الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

ما قل ودل

 كتب: العلمانية هي الحل، فكرت في إضافة تجعلها: العلمانية هي الحل المرفوض، لكن واحد شاطر من قرائه كان تعليقه: العلمانية هي الخل!

الاثنين، 29 نوفمبر 2010

مناسبات

اليوم الذكرى الأولى لرحيل الأميرة السابقة فريال بنت فاروق: الوحيدة التي أحبها من عائلة المستبد القاسي محمد علي؛ رحمها الله.


وتحل الذكرى الـ 59 لرحيل عبقري الفن الإذاعي عبد الوهاب يوســـــــــــف؛ رحمه الله.


وأعيد التنبيه إلى 29  11  1947:

هل نندم لأننا لم نستسلم فورا؟
مغالطة تقب من حين لآخر يزعم أصحابها أن "الحكمة" كانت تقتضي أن يقبل العرب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر 29\11\1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين: فلسطينية ويهودية، وأن العرب برفضهم قرار التقسيم، المجحف، قد أضاعوا على أنفسهم الفرصة النادرة، التي تستحق الندم عليها حتى آخر العمر، وقد جدد الأستاذ صلاح منتصر الدعوة إلى مهرجان الندم هذا في عموده "مجرد رأي"، بجريدة الأهرام 20\5\2009 تحت عنوان "الدولة التي رفضناها" مشيدا بقيمة "الفرصة" التي "ضاعت" ومقرعا الذين "عن جهل وعدم خبرة وقدرة على قراءة الواقع والتغيرات العالمية رفضوا الدولة التي ضاقت وكشت وراحوا يبوسون الأيادي اليوم للحصول على أقل منها مساحة وسيادة وسكانا!" ، وقد ذكرنا حضرته بأن قرار 29\11\1947 قد أعطى عصابات الإرهاب الصهيوني 56 ونصف % من مساحة فلسطين وأبقى للفلسطينيين 43 % فقط من أراضيهم ،وأفاد سيادته بأن اليهود - صهاينة أدق- قبلوا القرار وأعلنوا قيام دولتهم 14\15 مايو 1948 وحصلوا على إعتراف الدول الكبرى، "أما العرب فقد رفضوا قبول القرار وأعدوا جيشا عربيا مشتركا يطرد اليهود فيما سمي حرب 48 التي استمرت بضعة شهور لم يتمكن العرب فيها من زحزحة اليهود سنتيمترا واحدا من أراضيهم....".

مع صيغة التهكم والتصغير من شأن خطوة العرب بالإعداد لحرب 48 لابد كذلك أن أتحفظ على كلمة "أراضيهم" ،التي جاءت في صياغة الأستاذ صلاح منتصر، وهو يعلم أنها المنتزع من أرض أهل فلسطين وأن هذا "الإنتزاع" لايعطي مخلوقا حق الزعم أن الأرض المنتزعة "أراضيهم"!

ودعونا نتأمل قليلا تقسيم 29\11\1947 على حقيقته:

أولا، هو يقول للصهاينة الأغراب الذين لاحق لهم في الأرض الفلسطينية:  تعالوا أعطيكم 56 ونصف % من فلسطين ، التي لا تعرفكم ولا تعرفونها، لتقيموا دولة لكم، هكذا من الباب للطاق من دون أي سند شرعي أو قانوني إلا منطق جبروت القوى العظمى التي أرادت أن تخضع الدنيا لإرادتها الجائرة بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية -1939\1945- تلك التي يسميها الأستاذ صلاح منتصر "التغيرات العالمية"، فكيف لا تسارع العصابة الصهيونية الطفيلية بقبول التقسيم بالترحاب، وقد أعطى من لايملك من لايستحق، وتعلن قيام دولتها، كيانا صهيونيا عنصريا، في 14\15 مايو 1948 ؟

ثانيا، يلتفت تقسيم 29\11\1947 إلى الفلسطينيين، أهل فلسطين وملحها عبر الدهور والعصور، ويقول لهم: نأخذ أكثر من نصف أرضكم ونبقي لكم 43 % منها بعد انتزاع مدينتكم "القدس" للتدويل مشاعا لمائدة اللئام ،فكيف كان من الممكن أن يستقيم هذا الجور وبأي موجب كان لابد من الإذعان لقوانين الغاب المفترسة وترك محاولة مقاومتها ؟

وإذا كان رفض التسليم الفوري للبغي والظلم والعدوان هو في رأي ضعاف العزيمة "جهل وعدم خبرة" فمتى كان الإنسحاق والتفريط والترحيب بالخسارة هو "العلم" و "الحداقة" ؟

هل هناك أمة تندم لأنها قاومت نصف قرن ،على الأقل، ولم تستسلم فورا ؟

الإجابة تأتي بالنفي القاطع في وثيقة "تفكيك إسرائيل – إسرائيل كيان غير شرعي"، التي طرحتها مجموعة من شباب المدونين في الشبكة العنكبوتية 24\2\2009  فيما لايزيد عن 6654 كلمة وتبدأ بكلمات النبل الإنساني التالية: 

"بسم الله ، رب الناس أجمعين ، نعلن في البداية ، نحن مجموعة الشباب ، الذين أعددنا هذه الوثيقة ، حقيقة أننا لا ننتمي لأي تيار أو حزب سياسي ، ولم ننطلق في رؤيتنا من أي منطلق إثني أو عرقي أو ديني ونعلن انحيازنا التام للإنسان ولحقه في العيش بسلام وكرامة ، بغض النظر عن لونه ودينه وعرقه وجنسيته وانتماءاته ونعلن احترامنا لكل هذه المبادئ والعقائد ووقوفنا إلى جانب الحق والعدالة، وتتلخص رؤيتنا هنا في عدم إمكانية استمرار مايسمى بـ < دولة إسرائيل> ، ولدينا الحجج القانونية التي نضعها أمام العالم ، وليس الهدف من هذه الوثيقة اجترار الآلام على من يعرفون الحقائق ....وإنما نهدف إلى مخاطبة العالم بلغته وتحكيم القانون الدولي ...وليكن قانون القوى الإمبريالية ،التي صنعت الكيان الصهيوني، شاهدا من أهلها  عليها...................................."

وتنتهي بقولها: "....ونحن إذ نضع هذه الوثيقة أمام البشرية جمعاء، نعلن استياءنا من هذا العجز والصمت لمعظم المنظمات الدولية والإنسانية بل وإنحياز بعض هذه المنظمات ضد الضحية ووقوفها إلى جانب المعتدي.................الجدير بالذكر أن هذه الوثيقة تم نشرها علي موقع مدونات أوباما-بايدن ، منتدى < ماي سبيس> ..... وعدة مواقع على الإنترنت، وقد لاقت هذه الوثيقة اندهاشا ثم تفكرا ثم استحسانا من عدد لابأس به من الغربيين....وتجدر الإشارة هنا إلى أن تيودور هرتزل بدأ مشروعه الصهيوني غير المشروع بوثيقة وجدت من يؤمن بها، ونحن نمتلك مشروعا مشروعا نريد ،فقط، أن نؤمن به." وقد تمت ترجمة الوثيقة إلى اللغات: الإنجليزية والفرنسية والأسبانية وجاري جمع التوقيعات على الشبكة العنكبوتية:


فريق عمل هذا التحدي الجميل هم: جو غانم وإيمان بدوي ومحمد قنديل ورحاب فواخري ومحمد شلطف ونوارة نجم وعاصم القاسم.




الأحد، 28 نوفمبر 2010

هذا التحقيق نشرته الأهرام الجمعة 26 11 2010 ص 39 أقترح قراءته

علماء الدين‏:‏ الإسلام لا يعرف التمييز بين الأقليات‏

تحقيق‏:‏ محمد عبدالخالق

جاء قرار مجمع البحوث الإسلامية الذي عقد صباح أمس برئاسة فضيلة الأمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بتشكيل لجنة من قيادات المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية في مصر.
 وذلك للرد علي ماجاء في تقرير لجنة الحريات الدينية حول أوضاع الأقليات الدينية في مصر ليؤكد علي وحدة المصريين ومكانة أتباع الديانات السماوية في الإسلام وحمايتة ورعايتة لدور عبادتهم‏. وإذا كان التقرير تضمن العديد من المخالفات الدينية والادعاءات حول الاوضاع الدينية في مصر فان علماء الأزهر ووزارة الأوقاف قد أعلنوا رفضهم لكل ماجاء في التقرير‏,‏ مؤكدين ان الاسلام لا يعرف الدولة الدينية ولا يميز بين أتباع الديانات السماوية الذين يمارسون معتقداتهم بكل حرية في ظل رعاية الدولة المصرية لهم دون اي تمييز‏,‏ مطالبين الولايات المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي بوقف الاساءة للاقليات الإسلامية في الغرب والتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الامريكية في العراق وافغانستان والصمت الامريكي عن المذابح وجرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني‏.‏

وأبدي علماء الازهر رفضهم لكل ما ورد بالتقرير الذي صدر الأسبوع الماضي والذي ادعت خلاله الولايات المتحدة الامريكية وجود تمييز ديني في مصر ضد الأقباط والبهائيين وجماعة القرآنيين التي تتخذ من الولايات المتحدة الامريكية مقرا لها وتطالب بإلغاء السنة النبوية الشريفة ومساواة الذكر بالانثي في حقوق المواريث‏.‏
واستنكر علماء الدين ما ورد بالتقرير حول المطالبة بالغاء المادة الثانية من الدستور المصري والتي تنص علي ان مصر دولة اسلامية وان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع‏,‏ مؤكدين ان هوية الدولة وسيادتها لن تخضع لإملاءات خارجية‏,‏ وان تقرير لجنة الحريات الدينية يهدف الي طمس الهوية المصرية‏,‏ واصفين هذه اللجنة بأنها عصا سياسية امريكية لتركيع الشعوب وفرض الهيمنة الامريكية علي العالم الاسلامي وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية‏.‏ وأكد علماء الأزهر أن الدين الإسلامي أوجب حماية ورعاية دور العبادة في الدول الإسلامية وان أمن ورعاية الآخر في المجتمع الإسلامي يعد من ثوابت الشريعة الإسلامية‏,‏ مطالبين الشعب المصري بجميع طوائفه بالتكاتف وعدم التفرق أمام المحاولات الخارجية للمس بالسيادة المصرية واثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد‏.‏

