السبت، 18 ديسمبر 2010

تمهيد للضحك
     
هذا الكلام كان له عنوان مختلف، عنوان متجهم هو: "تكاثرت علينا الخشب المسندة"، ولكنني بعد تأمل، وأنا أستعرض نماذج من بعض تلك الأشياء التي يمكنها أن تثير الغضب أو الاستفزاز، وجدت الابتسامة ترف على شفتي تمهيدا للضحك، ففي مصر الآن صيحات احتجاج هائلة تنطلق من كل اتجاه، ومع ذلك من الصعب تجميع هذه الاحتجاجات في حزمة واحدة، لأننا نرى صراخ الإعتراض يتساوى مع صراخ نقيضه، ولو أردنا تجسيد هذه الحالة نضع "المايوه البيكيني" وسائر نماذج العري أمام النقاب وسائر تنويعات المسدل الساتر من الثياب، ولو صدمتنا "الجود مورننج"، و"ماي آي هلب يو"، في تحيات الفنادق الكبرى وبعض محال السوبر ماركت والمطاعم، فسوف لا ننتظر حتى نسمع التسبيحات وأسماء الله الحسنى وأناشيد الصلاة على النبي في خاصية الانتظار على هواتف محال ومطاعم أخرى، خاصة مطاعم الكباب والأسماك، ولا ننسى الهواتف الجوالة التي انتشرت شعبيا، بين أصحاب الحرف المتنوعة من السباكة والنقاشة والتجارة، وغالبية طلبة وطالبات المدارس والجامعات، وهي هواتف لها "رنات" تتراوح كذلك بين الانفلات والخشوع!

انعكاسا لهذا الواقع كان من الطبيعي أن تعج صفحات الرأي في الصحف بالمقالات والأعمدة التي تتناطح فيها الآراء المتباينة، يلكز بعضها بعضا، كلها في وقفة محلك سر على بساط واحد لا يمكن جذبه لتغليب قوة على أخرى، لعل هذا ما يعطي المشهد طرافته المؤدية إلى الضحكات وإن كان ضحكا هو البكاء بعينه.

لا حراك، محتجزون عند معبر مغلق، الأعجب فيه أن يشكو الإغلاق المتسبب في الغلق. والله لقد قرأت لواحد يطل من كل شرفات السلطة، يستشهد بكلمات تقول: "وفي شرفات هذا العصر قد وقف الرجال الزائفون..."، كتبها عبد الرحمن الشرقاوي منذ مايقرب من نصف قرن، ولم أدر هل هذا الواحد غافل عن إطلالته من الشرفات أم أنه غير قانع بها، أو لعله حنين لهتاف من زمن شبابه نسي وهو يردده أنه يشتم نفسه؟

فكيف بالله لا نضحك ضحك البكاء؟

وبينما يرصد أحدهم "زبيبة الصلاة"، على أساس أنه ضبط ضبطية مهولة لعلامات التدين الذي يهدد السلام الإجتماعي، نرى آخر يخرج بضبطية أشد هولا إذ يرى في تحليله أن انتشار تحية "السلام عليكم" تمييز يفرق بين المسلم والمسيحي، ويذرف دموعه ناعيا التحيات الجميلة مثل: "العواف" و"فتكم بعافية" و"نهارك أبيض" و"صباح الفل" و"صباح الهنا" و"اتمسوا بالخير"، التي قضت عليها الجماعات الإسلامية وصوبت إليها سهامها المسمومة، باعتبار أن "السلام عليكم" سهم مسموم!

فكيف بالله لا نضحك ضحك البكاء؟

 فيما لم يجد رفيق له أي حرج من قوله: "عندما قال الرئيس الراحل أنور السادات أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة، اعتبرناه قد قدم استقالته للمسيحيين"!، ولا ننسى أن هذا يأتي في سياق زمن تعلن فيه إسرائيل حقها في اعترافنا بها دولة يهودية، ولا يكفيها أن الكثير من الأقلام قد اعترفت منذ زمن، بهبل شديد ومن دون طلب، أنها الدولة العبرانية، بغفلة عن حقيقة أنها لا يهودية ولا عبرانية، ناهيك من أنها ليست دولة أصلا، فهي كيان صهيوني محتل، وسائله الوحيدة للاستمرار وإثبات الوجود هي الإرهاب والاغتيالات العلنية التي يجهر بها كأنها حقه المشروع!

فكيف بالله لا نضحك ضحك البكاء؟

أما احتفال بعض المجموعات من "أهل كايرو" بليلة رأس السنة الميلادية، التي ستشرفنا خلال هذا الشهر، فلا شك أنه سيكون، كالعادة، الباعث على إخفاء الوجه بالكفين هربا من مشهد "الجينزات" و"البوي والجيرل فريندز" والتصرفات "الألافرانك" في مواجهة تعبيرات الإشمئزاز و الغضب المختلفة التي ترتسم على وجوه "أهل قاهرة المعز لدين الله" نفورا من "الجليطة" التي لا تراعي السلوك المطلوب لقيم وتقاليد وثوابت مصر الدينية والأخلاقية التي تتمثل في التزام أهلها، مسلمين ومسيحيين، بالاحتشام وبالسلام عليكم ولكم!

فكيف بالله لا نضحك، ضحك الخجل والإحراج؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق