الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

من أرشيفي


     
أشرح الخبل كله أم من الخبل اختصر؟
يلفون ويدورون ويقومون ويقعدون، ولا يكفون عن التحرش، وكأن الدنيا لم يعد يخربها سوى أن دين دولة مصر هو «الإسلام»، وأن خانة توضيح «الديانة» لا تزال قائمة في الأوراق الرسمية.

يلتصقون بالسلطة، يبتسمون لها ويسبلون لها رموش أجفانهم في عشق القائل: «إنت تؤمر يا جميل»، من أجل أن يبلغوا مأربهم: «محو التدين». وحين تلوي السلطة عنقها عنهم وتحول ناظريها إلى مصلحتها، التي لا تراها في التصادم مع نبض الشارع، يرتفع صراخهم، كأنه معارضة حرة: «السلطة تتملق المشاعر الدينية»، ويهز السيد المواطن رأسه وهو مغمض عين وفاتح أخرى: «طيب وماله؟ سلطة واعية!»

إنهم هؤلاء الذين دأبوا على احتكار لقب «المثقفين»، وأغلبهم لا يعرف من الثقافة سوى عنوان كتاب: «لماذا أنا ملحد»، ينطقونه بتلمظ وفخر، على الرغم من أن معظمهم يخلط دائما في اسم مؤلفه «إسماعيل أحمد أدهم» مع كاتب آخر أكبر منه اسمه «إسماعيل مظهر».

هذا الذي يسمونه كتاب «لماذا أنا ملحد»، لا يعدو كونه كراسا نحيلا لا يزيد عن 13 صفحة، كتبها مخبول عام 1937 وانتحر بعدها بثلاث سنوات في 23 يوليو عام 1940 غريقا في بحر عروس البحر الأبيض المتوسط الإسكندرية، وإسماعيل أحمد أدهم، المولود في 13 يناير سنة 1911، صاحب هذه الأوراق «العبيطة» التي تعود لتطفو هذه الأيام عوامة يتعلق بها حضراتهم في نضالهم المكثف من أجل إنقاذ مصر من «الإسلام» و«التدين» و«الإيمان» والعياذ بالله من شياطين الإنس والجن.

عندي صورة من هذا الكراس تفضل بها علي الأستاذ العلامة الناقد والكاتب الكبير وديع فلسطين، بناء على طلبي، بعد أن صار الكلام عن هذا الكراس نشيدا يتغنى به في كل محفل وناد، ولو من دون قراءة له أو بيانات صحيحة عنه، تبدأ من أول الخطأ كما ذكرنا في اسم مؤلفه.

النسخة المصورة لدي تفيد بأن الكراس منقول «عن مجلة الإمام، أغسطس 1937»، وبها هذا التنويه: «هذا الكراس الذي ظل، وكل فكر أدهم المتشعب الاهتمامات، معتم عليه ما يقرب من نصف قرن، عثرت عليه السيدة س... نقطة شكر يزفها إليها المنسيون».

ولا أدري أنا من أين أبدأ حساب النصف قرن، أمن تاريخ نشر الكراس فتكون إعادته للنشر سنة 1987؟ أم تاريخ موته منتحرا فيكون النشر المجدد سنة 1990؟ ما علينا، حروف طباعة الكراس تدل على أنه صورة من أصل تم نشره 1937، وبه ثبت يزعم أنها مؤلفات أدهم وهي: 1 ـ نظرية النسبية بالألمانية والروسية في ثلاثة مجلدات. 2 ـ الرياضيات والفيزيقا بالألمانية والروسية في مجلدين. 3 ـ حياة محمد ونقدات تاريخية بالألمانية في مجلد. 4 ـ تاريخ الإسلام بالتركية في ثلاثة مجلدات. 5 ـ من مصادر التاريخ الإسلامي بالعربية. 6 ـ أبو شادي الشاعر بالإنجليزية. 7 ـ التوران في مجرى التاريخ بالتركية. 8 ـ الزهاوي الشاعر بالعربية.

هذا الثبت الذي يزعم أن الكتب المذكورة مؤلفات إسماعيل أحمد أدهم، حروف طباعته حديثة، فلعل هذه الكتب كانت المراجع التي استند إليها اسماعيل أدهم في كتابة كراسه وليست مؤلفاته، خاصة وأنه مات وعمره 29 سنة، وأنه يستند في برهانه إلى عقيدته الإلحادية إلى ما يقول هو بنفسه عنه: «.. هذا كلام رياضي صرف ومن الصعب التعبير في غير أسلوبه الرياضي، وليس كل إنسان رياضي عنده القدرة على السير في البرهان الرياضي... أما أنا فلا أجد هذه الصعوبات إلا شكلية، والزمن وحده قادر على إزالتها، ومن هنا لا أجد بدا من الثبات على عقيدتي العلمية والدعوة لنظريتي القائمة على قانون الصدفة الشامل الذي يعتبر في الوقت نفسه أكبر ضربة للذين يؤمنون بوجود الله».

في مطلع الكراس، استشهد إسماعيل أدهم ببيتين من قول جميل صدقي الزهاوي، بعد مطالعته «عقيدة الألوهية» للدكتور أحمد زكي أبو شادي، والبيتان هما:

«لما جهلت من الطبيعة أمرها

وأقمت نفسك في مقام معلل

أثبت ربا تبتغي حلا به

للمشكلات فكان أكبر مشكل»

وفي مقدمته تحت عنوان «توطئة»، نعرف من السيد إسماعيل أدهم، أن والده كان مسلما شديد التمسك بدينه، وأمه مسيحية بروتستانية ابنة البروفيسور وانتهوف «الشهير»، ولكنها ماتت وإسماعيل أدهم في الثانية من عمره، فعاش سنوات الحرب العالمية الأولى مع شقيقتيه في الآستانة وكانتا تلقنانه تعاليم المسيحية، وتسيران به كل يوم أحد إلى الكنيسة، وإن أفاد بعد ذلك بأن الشقيقتين «كانتا قد درجتا على اعتبار أن كل ما تحتويه التوراة والإنجيل ليس صحيحا، وكانتا تسخران من المعجزات ويوم القيامة والحساب، وكان لهذا كله أثر في نفسيتي».

كراس «لماذا أنا ملحد» لا يهدد المؤمنين ولا يستحق جهد الرد الذي بذله في وقت صدوره العلامة محمد فريد وجدي بكتابه «لماذا أنا مؤمن»، فهذا الكراس على العكس، يؤكد قدر الخلل والارتباك والتخبط الذي عانى منه المسكين «إسماعيل أحمد أدهم»، وأتباعه الصارخون بعنوان كتابه والمختلط عليهم اسمه!

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.



هناك تعليق واحد:

  1. الله يااستاذه
    خيركم من تعلم العلم وعلمه
    انشاء الله اامل ان تكوني معلمتنا وخيرنا
    بتدوينات تفتح افاقنا علي اصول هذا الهراء
    الذي ينطق به بعض المهاوييس المتكبرين
    تحيتي ليكي استاذتنا الفاضلة

    ردحذف