الإسلام لا يعرف التمييز:

وقد نفي الدكتور عبد الفتاح إدريس استاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ما زعمه التقرير حول وجود تمييز تجاه الأقليات الدينية في مصر‏,‏ قائلا‏:‏ للرد علي مقولة ان هناك اضطهادا دينيا وان هناك أقليات دينية في مصر‏,‏ فليس هناك ما يسمي الأقليات الدينية لافي مصر ولا في العالم الإسلامي منذ عصر النبوة وحتي يومنا هذا‏,‏ وأصدق دليل علي هذا ان رسول الله صلي الله عليه وسلم اعترف بوجود يهود معه في المدينة المنورة وعقد معهم وثيقة عهد‏,‏ وهو ما يسمي بوثيقة المدينة جعل لليهود حقوقا وجعلهم والمسلمين مسئولين عن حماية المدينة وما يتبعها‏,‏ بل جعل علي اليهود ايضا نصرة المسلمين ورضي اليهود بهذا وعاشوا في المدينة بخير جوار المسلمين الي ان نقضوا هذا العهد فكانت عملية الإجلاء عن المدينة بسبب الخطر المتوقع منهم بعد نقضهم للعهد‏,‏ ولما فتح المسلمون مصر لم يعتبروا اصحاب الديانات غير الإسلامية أقليات‏,‏ وأصدق دليل علي هذا أن يد المسلمين لم تمتد بالتخريب الي معابد اليهود ولا الي الأديرة والكنائس التي مازالت قائمة حتي يومنا هذا‏,‏ وهذا دليل علي ان المسلمين لم يعرفوا عبر التاريخ ما يسمي الأقلية الدينية‏,‏ ولم يكن علي مر التاريخ أيضا حتي يومنا هذا في أي دولة من دول الاسلام أي مظهر من مظاهر اضطهاد المسلمين لغير المسلمين بل ان كتب التراث الفقهية وغيرها حفلت بأحكام التعامل مع غير المسلمين بيعا وشراء ورهنا‏,‏ وهذا يعد دليلا علي أن الإسلام ليس فيه ما يعرف بأقليات دينية مهمشة لا يعبأ بها ولا يهتم بأصحابها‏.‏
ومصر كدولة إسلامية عاشت عصورها كلها في ظل من التسامح وسعة الصدر حيث استوعبت اليهود والمسيحيين والمسلمين في ربوعها‏,‏ ولم يسجل التاريخ لأي حاكم من حكامها اضطهادا لغير المسلمين كما حدث في بلاد الغرب مثلا‏,‏ وما يقال من أن هناك اضطهادا لما يسمي البهائيين‏,‏ فالبهائية ليست دينا سماويا أو غير سماوي‏,‏ وإنما هي فئة لا تعتنق دينا سماويا وليس لها كتاب منزل‏,‏ لا يصدق عليها أنها اهل كتاب كاليهود والنصاري والمسلمين‏,‏ ومن ثم فإنها ليست أقلية دينية لأن البهائية ليست دينا حتي يوصف أهل مصر باضطهادها كأقلية دينية‏.

الاستقواء بالخارج‏..‏فتنة:

يضاف الي هذا ان عملية الاستثارة التي ترد الي مصر خاصة الي غير المسلمين من المهاجرين الاقباط الذين يتقوون بالولايات المتحدة الامريكية‏,‏ هذه الاستثارة لولاها لم تطف أي خلافات علي الصعيد المحلي بين المسلمين وغير المسلمين‏,‏ وذلك لأنه ليس هناك خلاف علي العقيدة يقتضي نشوء نزاع بين المسلمين وغيرهم في مصر يجعل الاضطهاد قائما أو حتي متصورا‏.‏
أما الميراث فهو من ثوابت الإسلام مدلول عليه بأدلة قطعية الثبوت والدلالة ولايوجد في الإسلام أحد كائنا من كان له حق الاجتهاد في أحكام المواريث مهما تكن درجة علمه في الفقه وذلك لأن احكام المواريث في الإسلام ليست مجالا للاجتهاد الذي يعتمد علي إعمال الفكر والبحث عن علل الأحكام وغيرها‏,‏ وإنما واجب من يلتزمون بأحكام الإسلام ان يمتثلوا بما امرهم ربهم به من آيات المواريث سواء أدركوا الحكمة من هذا التقسيم أم لم يدركوها‏,‏ ومن لم يمتثل فهو معاند عاص لله ـ سبحانه وتعالي‏.‏
ومن ثم فإن ما يشاع بأن هناك تفرقة في المواريث بين الذكر والأنثي فهذه التفرقة غير مطردة وليست خيطا يلتقطه بعض أعداء الاسلام ممن يطعنون في محكم تشريعه أو يحاولون النيل من بنيانه‏,‏ فبنيانه ثابت راسخ وذلك لأن تشريعه تشريع من حكيم عليم وليس تشريعا من وضع بشر ذي عقل لا يهتدي قاصر‏,‏ وربما اورده عقله إلي مهاوي الضلال والضياع والتشرد‏
.‏
كما عبر الدكتور عبد الفتاح إدريس عن رفضه لكل ما ورد في تقرير لجنة الحريات الدينية الأمريكية تجاه مصر قائلا‏:‏ كان ينبغي علي هذه اللجنة أن تذهب إلي سجن جوانتانامو لوقف الإجرام الذي تتبعه الإدارة الأمريكية ضد الحقوق الإنسانية والدينية هناك‏,‏ وعليها أن تبحث عما قام به مجرمو أمريكا تجاه المعتقلين في سجن أبو غريب من فظائع ضد الشباب والبنات العراقيين بشتي أشكال الإجرام التي لم ترتكبها من قبل أي خلية‏..‏ اجرامية في العالم‏.
وأضاف قائلا‏:‏ إن تقرير هذه اللجنة لا معني له لان مصر تتمتع بحريات دينية لم تعرفها أمريكا منذ ان تواجدت وذلك لأن المسلمين وغير المسلمين يمارسون علي أرض مصر شعائرهم الدينية بحرية ثابتة دون أدني تضييق عليهم ويحظي أتباع الديانات باحترام وتآلف علي أرض هذه الدولة منذ أكثر من‏7000‏ سنة‏,‏ وأوضح أن ما يحدث من قمع ومحاربة للأديان ونحوها يوجد في واقع الأمر علي أرض أمريكا ولاوجود له في مصر‏,‏ وأولي بهذه اللجنة الذهاب إلي المعتقلات الأمريكية للوقوف عن ما بها من جرائم‏.
انكار السنة‏..‏ ازدراء للدين:

واكد فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية رفضه كل ما جاء في التقرير جملة وتفصيلا‏,‏ ويقول‏:‏ كل هذه التقارير هدفها الإثارة والفرقة والمشاكل والبلبلة وإحداث فتنة طائفية‏,‏ هم لا يعرفون القرآنيين وأنهم ينكرون السنة التي هي مصدر أساسي من مصادر التشريع‏,‏ وفي عرفة قال النبي صلي الله عليه وسلم تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي وهذا يؤكد أن السنة أصل من الأصول ومصدر من المصادر الرئيسية للتشريع لا ينبغي التفريط فيه أو إهماله أو الرجوع عنه‏,‏ واذا كان القرآنيون يؤمنون بالقرآن‏,‏ فالقرآن أكد السنة قال تعالي‏:‏يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وقال‏:‏ ومن يطع الرسول فقد أطاع الله وقال‏:‏ وما اختلفتم فيه من شئ فردوه الي الله والرسول فاذا كنا نؤمن بالقرآن‏,‏ فالقرآن أكد ان السنة هي المكملة والموضحة والمفسرة والشارحة لما جاء في القرآن الكريم‏,‏ والقرآنيون في العالم لابد أن يؤمنوا بالسنة النبوية‏,‏ وان انكار السنة هو انكار لمعلوم من الدين بالضرورة ويترتب عليه الخروج من الملة‏,‏ فنحن نعرف ديننا جيدا ونعرف الأصول والفروع والعقيدة والشريعة ولا نرضي لأحد ان يتدخل في شئوننا الداخلية فيما يتعلق بالدين لأن مصر هي كعبة العلم الديني للعالم الإسلامي كله بأزهرها الشريف‏,‏ وهي الحارسة الأمينة علي كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم‏,‏ فعلي من يفرضون الوصاية أن يبتعدوا وأن يقولوا لأنفسهم دعوا الدين لأهله ثم فتشوا في انفسكم ماذا يصنع الامريكيون في العراق وافغانستان وفلسطين وغزة‏,‏ وقولوا لنا ماذا يقولون ؟ واذا كان هناك تقرير للحالة الدينية فينبغي ان يشمل العالم بأسره ولا يشمل مصر فقط‏,‏ ثم ايضا نقول لهم‏:‏ من نصبكم اوصياء علي الدين لتقولوا ما قلتم‏,‏ وانما علي كل دولة ان تنظر في نفسها أولا وفي شئونها وتترك كل شأن لأصحابه فهم ادري به من غيرهم‏.‏

ووصف التقرير بأنه يحرض علي الفتنة ويكرس للعداء والمواجهة بين أتباع الأديان ويؤجج الصراعات والنزاعات مما يجلب علي البشرية أحزانا ومآسي‏,‏ وهذا الاتجاه ينافي كل تعاليم الأديان وعلي رأسها الدين الإسلامي بصفة خاصة‏,‏ لأنه في جوهره رسالة سلام من الله‏,‏والتي أكدها القرآن الكريم بالدعوة الصريحة والقاطعة بين بني البشر عبر الزمان والمكان‏.‏ كما أكد عمق الروابط بين المسلمين والأقباط في مصر‏,‏ مشيرا إلي أن الإسلام كان سباقا في تقرير الحقوق والحريات منذ أكثر من‏14‏ قرنا وهو يسبق الغرب المعاصر بمئات السنين في ذلك‏,‏ وأن المسلمين والأقباط في مصر يتساوون في الحقوق والواجبات وهم أمام القانون سواسية‏,‏ معتبرا ان الحوادث الطائفية التي تشهدها مصر مجرد أحداث فردية لا علاقة لها بالدين الإسلامي الذي دعا إلي المحبة والتفاعل مع الآخرين والتعاون معهم‏,‏ مشيرا إلي أن الأزهر أدان حادث نجع حمادي الأخير وقام شيخ الأزهر مع الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف بزيارة نجع حمادي لتقديم العزاء لأسر الضحايا‏.‏

