الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

دعونا نتذكّر


إنها والله كانت مقولات علمانية عجيبة.. وإن لم تكن غريبة!

 في يوم ما من أيامنا قبل ثورة 25 يناير 2011، قال مسؤول ثقافي مصري كبير كان يشغل مركزا ثقافيا هاما يتحكم في مسارات الأخذ والعطاء إنهم، من ذلك المركز، يدعمون الدولة المدنية، ثم قال كلاما فهمنا منه أنهم يسعون إلى توطيدها بكل ما يملكون من هيمنة وقوة. والحقيقة أن هذا كان كلاما صحيحا وشواهده كانت كثيرة، وكان من الممكن أن تكون مؤثرة وخطيرة، لولا أن مثل هذه التصريحات، بلطف الله، كانت  تنزل على صفحات إعلامية لم تكن الغالبية في مصر تعيرها آذانا مفتوحة ناهيك عن صاغية.

كان من الممكن أن يظل هذا التكوين اللفظي، «دولة مدنية»، مبهما بما يمكنه المروق سلميا ليصبح فخا محترما يقع فيه الكثير من الناس الطيبين الذين لا يرون في هذا المقترح ما يهدد حرية عقيدتهم الإيمانية، لولا تلك المقالات، التي نشعت وقتذاك بكثرة لافتة تشرح المقصود وتبين جوهر «الدولة المدنية» المزعومة التي نادت  تلك الأقلية،  التي كانت مستحوذة على مفاتيح الثقافة والإعلام، بإقامتها.

بمتابعتي لذلك «النشع»، غير المقروء من الغالبية، كنت قد عرفت أن المقصود هو «الدولة اللا دينية»، التي نرى نموذجا منها في الدولة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك عام 1925 في تركيا، ونرى بوضوح تعصبها العلماني المتشنج الذي يضيق برؤية غطاء شعر مختصر على رأس امرأة فيحرم على لابسته دخول قصر الرئاسة ولو زائرة في مأدبة دبلوماسية أو بروتوكولاتية أو عادية أو إنسانية، لا يحرّم فيها أكل الخنزير وشرب الخمر. بل إنه بفضل ضيق الأفق العلماني اللا ديني هذا تم فصل نائبة من البرلمان التركي وسحبت منها الجنسية، لأنها كانت تغطي شعرها، ولم يغفر لها أنها مختارة بالانتخاب الحر من الشعب.

المهم: لا يسرني ـ وإن كنت مضطرة ـ أن أسرد هنا، للذكرى والتذكرة، مقتطفات من مقالات كان قد تم نشرها في صحفنا القومية خلال عام 2007 ،ولا تحتاج مني إلى تعليق أو توصيف، ولن تغيب نغمتها التحريضية للفتك بالمؤمنين على أي قارئ منصف. وإنني أفضل أن أحتفظ باسم الكاتب وعنوان المقالات، وتاريخ ومكان نشرها، لأن ما يهمني ليس التنديد الشخصي بحضرته ولا الدخول معه في سجال، فهدفي هو توضيح ما يعنيه هؤلاء بـ«الدولة المدنية». والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.

في سلسلة مقالات كتبها كاتب معروف اندلقت منه فقرات أختار منها التالي:

* «لا غرابة أن يتصف الإنسان...بصفة الجبر بمعناه الكلامي الفلسفي. وهو المعنى الذي ينفي عن الإنسان حرية الإرادة وحق الاختيار، فهو لا يشاء إلا بما شاء الله، وعليه الرضا بما هو مقسوم له، وما تقرر له حتى من قبل أن يوجد. ولا فارق كبيرا بين الإنسان المجبور والإنسان الاتباعي داخل بنية التراتب المفروضة، فالإنسان المجبور إنسان لا يملك القدرة على المبادرة الخلاقة، أو الفعل الجذري، أو الاختيار الحر، فهو إنسان يسلم نفسه إلى الأقدار وولاة الأمر، ابتداء من الأسرة التي هي الوحدة الاجتماعية الصغرى، وانتهاء بالنخبة الحاكمة، عسكريا أو مدنيا أو طائفيا، فهو إنسان مبرمج على الاستسلام لقوى بشرية وغير بشرية يراها أعظم منه، كما يرى نفسه أضعف من أن يقاومها أو يخرج عليها، فلا يملك من أمر نفسه إلا ما يجعله الوجه الإنساني للزمن المنحدر عن نقطة الابتداء في الماضي الذي يتحول المستقبل إلى عود إليه، ولا يفارق هذا الإنسان دوائر الطاعة والتصديق في كل مجال، والرضا بما يأتي به القضاء والقدر دون مقاومة أو تمرد، فالمقاومة كالتمرد خروج على الناموس الإلهي والاجتماعي والسياسي في آن. وطاعة الله فيما قدر على هذا الإنسان ويسره له هي الموازي الديني الذي تتأكد به طاعة السلطان، وإن جار...الخ».

