنتي بريئة
    كل الناس كانوا اطفالا
    وكلهم اشتركوا في البراءة
    ولو ان ابليس بدأ طفلاً لبدأ بريئاً
    عجيبة هذه الدنيا
    عندي سؤال
    متى كتبتي مذكراتك هذه
    في اي سن؟

    ردحذف
  2. كتبتها سنة 1971 عندما منعني يوسف السباعي من النشر في المصوّر، فحاولت أن أنشر في مجلة ميكي للأطفال وكانت رئيسة تحريرها عفت ناصر متعاطفة معي، وهي حاولت نشرها لقرائها الأطفال لكن يوسف السباعي منع هذه المحاولة وأفهم الجميع أنني ممنوعة من النشر على كل الأصعدة وفي أي مكان! راجل رومانسي بقى!

    كان عمري 34 عاما عندما كتبتها.

    ردحذف
  3. الأستاذة الفاضلة ألف تحية من الجزائر
    هكذا نريد الأستاذة صافي ناز ،هكذا تكون رائعة لما تبتعد عن السياسة وتصفية الحسابات القديمة والجديدة ، قديما مع عبد الناصر وجديدا مع اللبراليين و العلمانيين
    الأستاذة صافي ناز لقد خلقت للأدب و الفن و السرد الجميل
    تحياتي الخالصة

    ردحذف
    الردود
    1. كلامك يزعّل رغم حُسن نيّتك، ليس لدي تصفية حسابات أنا أذكر حقائق للصالح العام، وأرجو أن يكون ربي قد خلقني لقول الحق من أي مدخل!

      غفر الله لك.

      حذف
    2. و الله العظيم أنا دائما نيتي حسنة مع الأستاذة الفاضلة والكاتبة الكبيرة

      حذف