تقرير مخالف للواقع‏!‏:

من جانبه اعتبر الدكتورعبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية ان التقرير جاء مخالفا للواقع تماما وتضمن معلومات خاطئة عما يحدث في مصر‏,‏ وأضاف قائلا‏:‏ هذا التقرير يهدف إلي انتقاد مصر بأي شكل‏,‏ وإظهار الدول العربية والإسلامية بعدم وجود حرية في العبادات والاعتقادات الدينية‏,‏ وهذا ما تهدف إليه الولايات المتحدة الأمريكية من أجل زعزعة الاستقرار في المنطقة وفتح منافذ تتمكن من خلالها من التدخل في الشئون الداخلية ويساعدها علي ذلك أشخاص داخل البلاد العربية والإسلامية لهم مصالح شخصية من وراء هذا التدخل‏,‏وعلي الولايات المتحدة الأمريكية النظر لما تقوم له من انتهاكات للحريات في العراق وعليها أولا أن تعمل علي إدخال الدين في سياستها الخارجية‏.‏

الحجاب الشرعي والإدعاءات الأمريكية:

واذا كان علماء الأزهر يرون مخالفة التقرير الامريكي لنصوص قرآنية وأحاديث نبوية فان قيادات وزارة الاوقاف يؤكدون ان المحاولات الامريكية المشبوهة لإثارة الفتنة الطائفية وتغيير هوية الدولة تخالف الاعراف والمواثيق الدولية وحقوق الانسان‏,‏وانتقد الدكتور محمد الشحات الجندي‏,‏الأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الاسلامية‏,‏ ادعاء التقرير بإجبار طالبات المدارس الاعدادية والثانوية علي ارتداء الحجاب مشيرا الي انه حرية مطلقة وان مطالبة التقرير بإجبار البنات علي خلع الحجاب هو التمييز الديني بعينه‏,‏ وأضاف قائلا‏:‏ الحجاب مسألة دينية وليست سياسية وهذا الادعاء يمثل تدخلا سافرا في الشأن الديني‏,‏ وهو من اهم ما ورد بالتقرير من امور تخالف صحيح الدين الاسلامي وتتعارض مع آيات قرآنية كريمة‏,‏ قال تعالي ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وجمهور الفقهاء علي ان ما ظهر منها هو الوجه والكفان‏,‏وقد اقحم التقرير نفسه في مسائل دينية سعيا من قبل الحكومة الامريكية لفرض الحياة الامريكية والفكر الفكري الغربي علي المجتمعات الاسلامية‏,‏ وتعرض لمسائل محسومة شرعا ولا خلاف عليها مثل ميراث الانثي والحجاب‏.‏ وكان اولي بالتقرير ان يترفع عن مثل هذه المسائل الشرعية التي لن يقبلها عامة المسلمين بأي حال من الاحوال‏.‏

هوية الدولة المصرية:

كما انتقد الدكتور محمد الشحات الجندي ما جاء في التقرير حول هوية الدولة المصرية وقال‏:‏ تدخل التقرير في هوية الدولة المستمدة من الإسلام وأراد ان يحددها حين ابدي اعتراضه علي المادة الثانية من الدستور التي تنص علي ان مصر دولة اسلامية وان الشريعة الاسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع مشيرا الي ان تلك المادة لا تنتقص من حقوق غير المسلمين‏,‏ واضاف قائلا‏:‏ هناك قاعدتان تنظمان العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي‏,‏ الأولي تتعلق بالحرية الدينية حيث أمرنا الإسلام بتركهم وما يدينون وهذه القاعدة تقرر حرية وحق غير المسلمين في ان يعتقدوا في دينهم كما يشاءون وان يمارسوا شعائر هذا الدين‏,‏ ومسئولية الدولة الاسلامية ان تمكنهم من ممارسة شعائرهم في دور عبادة خاصة بهم‏,‏ وحماية تلك الدور‏.‏

والقاعدة الثانية تتعلق بالشئون الدنيوية والحياتية وهي لهم مالنا وعليهم ما علينا‏,‏ كما ان هناك مساواة بين المسلم وغير المسلم‏,‏ وهي المقررة بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم الناس سواسية كأسنان المشط‏,‏ كما ان الجميع يتمتع بحق الكرامة الإنسانية‏:‏ ولقد كرمنا بني آدم ولذلك فلا وجه لادعاء التمييز ضد المسيحيين كما ادعي التقرير‏,‏ فهي خصوصية دين‏,‏ وكان اولي بالتقرير ان يحترم خصوصية الدين الإسلامي وهوية الدولة المصرية فيما نص عليه الدستور خاصه باعتباره دين الأكثرية‏,‏ فالدستور لم ينص علي الإسلام بمعني التمييز ضد المسيحية وإنما نص علي الاسلام في المادة الثانية منه باعتبار أنه دين أكثر المصريين‏,‏ وكما نقول ان امريكا وبريطانيا دول غير مسلمة فلا يجوز لنا الادعاء بانه تمييز ضد هذه الاقليات المسلمة هناك‏,‏فالتقرير كأنه يريد ان تنخلع الأكثرية عن دينها لكي يقال عنهم إنهم لا يميزون ضد المسلمين‏,‏اين اذن هوية الدولة والمجتمع وحق الأكثرية ؟‏!‏

وقال انه لا يتدخل احد من المسلمين فيما يحدث في الغرب مثل عدم اجازة القوانين الغربية لتعدد الزوجات لأنهم يعتبرون ان ذلك يخالف النظام العام عندهم‏,‏ ولم يتدخل أحد من المسلمين في شأنه لأن هذا امر يقرره دستور تلك الدول ونحن لا نعارضه‏,‏وعلي الرغم من كل ذلك فقد تناول التقرير كل تلك النقاط بأساليب تحريضية ضد مصر والدين الاسلامي‏.‏

ومن جانبه قال الشيخ شوقي عبد اللطيف وكيل أول وزارة الأوقاف ان ما جاء في التقرير كلمة حق يراد بها باطل مشيرا الي ان امريكا تفرض قيودا علي المسلمين في سفرهم وتتعامل بعنصرية بالغة مع الاقليات الاسلامية في الولايات المتحدة‏,‏ اما الكنائس في مصر فهي مشرعة الابواب وتحظي بالحماية ويعيش الأقباط في امن وامان ولا توجد فتنة طائفية‏.
واكد ان ماجاء في التقرير يراد به النيل من مصر وتفتيتها والنيل من وحدتها رغم ان مصر منذ دخلها الإسلام وهي تعيش في وئام والكل يؤمن بأن الوطن للجميع وان الدين لله‏,‏ وان مصر تسير علي طريق الديمقراطية والحرية الدينية‏,‏وان عدد المستقلين من المرشحين الاقباط وعلي قوائم الحزب الوطني هو ابلغ رد علي كل تلك المزاعم الزائفة حول وجود تمييز ديني في مصر‏,‏ وأن الاقباط ممثلون في مجلس الشعب ولهم الحرية الكاملة في كنائسهم ومعتقداتهم وأوقافهم التي ردت اليهم منذ سنوات طويلة‏,‏ ويمارسون حياتهم في شتي المجالات‏.‏



      
   
 





 


على مزاجي

الفيا نيجاتيفا يعني التخلص من غير الضروري

سحب رمادية تتجمع وتتكثف مالئة رأسي بلونها الداكن. أحمل الثقل وأتمنى هطول الدمع. المدينة لم تعد مدينتي والزمان لم يعد زماني. تجذبني مساحة الصمت فأجدني في عنفوان التوتر. ألوذ بغرفتي،معادل الرحم، لأكون بداخلها الجنين الذي لايرغب في الميلاد توقا إلى النكوص نحو قبل البداية محوا للحياة التي سجلتها في هذه الدنيا، لا! لست مناشدة للموت لكني أناشد المستحيل:  مناشدة ياليتني لم أكن لكن كينوني كانت فتخضع هامتي وأحمد الله مسلمة له وجهي ليغسله غفرانه.

"الفيا نيجاتيفا" مصطلح من المسرح الفقير يعني التخلص من غير الضروري، يعني الإقتصاد في الإحتياج، كبح الثرثرة، التحرر من الترف والسرف وسوقية التخمة، التخلص من الحمولة الزائدة والزحام الكاذب.

إلى الغرفة\الرحم يصعد ضجيج الشارع المتوحش، سيارات مارقة تكبح اندفاعها فجأة في صوت زئير هالع. يزداد توتري لصراخ بين النجاة أو الموت. لاأهرع للمشاهدة فما الجدوى مادمت لا أملك دفع الأذى؟

المدينة لم تعد مدينتي،
والزمان لم يعد زماني؛
لماذا إذن لا أغني اكتئابي وقد استسلمت لوميضه وكان المذاق شهيا؟

كل الحيل الإنسانية بدت لي محلولة الألغاز فكرهت فراستي وعرفت كيف تكمن السعادة في الغباء ولماذا يبدو البلهاء أكثر حكمة واستقرارا.

يستقر الصخب على أن الفتنة جوهرها الإرهاق، كما كان الإلحاح دوما جوهر الملل، وفي الصمت، حيث تلتئم الجراح، ينبثق ينبوع الخشية، أن تأتي الراحة عكس نتائجها ونراها:  الوجه الآخر للعنت فأين المفر؟

الحلم، الرؤيا، الكابوس؛ في قيعانها يصطدم الفرار محبطا ونقول:  "في اللاوعي انكبت الأنين، وقد سجنته الطحالب وأهالوا عليه الوقار!"، فأين مني بهجة في النواح تمتشــقها النفس اللاهثة؟

أي النوافذ تتسع لإطلالة رأس متورم؟
أي الشــرفات يمكن أن يدرج عليها الياسمين معتنقا الزنبق من دون مزاحمة اللبلاب؟
وأي الردهات تســتقبل آهات يكتمها القلب المتضخم؟
آـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ه!
ما أوجع بوحا أسكته سمت الصمت.

