الجمعة، 19 نوفمبر 2010

المزيد من مقالات القوصي




نحن بحاجة إلي فهم المعتزلة‏(2‏ ـ‏2)‏
بقلم: د.محمد عبدالفضيل القوصى

لايستطيع منصف‏..‏ مهما يكن مدي اختلاف موقعه الفكري عن مذهب المعتزلة أصولا أو فروعا ــ أن يغمطهم حقهم من الإجلال والتقدير لحماستهم المتوقدة في الدفاع عن الإسلام دفاعا حارا.

 لم يستخدموا فيه سوي سلاح العقل‏,‏ فمن طبائع الأمور أنه حين ينازل المرء خصما قوي الشكيمة أن يكون محكوما بالضرورة بطبيعة الأسلحة الملائمة التي تتيح له الظفر والغلبة‏,‏ فماذا يكون ذلك السلاح الذي يمكن المعتزلة من مجابهة الخصوم الذين لايعترفون بنصوص الشرع‏,‏ ولايقرون بشواهد النقل؟ ماذا يكون سوي سلاح العقل وحده؟

لقد حفظ لنا التاريخ الموثق أسماء عديد من الفرق الإلحادية المناوئة للإسلام‏,‏ والتي اضطلع المعتزلة ــ في بغداد والبصرة ــ بمنازلتها ودحض أفكارها‏,‏ ويكاد يعسر علي المرء إحصاء تلك الفرق‏,‏ فمن الدهرية إلي المجوسية إلي اليهودية‏,‏ إلي الزنادقة‏,‏ إلي المنانية إلي غير ذلك من الفرق التي اندثر بعضها‏,‏ وذاب بعضها في بعض‏,‏ ثم بقي مابقي منها ثاويا في بطون المصادر‏,‏ وغياهب المخطوطات‏.‏

في هذا المناخ الفكري المحتدم تبلور ــ في الوسط الاعتزالي ــ مبدأ التحسين والتقبيح العقليين‏,‏ وفي البؤرة من اهتمام واضعيه ــ هدف محدد يجابهون به تلك الموجات العارمة من الإلحاد‏,‏ بمختلف اتجاهاته وصنوفه‏,‏ التي تبغي أن تنال من الإسلام منالا‏,‏ ألا وهو بيان أن ما يتضمنه الإسلام ــ من عقائد وشرائع ــ وأوامر وضوابط فإنما هي أمور يحكم العقل السليم المجرد عن كل المؤثرات‏:‏ بحسنها المطلق‏,‏ وأن ما نهي الإسلام عنه‏:‏ فإنما هي أمور ــ يحكم العقل الخالص وحده بقبحها المطلق‏,‏ بحيث أننا لو افترضنا جدلا أنه لم يأت من الله تعالي شرع‏:‏ لحكم العقل بمفرده بنفس ماقضي به الشرع حسنا أو قبحا‏,‏ أمرا أو نهيا‏,‏ ومن ثم فإن الشرع حين أمر بشيء فقد كشف عما ينطوي عليه من وجوه الحسن‏,‏ وحين نهي عن شيء فإنما كشف عما يتضمنه من وجوه القبح‏!

فماذا يعكس هذا الموقف الإعتزالي المبدئي إلا ضربا عميقا من الثقة المطلقة بحسن أوامر الشرع‏,‏ وقبح نواهيه؟ كما أنه يعكس ــ في الآن ذاته ــ برهانا ناصعا علي شمول صلاحية الشرع للبشر جميعا ــ مهما اختلفت أزمنتهم وأمكنتهم‏,‏ لأنه ــ أعني الشرع ــ لم يحكم إلا بما يقتضيه العقل الذي هو القاسم المشترك للوعي البشري علي اختلاف الأزمنة والأمكنة؟

منطق المذهب الاعتزالي‏,‏ وأقوال مفكريه إذن ناطقة بأن الشرع بأوامره ونواهيه‏,‏ وسلامة منهجه‏,‏ وصلاحية توجيهاته‏:‏ مطابق تماما لحكم العقل ذاته‏,‏ فلولا أن الفعل المعين كالصلاة مثلا حسن في حد ذاته ــ كما يقول مفكر المعتزلة البارز‏(‏القاضي عبدالجبار في موسوعته المغني‏):‏ لما أمر الله تعالي به‏,‏ ولولا أن الفعل المعين ــ كعقوق الوالدين ــ قبيح في حد ذاته ــ لما نهي الله تعالي عنه‏).‏

وهكذا فهم المعتزلة وظيفة العقل المثلي‏,‏ إنه يكشف عن محاسن الشريعة‏(‏ بعد‏)‏ أن تبينت الشريعة‏,‏ واتضحت محاسنها‏,‏ وبرزت معالمها‏,‏ فيري فيها ذلك العقل من الخصائص والمحاسن مالو تجرد هذا العقل ذاته ونظر إليها في حياد كامل لرأي أنها جديرة بأن تكون كما حكم الشرع تماما‏:‏ حسنا أو قبحا‏,‏ فعلا أو تركا‏,‏ فبهذا المنطق الواضح يكون الرد المفحم علي أولئك الطاعنين في الإسلام الذين يود أحدهم لو أوقف موجة الإسلام العالمية عن الإنتشار بكل وسيلة‏,‏ حتي ولو كانت وسيلة الإدعاء والافتراء‏,‏ وتشويه صورته‏,‏ وتلويث صفحته‏!