* «....هذا الواقع ليس من صنع الأقدار ولا التاريخ، فالتاريخ نحن نصنعه كالأقدار التي يمكن أن نصنعها بدل أن تصنعنا، وإنما هو من صنع البشر القادرين على تغيير الواقع والانتقال به من شروط الضرورة إلى آفاق الحرية، لا بالهرب نحو أوهام الماضي الذي لا يمكن عودته، أو التراث، أو أساطير الخلاص الغيبية......».

* «ولذلك لابد للمواجهة من استراتيجية متكاملة تشمل التعليم بكل أنواعه ومجالاته، فقضية تطوير التعليم قضية أمن وطني...... ولن يتحقق ذلك من غير إرادة سياسية، حاسمة غير متذبذبة، إرادة سياسية لا تؤمن بأرباع أو أنصاف الحلول، خالقة المناخ الملائم لمواجهة ثقافة التخلف........وفتح الطريق أمام تكون الأحزاب المدنية بما يدعم الخاصية المدنية للدولة التي تحكم – وتكون محكومة – بالدستور والقانون..... ولا تنفصل عن ذلك كله المواجهة غير المترددة لتصاعد ظاهرة (التديين) إلى معدلاتها الخطرة التي تهدد المجتمع المدني، مقترنة بأشكال من التعصب الذي يفضي إلى الإرهاب الديني المباشر أو غير المباشر، المعنوي والمادي، لا فارق في ذلك، جذريا بين حمائم وصقور، ودعاة اعتدال ودعاة تطرف.....».
 نعم هنا مربط الفرس: «التحريض»؛ تحريض نظام المخلوع حسني مبارك وكل أجهزته القمعية التي كانت له للضرب بيد من حديد، إذ لا فارق جذريا، في زعم الأستاذ الدكتور المثقف الجنكيزي، بين حمائم وصقور ودعاة اعتدال ودعاة تطرف، أي اضرب بسيفك يا سياف ضربة شمولية لا تعتق فيها رقبة!

ولم ننته عند هذه النقطة الطفيفة في بحر الظلمات من التلبيس والخداع والمخادعة والتحريض والكلمات التي تعتبر أن الدين مناقض للوطنية، حتى قال مؤرخ كبير معروف، أن ثورة القاهرة الشعبية المجيدة ضد الحملة الفرنسية، في أكتوبر1798، لم تكن ثورة وطنية بل كانت «ثورة دينية»!

 مشيئة الله هي الغالبة: هكذا كانت وهكذا ستكون حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

"إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدْرا"، صدق الله العظيم \الطلاق \ 3.




 


هناك 3 تعليقات:

  1. سيدتي

    اشكرك جدا علي هذا المقال


    عجبا لعالم اصبحت فيه تقوي الله تهمة تحتاج مواجهة

    عجبا لبشر يتخبطهم الشيطان من المس حين تاتي سيرة الدين

    ولدعاة الدولة المدنية

    ((فقا فانتم ليست لكم معالم واضحة تبين

    لنا مالمقصود بالمدنية التي تريدونها))

    اخشي ان تكون المدنية مسخ من مجموعة تجارب

    كالمادة 76 بتاعة مبارك وابنه

    شكرا لكي سيدتي

    ردحذف
  2. لا تتخيلي كم انتظر مقالاتك حيث ان بعضها تفتح مداركي لاشياء حدثت بمصر في السنوات الماضيه ولم استطع متابعتها لسفري الطويل المستمر حتي الان والبعض الآخرتعيد لي بعض الذكريات الجميله للزمن الذي عشته بمصر

    ردحذف
  3. الأستاذة الفاضلة ألف تحية من الجزائر
    ليس كل من يعلن عن نفسه أنه علماني فهو كذلك ، كما أنه ليس كل من يعلن عن نفسه إسلاميا فهو كذلك لأن المسألة لست إعلانا إنما موقفا والتزاما.
    العلمانية لم تكن يوما حربا لا هوادة فيها على الدين كما لم تكن دعوة إلحادية، إنما هي مجرد آلية لتنظيم الحكم ، فهي لا تحمل أي مضمون أيديولوجي
    أما اقتباساتك التي بدا لي أنها " للمارينز" مجدي الدقاق أو لمن هو على شاكلته فلم يكونوا مدافعين عن العلمانية، إنما كانوا سدنة نظام استبدادي فاسد لبسوا قناع العلمانية و الحداثة ليجعلوا منها سيفا حادا لقطع رؤوس خصومهم السياسيين . وهذا أسلو ب مرتزقة وليس أصحاب فكر، مثلما نسمع هذه الأيام من واحد، إن لم يكن مخنث بيولوجيا فهو مخنث ثقافيا ، يدعى عكاشة وعلى قناة تدعى الفراعين يتهجم على الثورة وشباب الثورة و شابات الثورة بإيعاز من الجهة التي أرسلت تعليمات لوحداتها تحدثها
    أو بتعبير أدق تأمرها بمشاهدة قناة الفراعين .
    سيدي الفاضلة إذا كان لكل زمان رجاله وأبطاله فبجانبهم أيضا يقف أشباه الرجال
    مرة أخرى تحياتي الخالصة وتمنياتي لك بدوام الصحة والعافية

    ردحذف