شيدي يارمال قصورك لأن الأحجار تنكفئ ورددي:
كل الزمان برهة!
فأين مني لحظة في "البرهة" أعظ بها نفسي:
"لا تفرحي".
"لا تحزني".
"اهدئي في التأرجح" حتى يغلبنا الوسن الحتمي!


السبت، 27 نوفمبر 2010

من سجل المقاومة

فتحي الشقاقي خطا نحو الاستشهاد: أعلى قمم الشعر

  15 سنة مرت علي استشهاد الدكتور فتحي الشقاقي ، مؤسس حركة الجهاد الاسلامي المقاومة على أرض فلسطين . ففي يوم الخميس 26 اكتوبر 1995، الموافق 2 جمادي الثاني 1416، ظهرا ، تم تنفيذ قرار اسحق رابين ، 73 سنة ، بقتل فتحي الشقاقي ، 44 سنة ، تحت إشراف رئيس الموساد ، وكان هناك ثلاثة اختيارات للتنفيذ، فوافق رابين على واحد منها . جاء هذا القرار بالقتل والتنفيذ قبل وأثناء وبعد أن وقف اسحق رابين في واشنطن يتعهد أمام العالم بالسلام ، يوم الخميس 28 سبتمبر 1995، ويقول : كفانا دماء ودموعا ، كفانا!.

بين يوم الخميس 28 سبتمبر 1995 والخميس 26 اكتوبر 1995 أثبت رابين أن احترامه للعهد لا يمكن أن يصمد ولو لشهر واحد . ولم يكن في نكث رابين لعهده بعدم القتل أي غرابة ، فإذا لم يكن مجرم حرب ومجرم سلام مثل اسحق رابين واحدا من الذين قصدهم القرآن الكريم بقوله : «الذين ظلموا من أهل الكتاب »، فمن يكون؟

وحين خفقت قلوبنا في جدلية بين ألم لفقدان قمر من أقمار المقاومة الفلسطينية ، وبين فرح لفوز جندي مرابط بالشهادة في سبيل الله ، يعرف أن أجره الفوري أن يظل حيا مرزوقا عند الله ، وقف اسحق رابين يقول بفظاظة الشامتين ودمامة الخنازير والقردة : «إنني غير آسف لموت الشقاقي والحياة أفضل بدونه» . وكان الباطل مع رابين . ونشرت الصحف صورا عديدة للمجاهد الشهيد ، وقارنت نظرته الفتية الصبوحة في عينيه الباسمتين ، المعقودتين علي إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة ، وبين نظرة الالتواء والحقد والشراسة في عيني رابين المتجهمتين الشيطانيتين ، وفيهما طالعت السجل الحافل لمجرم عتيد اسمه اسحق رابين .

في يوم الأربعاء أول نوفمبر 1995، ليلة ذكرى وعد بلفور المشؤوم عام 1917، كانت جنازة الشهيد فتحي عبد العزيز الشقاقي ، وتم دفن الشهيد ابن فلسطين قرب دمشق ، لأن سلطات الاحتلال الصهيوني منعته من الدفن في مسقط رأسه بفلسطين المحتلة .

في مساء السبت 4 نوفمبر 1995 شاء الله سبحانه وتعالى أن يقتل إيجال عمير الصهيوني المتعصب إسحق رابين ، وأن يعلن : «أنا غير نادم ، وقد نفذت أمر الله ! »، وهكذا في أقل من أسبوع ارتدت الكلمة الحاقدة لرابين حين قال : "أنا غير آسف"، عند قتله شهيدنا فتحي الشقاقي ، لتعود إلى نحره : "أنا غير نادم" ، يقولها عند مقتله قاتله من أهله! .

يوم قرأت نبأ استشهاده في مالطا ، أذاعوا اسمه فتحي الشقاقي ، وحين تأملت صورته بدت غير مألوفة لدي ، فقد كان لا يزال في مخيلتي يوم رأيته آخر مرة في القاهرة ، صيف 1981، وكان اسمه لا يزال على لساني : عز الدين الفارس ، كما قدم نفسه إلي حينما كان يكوّن : مركز أبحاث مجلة المختار الإسلامي ، ويكتب ويوقع باسم عز الدين الفارس ، تيمنا باسم الشهيد البطل عز الدين القسام . وقتها كان ينهي دراسته بكلية الطب جامعة الزقازيق ويخطو نحو الثلاثين من عمره ، في وجهه البشاشة ، وللأمل مفتوح الذراعين ، وللحلم يرنو بنظرته . يحمل أوراق شعر وكلمات نثر مفعمة بالجمال ، يستخدم "فيما" كثيرا وتعجبني في مواقعها . يشرح التاريخ ، ويعرض الكتب فتبزغ لها رؤى لم يكن يلتفت إليها أحد ، ويقدم الدراسات لتثقيف الوعي لنفهم لماذا يحدث لنا ما يحدث . كان رأيه أننا نحصد ثمارا مرة لأخطاء أناس جرفهم أخطبوط التغريب فأنساهم أنفسهم ، حين أداروا ظهورهم لمنهج الله وساروا مع مصالح العدو ، ثم ماتوا . وكان يرى الإبقاء علي جذوة المقاومة مستمرة ، وإن كانت خافتة لا يهم لأنها ستقوى باصرار الروح المنتصرة الطاردة للانهزامية والخنوع والتثبيط . النصر من عند الله ، فليس علينا أن نتوقع رؤية النصر بأعيننا ، فالمقاومة ، وعدم اليأس منها ، نصر في ذاته .

يكفي أن نغرس الشجرة ونحميها لتنمو وستجني الأجيال القادمة الثمرة الطيبة بديلا عن الثمار المرة التي ورثناها نحن .

أعجبته كلمة للإمام علي بن أبي طالب : «نِعم الحارس الأجل »، قالها ، كرم الله وجهه ، عندما نصحوه باتخاذ احتياطات ضد المتربصين به ، فتحرر الشهيد منذ البداية من كل خوف ليتحرك خفيفا طائرا بجناحين : الشعر والأمل في الشهادة .

شاعرا كان ، من قمة رأسه حتى أخمص قدميه . كتب الشعر وقال به ، فيما قال : «تلفظني القدس إن كنت نسيت ، تلفظني الفاء ، تلفظني اللام ، تلفظني السين ، تلفظني الطاء ، تلفظني الياء ، تلفظني النون ، تلفظني كل حروفك يا فلسطين ، تلفظني كل حروفك يا وطني المغبون : إن كنت غفرت أو كنت نسيت »، لكنه وجد الكتابة لا تكفي ، فجعل الشعر الشهيق والزفير والقيام والقعود والحركة والخطو نحو أعلى قمم الشعر : الاستشهاد . في دراسة له نشرها بمجلة «المختار الاسلامي» القاهرية ، ابريل 1981، كتب يقول : "اليوم والمسلم يقف مغلوبا مجردا من القوة المادية لا يفارقه شعوره أنه الأعلى .. فهو يستشهد ، ويغادر إلى الجنة ... إن حكمة الله هي التي قررت أن تقف العقيدة مجردة من كل زينة وطلاء وإغراء ليقبل عليها من يقبل وهو على يقين من نفسه، فهو يعرف أنه اختار الجهد والمشقة والجهاد والاستشهاد".

لقد كان فتحي الشقاقي حقا عزا للدين وفارسا ، ويظل أكلة الأكباد ، على كر الأزمنة ، فرحين دائما بمقتل حمزة ، كلما مرت بالمسلمين أُحُد . لكن أيام المسلمين تعرف معرفة اليقين أنه لا بد من نصر الله . هذا هو الحتم الذي نؤمن به لأنه ليس الحتمية التاريخية التي يقول بها الماركسيون ، بل هي حتمية وعد الله ، الذي لا يخلف وعده ، للمرابطين دفاعا عن ثغور الاسلام ، «والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون» . الشورى الآية 39 .





    

الجمعة، 26 نوفمبر 2010

الزيارة المشؤومة


     

 كانت زيارة أنور السادات إلى الكيان الصهيوني، نوفمبر 1977، بناء على قرار بدا لنا كفكرة خطرت فجأة في ذهنه وأعجبه أن ينفذها ليشهق أمامها الجميع رفضا أو إعجابا. وبالفعل فقد شهقنا وقتها جميعا، ومعنا هؤلاء الذين رحبوا بها وأيدوها والتفوا حول السادات يبتسمون معه في عصبية بادية لم تستطع أن تداريها القفشات الصاخبة بتلقائيتها المفتعلة.

والآن بعد كل هذه السنوات من الزيارة، التي سمتها الأغلبية العربية والإسلامية الرافضة لها: «الزيارة المشؤومة»، نتساءل، بعيدا عن شهيق الصدمة وزفير الغضب، هل كنا على خطأ، نحن الذين رأينا السادات بزيارته تلك قد أحرق أقوى ورقة كانت بيدنا في زمن استرخائنا العسكري الذي أعقب انتصارنا في 6/10/1973، وأقصد بها ورقة المقاطعة ضد الكيان المغتصب للأرض الفلسطينية، المقاطعة التي كانت تحرمها من معاملات وتحركات حرة أصبحت تملكها الآن بشرعية ناتجة من زيارة السادات نوفمبر 1977 وألزمتنا بها اتفاقيات كامب ديفيد وما تفرع منها بعد ذلك؟

هل كان السادات، كما ظنناه، ارتجاليا في زيارته أم أنه كان، في الحقيقة، إنما يميط اللثام عن واقع مرير تم إخفاؤه عن الشعب وعن الأمة منذ قبول عبد الناصر لقرار 242 عام 1967، بعد هزيمته مباشرة في 5 يونيو، ذلك القرار الذي ينص على «حدود آمنة معترف بها لإسرائيل؟»، هل كانت زيارة السادات للكيان الصهيوني «بداية» لاعتراف بالدولة الصهيونية أم كانت خطوة «نهاية» لقرار تم الاتفاق عليه واعتماده منذ وقت طويل، وتتويجا بإعلان حفل الزفاف بعد مشاوير وزيارات متكتمة لإجراءات الخطبة وعقد القران منذ قبول عبد الناصر لقرار 242 الذي غطاه بشعارات استهلاكية مثل «ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة؟» بل لعل من حقنا أن نتساءل هل كانت 5/6/1967 هزيمة أم خطة نفذها عملاء لدحر مصر وإرغامها على الاستسلام  للوجود الصهيوني؟

إن الجيل الذي أنتمي إليه، ذلك الذي عاصر هزيمة الجيوش العربية في فلسطين عام 1948، وعاصر الرفض القاطع لقرار التقسيم، وعاصر الفوران الشعبي المطالب باستعادة «الأرض السليبة»، ورأى في قيام حركة الجيش 23/7/1952 الخطوة الأولى نحو تحقيق ذلك الهدف المقدس «تحرير فلسطين»، هذا الجيل الذي أنتمي إليه، حتى مع معاصرته لهزيمة يونيو التي صرخ فيها مع شعرائه «لشد ما أنا مهان»، لا يستطيع أن يتنازل مطلقا عما يعرف أنه الحق الواضح والحل الوحيد والذي هو بصريح العبارة: تحرير كامل التراب الفلسطيني واستعادة الجولان وتأمين سيناء وتطهير الجنوب اللبناني من كل الاعتداءات الصهيونية.