بيد أن المعتزلة ــ البغداديين منهم والبصريين علي السواء ــ لم يدر بخلدهم البتة ــ كما يبدو ذلك بأدني تأمل ــ أن يكون دينهم هو دين العقل البديل عن الشرع‏,‏ ولا أن يكون دينهم هو دين العقل الناقض للشرع‏,‏ ولا أن يكون دينهم هو دين العقل الحاكم علي الشرع‏,‏ لم يكن شيئا من ذلك يدور بخلدهم حتي نبتت نابتة التنوير‏,‏ فإذا بهم يتخيلون في مذهب المعتزلة أشباه هذه الترهات‏,‏ دون أن يكلف أحدهم نفسه بمجرد قراءة عنوان أحد الفصول الضافية التي تتضمنها‏(‏ الموسوعة الاعتزالية الباذخة‏:‏المغني المجلد الخامس عشر‏)‏ للقاضي عبدالجبار‏(‏ إنه لايجوز أن تعرف أحوال المصالح السمعية باستدلال عقلي‏)‏ أو يكلف نفسه بمجرد النظرة العجلي لما ورد في نفس المجلد‏(‏كيف يدل العقل علي أن الصلاة بلاطهارة لاتكون عبادة‏,‏ ومع الطهارة تكون عبادة‏,‏ مع أن الحضور فيهما لايتغير‏)‏؟ أو يكلف نفسه بشيء من الإطلاع علي التراث الاعتزالي الوفير في علم أصول الفقه‏,‏ وهو العلم الذي يقبض بجمع اليدين علي أمهات مسائل الفقه الفرعية المتشعبة الأطراف؟

وفي الحق أن هذا المبدأ الاعتزالي الجاد في التحسين والتقبيح العقليين قد تعرض في دوائر الفكر الإسلامي الأخري إلي ضروب شتي من النقاش المتفاعل الذي ينبيء ــ طبقا لمقاييس المنهج العلمي الرصين ــ عن حيوية ذلك الفكر‏,‏ وخصوبته وثرائه‏,‏ واتساع نطاقه ورحابة أبعاده‏,‏ فكيف السبيل مثلا إلي أن تتجرد أحكام العقل ــ لو أخذت بمفردها ــ عن الذاتية والشخصانية‏,‏ وأن تنأي عن عوامل البيئة‏,‏ وبواعث الوراثة‏,‏ ومؤثرات التكوين الأسري والاجتماعي؟

ثم‏..‏ ألا ينزلق العقل أحيانا ــ حين يخضع لشيء من تلك المؤثرات ــ إلي استحسان بعض القبيح‏,‏ أو إلي استقباح بعض الحسن؟ ثم إنا إذا افترضنا إجماع العقول جميعا علي المحاسن العظمي‏,‏ واتفاقها علي استقباح النقائص الكبري فهل اتفقت تلك العقول علي تفاصيلها‏,‏ وجزئياتها وتطبيقاتها؟ وهل شقيت البشرية إلا بالاختلاف في التفاصيل‏,‏ وازدواجية معايير التفسير؟ وهو ما يجعل التآخي بين العقل والشرع ضرورة وجود‏,‏ وقضية مصير؟

وبرغم هذه المآخذ وغيرها مما يمكن أن يؤخذ علي كل فكر شديد الخصوبة‏,‏ عميق الثراء‏,‏ لكن يبقي للمعتزلة علي مدي التاريخ‏:‏ الفضل الأكبر في درء تلك الموجات الإلحادية العارمة التي جابهت الإسلام في عصر التلاقح الحضاري الخصب‏,‏ وفي التفاعل معها علي نحو مبهر‏,‏ وهذا هو الدرس الفعال الذي يجب أن تستبقيه الأمة دوما في وعيها اليقظ‏,‏ لكن أمرا واحدا يجب أن ينزه عنه فكر الاعتزال بعامة‏,‏ ومبدأ التحسين والتقبيح العقليين بخاصة‏,‏ وهو أن يكون ذلك الفكر ــ كما يزعم التنويريون ــ نقيضا للشرع‏,‏ أو بديلا عنه‏,‏ أو حكما عليه‏,‏ فذلك مالم يخطر للمعتزلة علي بال‏!

