السبت، 14 يناير 2012


مين هوّ كلثوم ده يابخته؟

"الكلثوم" يعني: "الكثير لحم الخدين والوجه"، كما يقول قاموس "المنجد" صفحة 694 في طبعته الثامنة عشرة الصادرة في 30 يناير1965، وأنا أوثق المصدر حتى لا يكذبني من يخلط بين "الفلجة" التي هي الإتساع بين الأسنان وبين "الكلثوم"، الأهم أن معنى إسم السيدة "أم كلثوم" هو أم خد "ملظلظ" وهذه "الكلثمة" صفة من صفات الجمال عند العرب، لكن بديع خيري، المسرحي العبقري والشاعر الظريف والإنسان الدمث الحبوب لم يتردد في تجاهل معنى إسم "أم كلثوم" ليتساءل، في حفل أقيم في منتصف أربعينات القرن الماضي وأذاعته الإذاعة المصرية، لتكريم "بلبلة الشرق" التي "عادت للأوطان" بعد رحلة علاج في الخارج، منشدا:

"مين هوّ كلثوم ده يابخته اللي إنت إسما تبقي أُمه؟"!

عاشت "أم كلثوم" مرحلة مناداتها "الآنسة أم كلثوم" حتى مرحلة "السيدة أم كلثوم" معززة مكرمة، تصدح بـ "يا مليكي" مادحة العهد الملكي من كل قلبها، فكان أن فازت بنيشان الكمال ولقب "صاحبة العصمة" من الملك فاروق، الذي "تفضل جلالته" بالموافقة على التنازل عن عرشه في 23\7\1952، فما لبثت "صاحبة العصمة" حتى "رشقت" في العهد الجديد مادحة عبد الناصر من كل قلبها فكان أن تسلطنت وتمكنت وأصبحت ذاتا لاتُمس لايجرؤ كائن من كان، مثلا، أن يكتب عنها ما إستطاع الدكاترة زكي مبارك أن يكتبه وينشره في مجلة الرسالة 21 أكتوبر1940 حاكيا ما حدث عندما رآها مصادفة في محطة "باب الحديد": "... والتفت فرأيت إنسانة نحيلة تُحاور المودعين حوارا تقع فيه ألفاظ غلاظ، على غير ما ينتظر من فتاة لها تلك المكانة بين البيض الخفرات من بنيّات وادي النيل، وأقبلت فسلمت تسليم الشوق بتهيُب واحتراس؛ لتفهم أني لا أريد نضالها في ميدان التنكيت، ولكن الشقيّة تغابت وتجاهلت رغبتي في البعد عن هذا الميدان، ولم تكن إلا لحظة حتى اقتنعت بأن الزمالك تُجاور بولاق! ما الذي يحمل ثومة على خلع البرقع وهي تحاور الرجال وفيهم من لا يتأدب وهو يحاور النساء؟ لم يبق بين ثومة وبين الفضيلة النسائية أي صلة؛ فهي اليوم من رجال الأعمال، وهي أبو كلثوم لا أم كلثوم!"؛ من الواضح أن أم كلثوم كانت في ذلك الموقف قد إستفزت الدكاترة زكي مبارك  بنكاتها الجارحة بما لم يطقه فسنّ لها لسانا حادا، وهو من أعلام الهجائين بالإضافة إلى كونه من برج الأسد الذي لايمكن أن يسكت على ما يراه مسا بكرامته، وقد تعرضت أم كلثوم في نهاية عمرها لـ "خرشمة" جامدة من برج أسد آخر لم يقبل هزارها عندما داعبت محمد أنور السادات فور توليه رئاسة جمهورية مصر، بعد وفاة عبد الناصر فجأة 28 سبتمبر 1970، إذ يُقال، والعهدة على الراوي، أنها قالت له "أهلا أبو الأنوار!"، مما إعتبرته زوجته تجاوزا غير مقبول بتاتا، ولو كان من صاحبة العصمة والذات التي لا تمس، فلم تتردد في زجرها بخشونة: "إسمه السيد الرئيس، هل كان من الممكن أن تكلمي عبد الناصر هكذا؟"، والحقيقة أن الزوجة، برج الأسد، كان معها كل الحق في تلك اللحظة رغم أنها لم تكن تملك الكثير من الحق على طول مشوار رئاستها لجمهورية مصر العربية!

سنة 2000 كنت قد سألت الشاعرة والصحفية الأستاذة أماني فريد، رحمها الله آمين، هل عرفت أم كلثوم؟ فسكتت ثم قالت: "أحكي لك حكاية عنها؟ أنا كنت مدعوة مع الشاعرة روحية القلّيني في حفل بالهيلتون أقامته جمعية النور والأمل ودخلت أم كلثوم بقنزحتها اللي بترسمها في المجتمعات، روحية قالت لها: إزيك ياست أم كلثوم؟ راحت أم كلثوم بصّه لها من فوق لتحت بتجاهل ومشيت، روحية عفاريتها طلعت وقعدت تقول بغضب: أنا أعرفها كويّس قوي ما تردّش عليّ إزاي؟ قلت لها يا روحية خليك منطقية؛ لو أم كلثوم ردت على كل اللي يعرفها مش ح تخلص، فهبطت روحية، لكن أنا الناس اللي زي دي عارفاها، لا يمكن أقرّب منها لا في المجتمعات ولا في غيرها..طظ!".

... ويبقى من أم كلثوم أنها بلغت في فنّها شأوا كبيرا عظيما لم يبلغه أحد قبلها ولا من بعدها، حتى الآن، غفر الله لها و أسكنها فسيح جنّاته بـ "ولد الهدى" و"سلوا قلبي"، و"ريم على القاع"، و"حديث الروح"، والكثير من قصائد اللغة العربية الفصحى التي أهلتها لتكون عن جدارة صوت "مصر تتحدث عن نفسها"!

هناك تعليق واحد:

  1. الأستاذة الفاضلة يسعد صباحك
    أتمنى ان تخصصي مقالا ،لمن لا يعرف، عن الدكاترة زكي مبارك لأنها جزء من تراث مصر و العرب الثقافي .
    اما حكايتي مع الست فهي تشبه حكاية من تحول من دين إلى دين، ولاأبالغ في تذلك ،كيف تحول مراهق من اغاني أنريكو ماسياس وجوني أليدي وسيلفي فارتن وأدامو وغيرهم إلى ودارت الأيام، فكروني ،هذه ليلتي ولازلت إلى يومنا من عشاقها .

    ردحذف