هذا التفكير وحده، هو المطلب الواجب الذي يجب أن يواجه الوحشية الصهيونية المتطرفة التي تحرض على إبادة الفلسطينيين باعتبارهم «العماليق» المطلوب استباحتهم وفقا لفتاوى كهنتهم تحقيقا لمزاعمهم عن العلامات الكبرى ليوم القيامة ونهاية العالم.

نحن، الذين رفضنا زيارة السادات المشؤومة نوفمبر 1977، ورفضنا من قبلها قرار 242، ومن بعدها اتفاقيات كامب ديفيد ومسلسلاتها، نؤمن باستحالة استمرار الوجود الصهيوني على أرضنا الفلسطينية ومنطقتنا العربية. أما الإجابة عن ماذا نفعل بهؤلاء الذين ولدوا على أرض فلسطين في زمن احتلالها الصهيوني فهي، بوسعهم، بالأدب وحسن السير والسلوك أن يعيشوا مواطنين شرفاء يحملون مع العرب، أهل الأرض الأصليين، من مسلمين ومسيحيين، الجنسية الفلسطينية ويعيشون آمنين تحت راية سلام حقيقي يكفل للمسلم وللمسيحي واليهودي حق التمتع بممارسة شعائر عبادته في الأماكن المقدسة على الأرض المباركة بعيدا عن ادعاءات الصهيونية وأساطيرها المختلقة التي سوغت، على مدى 62 سنة، لعصابات أجنبية إرهابية ترويع وسفك دماء واقتلاع شعب بأكمله واغتصاب أرضه العربية الفلسطينية التي هي كبد الأمة الإسلامية.



الخميس، 25 نوفمبر 2010

25 نوفمبر 1981

تماما في مثل هذا اليوم، 25 نوفمبر 1981 حدثت المعجزة التي بدت لي مثل لحظة خروج سيدنا يونس من بطن الحوت ولحظة تعلق سيدنا يوسف بالدلو الذي أنزله بعض السيارة إلى البئرفأمسك به ليخرج من قاعه إلى النجاة من دون أن يكون له حول أو قوة.

في ذلك الأربعاء 25 نوفمبر 1981 كنت لاأزال نائمة في حبسي المنفرد بسجن القناطر للنساء ، الذي نقلوني إليه من العنبر الجماعي يوم الإثنين 5 أكتوبر 1981 بسبب مكيدة كادتها لي نوال السعداوي لدى ضابط مباحث أمن الدولة المقيم في مكتب مدير السجن ، رغم أنها كانت زميلة معتقلة ، ورغم أن الكيد لدى المباحث وإدارة السجن يعد من الكبائر ومن العار والشنار في أعراف المساجين، سواء منهم المعتقلون بسبب مايسمى جرائم الرأي أو الجنائيون بسبب سائر الجرائم غير السياسية . فتحت سجانتي باب زنزانتي قبل موعده ومعها المشرفة تقول : "هاتي حاجتك وتعالي ." سألت : "تحقيق؟" قالت : " لأ." قلت : " نقل ؟ " قالت : " لأ ". قلت : " إفراج ؟ " هزت رأسها بغموض : " والله ما أعرف ". كان الوقت مبكرا جدا على توقع أي زيارة من أي أحد . كنت مواصلة صيامي من ذي القعدة حتى وقفة عرفات 1401 ثم تابعته مع بداية المحرم 1402 حتى ذلك الصباح الذي كان يوافق 28 منه . كان الصيام يعطيني قوة وسلاما وإحساسا بأني أفر إلى الله وآوي إلى حمايته.

في غرفة مأمور السجن كانت هناك مجموعة من الضباط ، غير المأمور ونائبه ورئيس المنطقة ومباحث أمن الدولة ، وكانت هناك نوال السعداوي تقف متجهمة وعلى وجهها إرتسم الذعر وهلع التوجس . تبادلت معها التحية في فتور لأنني كنت لاأزال متقززة من وشايتها الكاذبة التي حاولت التقرب بها إلى ضابط المباحث على حسابى وما رأيته في فعلتها من بشاعة تلك الروح القادرة على المكيدة بالبهتان والتدبير الشرير. لا أحد يجيبنا : إلى أين أنتم ذاهبون بنا ، لاشئ سوى : " اتفضلوا معنا " ! خرجنا مع رهط الضباط من بوابة السجن الرمادية وكل الوجوه تغلفها الألغاز.

في سيارة الضباط جلسنا في المقعد الخلفي . مازلت أعاقب نوال السعداوي بالبرود والتجاهل وأنا أمسك لجام نفسي حتى لا أنفجر بالضحك، فهاهي نوال تعود إلي حركة أصابعها العصبية وتتوسل النظر إليّ تبحث عن خيط أمل يشجعها على مبادرتي بالكلام ، وأنا أقول في سري : لا بد أن تظل معاقبة حتى نستبين أمر ذلك المشوار الغامض الذي تندفع بنا إليه هذه السيارة ومجموعة الضباط ، وكان بينهم ضابط بدين يكتفي بابتسامة عريضة إجابة لتساؤلات نوال السعداوي التي يرتفع بها صوتها الطفولي كل لحظة مرتعش بالخوف ، والذعر يدور عينيها كمن يقترب من الهلاك ، حتى باغتتني دفعة
 واحدة : " صافي ناز.. فكرك هم واخدينا للإعدام ؟ " هنا انقطع مني اللجام
فانفجرت مقهقهة : " إعدام ؟ إزاي .. وليه ؟ " . كانت نوال مستغرقه في الهواجس التي سببتها الحكايات التي سمعناها في السجن عن كيف يأخذون المحكوم عليهن بالإعدام للتنفيذ من دون إخبارهن عن وجهتهن إلى أن يجدن أنفسهن أمام حبل المشنقة . رأيت أن أكتفي بقدر العقاب الذي قررته لها من بداية الرحلة فقلت : " اسمعي يانوال .. أنت عارفة حكاية سندريللا التي أخذوها من المطبخ إلى حفل الأمير ؟  أنا وأنت اثنتان سندريللا أخذونا من السجن وأكيد واخدينا على القصر الجمهوري نقابل الرئيس الجديد ! " . أشاحت بيدها : " جايبة التفاؤل ده منين ؟ " . ضحكت ولم تكن لدي إجابة ، فالحقيقة أنني كنت أقول أي كلام للتسلية ولم أكن أستند إلى أي تحليل فكري جاد أو رؤية منامية ملهمة .

مالبثنا حتى وجدنا السائق يتجه بنا إلى شارع العروبة ويتوقف أمام بوابة انتفض عندها الضابط البدين قائلا لنا : " أهلا وسهلا بكما في القصر الجمهوري لمقابلة السيد الرئيس ! " . فغرت فمي من الدهشة واستبد بنوال السعداوي الوجد وهي تهتف : " صافي ناز بشرفي إنك جينياس .. بشرفي إنك جينياس .. " ، ومعناها " أنت عبقرية .. أنت عبقرية ! "

في صالة انتظار قدوم الرئيس الجديد حسني مبارك تذكرت عائشة الفيشاوي المعتقلة التى انتزعوها من رضيعتها ، وتذكرت أمل عبد الفتاح إسماعيل ذات الثمانية عشر ربيعا ، العروس الحامل في أشهرها الأولى ، بسرعة كتبت ورقة أناشد الرئيس سرعة الإفراج عنهما ما دام باب الفرج قد تم فتحه . كان معنا 29 شخصية آتية من سجن الرجال ، على رأسهم السياسي العريق والمجاهد الوطني القدوة فتحي رضوان ، طالبوا بدورهم  بسرعة الإفراج عن المرضى والطاعنين في السن ممن شملتهم اعتقالات 3 \5 سبتمبر 1981 الحمقاء . أوضح لنا رئيس الجمهورية أن فكرة الإفراج المفاجئة نبعت منه شخصيا . وأنا أصافحه سلمته طلب الإفراج عن عائشة وأمل .

في اللقاء رفعت نوال السعداوي يدها وقالت بصوتها الطفولي إنها سهرت الليلة الماضية بطولها تكتب خطابا للرئيس لأن النوم جفاها . سألها الرئيس
 ضاحكا : " وماكانش جايلك نوم ليه يانوال ؟ " ، قالت بصوتها الطفولي الطريف : "كنت بردانة "! وانطلقنا جميعا بالضحك ، وكان هذا كل ما شاركت به نوال السعداوي في اللقاء ، وإن نسبت بعد ذلك لنفسها قول كلمات لم تقلها ومشاهد بطولية لم تحدث ، منتقصة من قيمة ماتم عرضه ، برجاء الإفراج ، من حالات المرضى وآلام أمل الحامل  وعائشة أم الرضيعة .

في التاكسي الذي ركبناه سويا أعطتني نوال خطابا تسلمته من أمل عبد الفتاح إسماعيل ، التي كانت معها في العنبر ، لترسله على عنوان أمها في محافظة دمياط قائلة : " أرسليه أنت !"  ، بادرتها : " ولماذا لاترسليه أنت مادمت قد تعهدت بارساله ؟ " ، قالت : " أصلي مش ح أعرف "! وخشية أن تمزقه أو تهمله أخذته وبطابع بريد أوصلت الأمانة إلى أهلها !