      
   
 



 

هناك تعليق واحد:

  1. بسم الله الرحمن الرحيم

    أعتذر عن خوضى فى حديث آخر لكنى بحاجة لدعمكم المعنوى ولهذا أوجه الكلمات التالية إليكم - فأرجو قراءة ما يلى والرد والنشر والتعميم إن أمكن
    = = = = =
    باحتيال جرى سراً وعلناً منذ 15 سبتمير 2010 بقسم الأراضى بكلية الزراعة جامعة القاهرة تم تنصيب أستاذ مساعد يجهل علم الهيدرولوجى منسقاً لمقرر (هيدرولوجيا ومياه جوفية) لطلاب برنامج التعليم المفتوح وإسناد تدريس المقرر له بدلاً من كاتب هذه السطور الأستاذ الوحيد المتخصص فى الهيدرولوجى بالقسم.
    إسمى على كتاب (هيدرولوجيا ومياه جوفية) - الصادر عن جامعة القاهرة - وتاريخى وحاضرى العلمى فى أبحاثى فى الهيدرولوجى داخل مصر وخارجها يكفونى فى مواجهة المحتالين - ما دمت على قيد الحياة - وحتى يتم ضحد واسقاط حملة الخداع والتضليل والاحتيال التى دبروها ضدى.
    وبمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
    الأنفال: 30 - صدق الله العظيم
    ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله
    فاطر : 43 - صدق الله العظيم
    هل رأيتم جامعة فى الدنيا تفرض غير متخصص فى فرع علمى معين على متخصص وتحاول إجبار المتخصص على قبول أن يصبح غير المتخصص رئيسه فى عمله ؟ هل حدث يوماً فى جامعة فى الدنيا بأسرها أن يتم فرض أستاذ مساعد غير متخصص فى الفرع العلمى على الأستاذ المتخصص فى هذا الفرع وجعل الأستاذ المساعد غير المتخصص رئيساً على الأستاذ المتخصص ومنسقاً للإشراف على تدريس مقرر تعليمى بدلاً من الأستاذ المتخصص وتعليق الاستعانة يالأستاذ المتخصص فى تدريس مقرره العلمى الأصيل والوحيد بقسم علمى جامعى؟ - أنا أعرف جامعة واحدة يحاول البعض فيها أن يرتكب تلك الجريمة ويمررها بقواعد زائفة لاسند لها من ذرة عقل أو منطق ويشكل منافٍ لنصوص وروح قانون تنظيم الجامعات ولمبدأ التخصص الجامعى - وهذه الجامعة - للأسف - هى جامعة القاهرة - التى كانت الجامعة العربية الوحيدة من بين الخمسمائة جامعة الأولى على العالم - فصارت خارج الحلبة وخرجت نهائياً من سباق الألف جامعة الأولى على العالم وصارت فى موقع يتواصل تقهقره بلا توقف بفضل تآمر اليعض والصمت المدوى للبعض التماساً للسلامة.
    لن أصمت على هذا الغبن المهين للجامعة - قبل أن يكون مهيناً لى - لن أصمت على تلك المهزلة حتى يوم وفاتى مهما تحملت جراء مكافحتى هذا الفساد.
    أتساءل : إلى أى مدى سوف بذهب المحتالون فى خداعهم جامعة القاهرة ؟
    = = = = =
    إن أمثال من اختطفوا جريدة الدستور - كما يختطف اللصوص سيارة فى الشارع - يختطفون التعليم الحامعى فى جامعة القاهرة أيضاً - ورغم أنى لم أطلب يوماً من أحدٍ مناصرتى فى مسألة تخصنى فهذه المرة أطلب ذلك لأن المسألة لا تخصنى وحدى بشكل شخصى وإنما تتعدانى لتصبح جزءاً من تفاصيل المأساة التى يعيشها هذا البلد حيث يحاول اللصوص - فى كل موقع - أن يجعلوا من قانون الغاب شريعتهم التى يحكموا به - رغم أنف القانون والعرف والتقاليد والعقل والمنطق وسائر المعلوم بالضرورة من فضائل العقل المتحضر - وشكراً لك مقدماً
    = = = = =
    أ. د. محمد فهمى حسين
    دكتوراه دولة فى العلوم الطبيعية - تخصص هيدرولوجيا وجيوكيمياء النظائر
    كلية العلوم - جامعة باريس - 1990
    أستاذ زائر وزميل أبحاث بالوكالة الدولية للطاقة الذرية - قسم هيدرولوجيا النظائر - 2001 - 1993
    أستاذ زائر وزميل أبحاث بالمساحة الجيولوجية للولايات المتحدة الأمريكية 1996
    زميل وأستاذ وزائر بهيئة فولبرايت 1996
    خبير معار لوزارة الخارجية لتدريس هيدرولوجيا وجيوكيمياء النظائر باللغة الفرنسية بجامعة أفريقية - 2009- 2004
    أستاذ بجامعة القاهرة – كلية الزراعة – قسم الأراضى
    = = =
    هذا وتوجد تفاصيل إضافية لم أضعها ضمن سياق النص السابق - وسوف أوافيكم بها إن شاء الله إن وجدتم وقتاً لرد ما على كتابى هذا – وشكراً
    = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
    profdrfahmy@gmail.com

    http://egyptelibre.blogspot.com/
    = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

    ردحذف