الأربعاء، 24 نوفمبر 2010

تصحيح مصطلحات هام للغاية

     
 في البداية أكرر توسلاتي إلى حضرات الجميع بعدم الخلط بين مصطلح "الحجاب" و"الخمار"؛ فالسائد الذي تلتزم به المرأة المسلمة الآن هو "الخمار" وليس "الحجاب"، تنفيذا للأمر القرآني الواضح في سورة النور آية رقم 31: بسم الله الرحمن الرحيم "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن.." إلى نهاية الآية الكريمة. وسورة النور تبدأ: "سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون"، صدق الله العظيم. أما ما ورد عن "الحجاب"، في الآية رقم 53 من سورة الأحزاب، فهو خاص بزوجات الرسول أمهات المؤمنين: "واذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، إن ذلك كان عند الله عظيما".

وبناء على هذا الفرق بين "الخمار" و"الحجاب" قال العلماء إن "الحجاب" ليس مفروضا على المرأة المسلمة لكنه خاص بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يعني الإسدال الكامل من الرأس حتى القدم واخفاء الوجه. لذلك نرجو عدم الخلط ،حتى لا تقع المغالطة، التي تشيع حاليا، فنطلق على من تظهر الوجه والكفين وتكتفي بغطاء الشعر أنها "محجبة" وهي في الحقيقة "مختمرة"، فتجد الأصوات الجاهلة أو المغرضة فرصتها لتعبث عبثها المؤذي للحق.

ومن ثمّ دعوني أكرر لمن هو جاد في البحث عن الحق:

 "الحجاب"، الذي هوغطاء للوجه مع سائر البدن، يقول أغلب العلماء، ومنهم الإمام محمد عبده، فرض على زوجات الرسول الكريم، ونافلة تطوع لمن تحب وتختار الاقتداء بهن، ومن تخلعه غير آثمة لأنه ليس «فرضا» عليها إذ أن المفروض عليها شرعا هو "الخمار"، وهو ملزم للمسلمة المؤمنة بنص الآية رقم 31 من سورة النور،  فالتخلي عنه معصية وإثم، ولا مجال فيه "للاختيار" وفقا للآية الكريمة رقم 36 من سورة الأحزاب: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا".

 وعلى المسلم الذي تضيق به السبل ويرغم في بلد ما على عصيان عقيدته، أن يذهب إلى مكان آخر يمارس فيه حريته الدينية الكاملة، اتباعا للآية الكريمة رقم 97 من سورة النساء: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا". واذا كان هناك احتجاج بمصالح مادية، فهناك وعد الله سبحانه وتعالى في الآية 28 من سورة التوبة: "وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم".

وأنا لا أدري ما هو الضرر الناتج من حقيقة أن غطاء الشعر كان موجودا من قديم الزمان ومطلوبا أو مفروضا في عقائد اخرى؟ إن الإسلام يأمر بالصلاة والصيام والزكاة وكلها كانت مفروضة في عقائد سابقة، ويحرم الزنا والسرقة والقتل والكذب وشهادة الزور وأشياء اخرى كثيرة اشترك في تحريمها مع اليهودية والمسيحية، فما الضرر في ذلك؟ وما هو المنطق في رفض فريضة أمر بها الإسلام لمجرد أنها وردت في اليهودية والمسيحية أو عقائد اخرى؟ نحن نفهم شريعتنا من مصادرها الصحيحة وعلمائها الموثوق بعلمهم.

بقى أن أنوّه بخطأين سائدين في ساحات مناقشة "الحجاب" و"الخمار" ـ غطاء الشعر ـ وهما:

أولا: غير صحيح القول بأن المرأة المصرية واجهت الاحتلال البريطاني بخلع زيها الإسلامي. فالثابت تاريخيا بالصورة الموثقة، خروج الفتيات المصريات في مظاهرة في الثورة الوطنية سنة 1919 وهن يلبسن "الحبرة" بغطاء على الرأس وثوب طويل وبرقع أبيض يغطي الوجه. وسجل الشاعر حافظ ابراهيم هذا الأمر في قصيدته "مظاهرة النساء"، التي تم نشرها في منشورات وطنية، وتبدأ بقوله: "خرج الغواني يحتججن، ورحت أرقب جمعهن، فاذا بهن تخذن من سود الثياب شعارهن، فطلعن مثل كواكب، يسطعن في وسط الدّجِنّ". حتى يصل في نهاية القصيدة، يهزأ بالشجاعة الخائبة لجنود الاحتلال الانجليزي، الذين صوبوا البنادق والمدافع نحو المتظاهرات، فسقط منهن شهيدات: "فليهنأ الجيش الفخور بنصره وبكسرهن، فكأنما الألمان قد لبسوا البراقع بينهن".

وهذه القصيدة تؤكد خروج المصريات لابسات البراقع  بـ "الحجاب"، بمصطلحه الأصلى، وليس فقط "الخمار" لمواجهة الاحتلال. والثابت أن حتى قاسم أمين، لم يطالب في كتاباته إلا برفع "الحجاب" ـ وهو غطاء الوجه ـ وطالب بـ"السفور" ـ  وهو غطاء الشعر مع اظهار الوجه والكفين.

ثانيا: لا يجوز التوقف بعد القول "لا إكراه في الدين" من دون إكمال الآية الكريمة رقم 256 من سورة البقرة: "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم".

هناك "رشد" وهناك "غيّ"، والحرية هنا في الاختيار بين الحق والباطل، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ويتحمل مسؤولية الاختيار. و على رأي المثل العامي المصري: "إللي يروح في داهية مايتوهش"!



الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010

تحرشات اللادينية مستمرة

اللادينيون يكررون مغالطاتهم ولا يزهقون، رغبتهم مستمرة في التضارب بالبونية والبوكس تحت لافتات التحاور. من هذا الذي يمكن أن يتفرغ لمناقشة منطق يقول: غطاء شعر المرأة ليس فريضة بدليل أن بنات عالم الدين الفلاني كن عاريات الشعر؟ طيب لو أن واحدة من بنات ذلك العالم، أو غيره، تشرب الخمر فهل يجوز أن نستدل بهذا على إستحلال شرب الخمر؟

يارب نستدفع بك عنا هذه الأمّية المتقنعة بشهادات الدكتوراه!

الأحد، 21 نوفمبر 2010

من مختاراتي


رؤيا في يقظة أو منام


هي رؤيا وإن كنت لا أجزم هل كانت في صحو أو منام. كنت على جانبي الأيمن أقرأ ، كعادتي قبل النوم ، الآيات الخاتمة لسورة البقرة والتي أحفظها عن ظهر قلب. تشككت في ذاكرتي فقررت أن أراجعها على المصحف. لم يكن الضوء كافيا فمددت يدي أضئ المصباح القريب فلم يشتعل. جربت النجفة المدلاة من السقف فلم تضئ . تبينت أن السهارة مطفأة كذلك . أخذت المصحف معي من غرفة النوم متوجهة إلى البهو الذي أتركه مضاء حتى تعود إبنتى من عملها. رأيت رجلا ضخما أبيض أشعث يجلس  عند مائدة الطعام ، تساءلت كيف دخل البيت ؟ ثم ساورني خاطر أنه غير بشري . ترددت في إكمال توجهي  ولكني واصلت بعزيمة: من أي شئ أخاف ؟ حينما بلغت المكان كان الرجل قد إختفى . فتحت المصحف تحت الإضاءة فهالني وجود شبكة تغطي عن عيني الحروف وتمنعني من تبين الآيات الكريمة التي أنشدها وأعرف مكانها على الصفحة اليمنى، وإن لمعت أمامي في منتصف الصفحة اليسرى كلمة "المؤمنون". قلت لنفسي ولكني أريد سورة "البقرة". إنتبهت إلى طبق فاكهة كبير موجود على سطح رخام "البوفيه" ، مليئ بكمية وفيرة من فاكهة متنوعة ضخمة يبرز منها تفاح بلون الياقوت الأحمر في حجم الكانتالوب . ماهذه الفاكهة ؟ ومن أين جاءت ؟ بسرعة صحت لنفسي : هذه فاكهة شيطانية! عندها لم أتردد في فتح باب الخروج ورحت أقذف بالفاكهة خارج البيت ، الواحدة تلو الأخري ، لم أستبق منها شيئا حتى ثمرة المانجو الخضراء، التي كان من الممكن أن تغريني ، رميت بها على طول ذراعي وأنا أسب وألعن الرجل المختفي غير البشري والذي ظننت أنه جالب تلك الفاكهة الشيطانية ، من عنف إنفعالي تنبهت إلى أني في سريري على جانبي الأيمن أقرأ الآيات الخاتمة لسورة البقرة بيسر وسلامة ، عن ظهر قلب ، والإضاءة موجودة من المصباح القريب والمدلى من السقف ومن السهارة . " كله تمام الحمد لله". نهضت ومشيت إلى غرفة مكتبي ومعي المصحف أقرأ منه سورة " البقرة " كاملة وبعدها سورة "المؤمنون" وطالعتني ، في منتصف الصفحة اليسرى، الآيتان الكريمتان رقم 97 و98 "وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون"، صدق الله العظيم.

السبت، 20 نوفمبر 2010

نهضة الكاريكاتير


شكرا لنهضة الكاريكاتير العربية على يد فرسانها الجدد في مصر والوطن العربي كافة؛ الذين يملؤون الساحة الصحفية بالعزاء في لحظات احتياجنا المُلِح للمواساة، ويؤسفني أنني لا أستطيع أن أخص بالذكر أحدا، فذاكرتي لاتستطيع أن تحصي أسماء كل من له الفضل في إبهاجي والتربيت على قلبي.

كاريكاتير الرأي، إن جاز لنا هذا المصطلح، يلخص ويكثف ويوجز رسالته؛ فما هو في حجم الفيل يصُُرُّه لنا في منديل، ويعدي به البحر من دون إبتلال لأنه في بطن فنانِه!

لاأدري ماذا كنت أفعل بالصحف من دون فناني كاريكاتيرها، كان هناك سؤال قديم من زمن بدايتي الصحفية عام 1955 هو: لماذا لا توجد رسامة كاركاتير؟ ووقتها أفتى من أفتى بأقوال عديدة لم يقنعني منطقها وإن ظلت الظاهرة قائمة رغم محاولات لبعض الفنانات لسد الخانة، إلا أن سد الخانة لم تكن هي المطلب، فبروز رسامة كاريكاتير كان يتوجب له توفر الندية الباهرة مع سائر المتألقين في هذا الفن الصعب، وهذا ماحققته حاليا في مصر رسومات فنانة شابة اسمها دعاء العدل.

في طفولتي كان بطلي الكاريكاتيري فنان أجنبي اسمه "بِرْني" يملأ إصدارات دار الهلال برسومات تضحكنا قبل قراءة تعليقها اللفظي، نعرفه من شخوصه من دون حاجة إلى توقيعه، وكنا في حياتنا اليومية حين نريد أن نحدد وصفا  تهكميا لبعض الناس نقول: "زي اللي بيرسمهم بِرْني!"، ومعه كنت أتابع شريط كاريكاتير الفنان رخا في الصفحة الأخيرة من أخبار اليوم منذ صدورها نوفمبر 1944، ولم أكتشف صاروخان إلا بعد أن إنضم إلى دار أخبار اليوم، بعدها إنهمرت علينا الولائم الكاريكاتيرية الفاخرة، "من أفكارنا بإيد أولادنا"، صناعة مصرية مئة بالمئة رائدها الفنان عبد السميع، ووراءه رهط بديع ازدهرت به مجلة صباح الخير، عندما كانت بحق للقلوب الشابة والعقول المتحررة من الركاكة والسماجة والتطاول والتجاوز بلا مبرر تحت قيادة أستاذنا المفتقد أحمد بهاء الدين عند إنشائها يناير 1956.

بصدور مجلة صباح الخير صار لفن الكاريكاتير المصري وطن نهرع إليه للإستجمام والإستشفاء على يد موهوبين في العلاج الطبيعي على رأسهم: صلاح جاهين وبهجت عثمان وحجازي وإيهاب شاكر وصلاح الليثي وغيرهم، بخطوطهم المختلفة وزواياهم المتعددة وتنافسهم الصِحي، يملؤون  صدورنا بالضحك المنقذ من الضلال في متاهات الإلتباسات السياسية المصاحبة لنا عبر العهود والسنوات؛ ومازلت لاأنسى لحجازي لقطته في مواجهة المستهينين بمقاومة الشعب الفيتنامي ضد العدوان الأمريكي في الستينيات عندما صور جالستين على طبلية تنقشان كحك العيد وتقول واحدة منهما غامزة للأخري متباهية باستعلاء واستنكار: "بقى هُمّا في فيتنام يعرفوا ينقشوا كحك زينا؟"!

لاأنسى فضل الكاريكاتير عليْ أبدا فهو نعمة من نعم الله أبحث عنها ولو في أمريكا، وكنت قد وجدتها عندما كنت هناك في الستينيات لدى رسام أمريكي رائع اسمه "فايفر"، وآخر لا أذكر اسمه كان يقدم سلسلة "بينتس"، أي فول سوداني،  ويرمز عندهم إلى من لاعقل له ولافهم.

لاحظوا أني لم أنطق بعد كاريكاتير بكلمة "سياسي"، فالكاريكاتير في كل أحواله كذلك!







الجمعة، 19 نوفمبر 2010

الأستاذ الدكتور محمد فهمي حسين:لاجديد تحت بغي الظلم

حكاية ظلم قديم مهداة إلى د.محمد فهمي حسين؛ ليس لكي نقبل الظلم أو نتآلف معه ولكن لكي لانندهش فحسب


أحمد عبد السلام الكرداني
"حقبة من الزمان"، السيرة الذاتية للأستاذ الدكتور أحمد عبد السلام الكرداني ، كانت قد صدرت في سلسلة كتاب الهلال نوفمبر 1980 في طبعة رثة لاتليق بقيمة الكاتب والمحتوى بل والسلسلة الثقافية العريقة : "كتاب الهلال" ولا أدري ما هي تلك الظروف التي تسببت في ذلك التقصير. ماعلينا،كنت قد قرأت الكتاب منذ وقت صدوره البعيد و واساني في محنة التنكيل البايخ بي إذ عرفني أن "البواخة" طبع في مسئولي بلدنا الحبيبة ربما ميراثا عن عبقرية "بواخة" الإحتلال الإنجليزي المعروفة. لماذا استخدمت مفردة "بواخة"؟ لأنها المعبرة عن المكدرات التي لا لزوم لها.

عدت لقراءة الكتاب  و كأني أقرأه لأول مرة ، تبهجني تفاصيل الإنجازات التي  قام بها هذا العالم والتربوي الفاضل قافزا فوق كل العقبات التي تكالبت عليه من دون أن تفت في عضده، وهي عقبات لم يلقها في طريقه صغائر الناس بل،وللأسف، كبار عظام محترمون مثل طه حسين وأحمد لطفي السيد.

 محتويات الكتاب ،الذي لا تزيد صفحاته عن 186 صفحة من قطع كتاب الهلال الصغير، هي: النشأة الأولى، مراحل التعليم، لجنة التأليف و الترجمة و النشر، بعد التخرج، البعثة الأولى، البعثة الثانية، العمل بالمهندسخانة ثم بكلية العلوم، العمل في التفتيش، في نظارة المدارس الثانوية، في معهد التربية، في المراقبة العامة لتعليم البنات، في مراقبة الإحصاء، في الأرض الزراعية، مع الدكتور علي ابراهيم في الجامعة، مديرا عاما للتعليم ثم وكيلا للوزارة، الإحالة إلى المعاش، بعد الإحالة إلى المعاش، رأيي في التعليم.

في النشأة نعرف أنه ولد في دمياط 25/12/1893. و تعلم في الكتاب ثم انتقل إلى التعليم الإبتدائي و من بعده الثانوي ثم المعلمين العليا التي تخرج فيها عام 1914 سافر بعدها عام 1916 في بعثة دراسية إلى إنجلترا لدراسة ديناميكا الهواء التي تابع دراستها بعد ذلك بقسم الطيران بالكلية الملكية الذي يشتمل على دراسات عليا لجميع فروع العلوم المتصلة بالطيران ومنها ديناميكا الهواء، وبعد حصوله على الدكتوراه في هندسة الطيران وعودته إلى مصر أخذ مكانه ،هو و زميله د. أبو زهرة، للعمل في المهندسخانة آملا أن تخطو مصر بعلمهما نحو إعداد مشروع لسلاح طيران مصري، و في هذا يقول :" كنت قد اتفقت مع ... رئيس هيئة الخدمة العامة بالجامعة الأمريكية على إلقاء أول سلسلة محاضرات تلقى بقاعة إيوارت عن الطيران....وكان الإقبال عليها عظيما جدا .......وكانت هذه المحاضرات نواة لأول كتاب صدر باللغة العربية عن الطيران سميته (بسائط الطيران) ونشرته لجنة التأليف و الترجمة و النشر سنة 1925.....وبمناسبة المحاضرات وظهور الكتاب .....لفتت السلسلة و الكتاب أنظار الحكومة فاستدعتني وكلفتني في إبداء رأيي في المشروع الذى أعده الميجر لنج، (وهو الضابط الإنجليزي الذي كانت الوزارة برئاسة سعد زغلول باشا قد عينته مستشارا لشئون الطيران وألحقته بوزارة المواصلات، وكان وزيرها مصطفى النحاس، وكلفته بإعداد مشروع سلاح طيران مصري)،فقمت بفحصه ودونت ملاحظاتي عنه وما رأيته من تعديلات فيه و قدمته للوزارة ، وكانت التعديلات التي أدخلتها على المشروع تجعله سلاحا وطنيا  قابلا للنمو مع الزمن ........".


في سياق مشواره الصعب لخدمة وطنه يذكر الدكتور الكرداني ص 80:" لما تبين لي أنا و زميلي أبو زهرة أن مساعينا لإنشاء قسم طيران في الكلية (كلية الهندسة) نتولى التدريس فيه باءت بالفشل، بسبب معارضة السلطات البريطانية، آثرت الإنتقال إلى كلية العلوم في عام 1926، ولكني لم أمكث فيها طويلا بل تركتها نهاية العام الدراسي وكان ذلك لخلاف نشأ بيني و بين الإدارة ، لعدم تدبير كرسي أستاذية للرياضة التطبيقية بجانب كرسي أستاذية الرياضة البحتة المخصص  للدكتور مشرفة باشا، ورأى مدير الجامعة أحمد لطفي السيد باشا حسم الأمر، بالإتفاق مع علي الشمسي باشا وزير المعارف ، على نقلي إلى وزارته من 1\9\1926."

 في 4\9\1941 تم نقل الدكتور الكرداني إالى المراقبة العامة لتعليم البنات غير أن صداما بينه وبين الدكتور طه حسين تسبب عام 1944  في نقله إلى مراقبه وهمية (مراقبة الإحصاء) بغرض تجميده  ولكن الدكتور الكرداني أخذ الأمر مأخذ الجد وشمر ساعده للعمل :" استخرت الله وانكببت أنا و الرفاق الذين اخترتهم للعمل على وضع برنامج إحصائي شامل دقيق لو استمر تنفيذه بعد تركي لهذه المراقبة لكان لدى الوزارة مجموعة قيمة من الإحصاءات التي تعين الذين يقومون على التخطيط لمستقبل التعليم في مصر على تنفيذ مهمتهم على أكمل وجه، ولكن المراقبة ألغيت تقريبا بمجرد تركي لها......".

توالت الضربات على العالم الجليل، بما يتعذر علي سردها كلها ليس بسبب المساحة فحسب بل بسبب وجع قلبى، حتى وضعوا له الأمر على بلاطة:"......أوفد إلي مجلس الوزراء صديقي الدكتور محمد صلاح الدين وزير الخارجية  يعرض علي قبول الإحالة إلى المعاش على أن يصرف لي الفرق بين قيمته و قيمة مرتبي عن المدة الباقية لبلوغي الستين ، وهي نحو أربع سنوات، وكنت قد تعبت وسئمت العمل بعد كل تلك الصدمات والعواصف فقبلت العرض وأحلت إلى المعاش في 5\3\1950."

عاش الدكتور أحمد عبد السلام الكرداني عمرا مديدا تخطى التسعين وظل الى النهاية نشطا كريما في إسداء النصح وتقديم التوصيات!

أرسل اليه الدكتور مصطفى كمال حلمي 25/12/1979 هذه الرسالة: " السيد الدكتور أحمد عبد السلام الكرداني، وكيل وزارة المعارف سابقا ، تحية طيبة وبعد ، فإيماء إلى كتاب سيادتكم بشأن الرأي في مضمون ورقة العمل التي أعدتها وزارة التعليم حول تطوير و تحديث التعليم في مصر ، أرجو أن تتقبلوا خالص شكري و تحياتي لما أبديتموه من آراء ومقترحات قيمة وسوف تأخذ اللجان المختصة ما ورد في كتاب سيادتكم بكل الإعتبار والتقدير.التوقيع دكتورمصطفى كمال حلمي، وزير التعليم والبحث العلمي."

ألا ترون؟

لا جديد تحت شمس مصرنا المحروســـــــــــــــــــــــــــــــــة!




المزيد من مقالات القوصي




نحن بحاجة إلي فهم المعتزلة‏(2‏ ـ‏2)‏
بقلم: د.محمد عبدالفضيل القوصى

لايستطيع منصف‏..‏ مهما يكن مدي اختلاف موقعه الفكري عن مذهب المعتزلة أصولا أو فروعا ــ أن يغمطهم حقهم من الإجلال والتقدير لحماستهم المتوقدة في الدفاع عن الإسلام دفاعا حارا.

 لم يستخدموا فيه سوي سلاح العقل‏,‏ فمن طبائع الأمور أنه حين ينازل المرء خصما قوي الشكيمة أن يكون محكوما بالضرورة بطبيعة الأسلحة الملائمة التي تتيح له الظفر والغلبة‏,‏ فماذا يكون ذلك السلاح الذي يمكن المعتزلة من مجابهة الخصوم الذين لايعترفون بنصوص الشرع‏,‏ ولايقرون بشواهد النقل؟ ماذا يكون سوي سلاح العقل وحده؟

لقد حفظ لنا التاريخ الموثق أسماء عديد من الفرق الإلحادية المناوئة للإسلام‏,‏ والتي اضطلع المعتزلة ــ في بغداد والبصرة ــ بمنازلتها ودحض أفكارها‏,‏ ويكاد يعسر علي المرء إحصاء تلك الفرق‏,‏ فمن الدهرية إلي المجوسية إلي اليهودية‏,‏ إلي الزنادقة‏,‏ إلي المنانية إلي غير ذلك من الفرق التي اندثر بعضها‏,‏ وذاب بعضها في بعض‏,‏ ثم بقي مابقي منها ثاويا في بطون المصادر‏,‏ وغياهب المخطوطات‏.‏

في هذا المناخ الفكري المحتدم تبلور ــ في الوسط الاعتزالي ــ مبدأ التحسين والتقبيح العقليين‏,‏ وفي البؤرة من اهتمام واضعيه ــ هدف محدد يجابهون به تلك الموجات العارمة من الإلحاد‏,‏ بمختلف اتجاهاته وصنوفه‏,‏ التي تبغي أن تنال من الإسلام منالا‏,‏ ألا وهو بيان أن ما يتضمنه الإسلام ــ من عقائد وشرائع ــ وأوامر وضوابط فإنما هي أمور يحكم العقل السليم المجرد عن كل المؤثرات‏:‏ بحسنها المطلق‏,‏ وأن ما نهي الإسلام عنه‏:‏ فإنما هي أمور ــ يحكم العقل الخالص وحده بقبحها المطلق‏,‏ بحيث أننا لو افترضنا جدلا أنه لم يأت من الله تعالي شرع‏:‏ لحكم العقل بمفرده بنفس ماقضي به الشرع حسنا أو قبحا‏,‏ أمرا أو نهيا‏,‏ ومن ثم فإن الشرع حين أمر بشيء فقد كشف عما ينطوي عليه من وجوه الحسن‏,‏ وحين نهي عن شيء فإنما كشف عما يتضمنه من وجوه القبح‏!

فماذا يعكس هذا الموقف الإعتزالي المبدئي إلا ضربا عميقا من الثقة المطلقة بحسن أوامر الشرع‏,‏ وقبح نواهيه؟ كما أنه يعكس ــ في الآن ذاته ــ برهانا ناصعا علي شمول صلاحية الشرع للبشر جميعا ــ مهما اختلفت أزمنتهم وأمكنتهم‏,‏ لأنه ــ أعني الشرع ــ لم يحكم إلا بما يقتضيه العقل الذي هو القاسم المشترك للوعي البشري علي اختلاف الأزمنة والأمكنة؟

منطق المذهب الاعتزالي‏,‏ وأقوال مفكريه إذن ناطقة بأن الشرع بأوامره ونواهيه‏,‏ وسلامة منهجه‏,‏ وصلاحية توجيهاته‏:‏ مطابق تماما لحكم العقل ذاته‏,‏ فلولا أن الفعل المعين كالصلاة مثلا حسن في حد ذاته ــ كما يقول مفكر المعتزلة البارز‏(‏القاضي عبدالجبار في موسوعته المغني‏):‏ لما أمر الله تعالي به‏,‏ ولولا أن الفعل المعين ــ كعقوق الوالدين ــ قبيح في حد ذاته ــ لما نهي الله تعالي عنه‏).‏

وهكذا فهم المعتزلة وظيفة العقل المثلي‏,‏ إنه يكشف عن محاسن الشريعة‏(‏ بعد‏)‏ أن تبينت الشريعة‏,‏ واتضحت محاسنها‏,‏ وبرزت معالمها‏,‏ فيري فيها ذلك العقل من الخصائص والمحاسن مالو تجرد هذا العقل ذاته ونظر إليها في حياد كامل لرأي أنها جديرة بأن تكون كما حكم الشرع تماما‏:‏ حسنا أو قبحا‏,‏ فعلا أو تركا‏,‏ فبهذا المنطق الواضح يكون الرد المفحم علي أولئك الطاعنين في الإسلام الذين يود أحدهم لو أوقف موجة الإسلام العالمية عن الإنتشار بكل وسيلة‏,‏ حتي ولو كانت وسيلة الإدعاء والافتراء‏,‏ وتشويه صورته‏,‏ وتلويث صفحته‏!

بيد أن المعتزلة ــ البغداديين منهم والبصريين علي السواء ــ لم يدر بخلدهم البتة ــ كما يبدو ذلك بأدني تأمل ــ أن يكون دينهم هو دين العقل البديل عن الشرع‏,‏ ولا أن يكون دينهم هو دين العقل الناقض للشرع‏,‏ ولا أن يكون دينهم هو دين العقل الحاكم علي الشرع‏,‏ لم يكن شيئا من ذلك يدور بخلدهم حتي نبتت نابتة التنوير‏,‏ فإذا بهم يتخيلون في مذهب المعتزلة أشباه هذه الترهات‏,‏ دون أن يكلف أحدهم نفسه بمجرد قراءة عنوان أحد الفصول الضافية التي تتضمنها‏(‏ الموسوعة الاعتزالية الباذخة‏:‏المغني المجلد الخامس عشر‏)‏ للقاضي عبدالجبار‏(‏ إنه لايجوز أن تعرف أحوال المصالح السمعية باستدلال عقلي‏)‏ أو يكلف نفسه بمجرد النظرة العجلي لما ورد في نفس المجلد‏(‏كيف يدل العقل علي أن الصلاة بلاطهارة لاتكون عبادة‏,‏ ومع الطهارة تكون عبادة‏,‏ مع أن الحضور فيهما لايتغير‏)‏؟ أو يكلف نفسه بشيء من الإطلاع علي التراث الاعتزالي الوفير في علم أصول الفقه‏,‏ وهو العلم الذي يقبض بجمع اليدين علي أمهات مسائل الفقه الفرعية المتشعبة الأطراف؟

وفي الحق أن هذا المبدأ الاعتزالي الجاد في التحسين والتقبيح العقليين قد تعرض في دوائر الفكر الإسلامي الأخري إلي ضروب شتي من النقاش المتفاعل الذي ينبيء ــ طبقا لمقاييس المنهج العلمي الرصين ــ عن حيوية ذلك الفكر‏,‏ وخصوبته وثرائه‏,‏ واتساع نطاقه ورحابة أبعاده‏,‏ فكيف السبيل مثلا إلي أن تتجرد أحكام العقل ــ لو أخذت بمفردها ــ عن الذاتية والشخصانية‏,‏ وأن تنأي عن عوامل البيئة‏,‏ وبواعث الوراثة‏,‏ ومؤثرات التكوين الأسري والاجتماعي؟

ثم‏..‏ ألا ينزلق العقل أحيانا ــ حين يخضع لشيء من تلك المؤثرات ــ إلي استحسان بعض القبيح‏,‏ أو إلي استقباح بعض الحسن؟ ثم إنا إذا افترضنا إجماع العقول جميعا علي المحاسن العظمي‏,‏ واتفاقها علي استقباح النقائص الكبري فهل اتفقت تلك العقول علي تفاصيلها‏,‏ وجزئياتها وتطبيقاتها؟ وهل شقيت البشرية إلا بالاختلاف في التفاصيل‏,‏ وازدواجية معايير التفسير؟ وهو ما يجعل التآخي بين العقل والشرع ضرورة وجود‏,‏ وقضية مصير؟

وبرغم هذه المآخذ وغيرها مما يمكن أن يؤخذ علي كل فكر شديد الخصوبة‏,‏ عميق الثراء‏,‏ لكن يبقي للمعتزلة علي مدي التاريخ‏:‏ الفضل الأكبر في درء تلك الموجات الإلحادية العارمة التي جابهت الإسلام في عصر التلاقح الحضاري الخصب‏,‏ وفي التفاعل معها علي نحو مبهر‏,‏ وهذا هو الدرس الفعال الذي يجب أن تستبقيه الأمة دوما في وعيها اليقظ‏,‏ لكن أمرا واحدا يجب أن ينزه عنه فكر الاعتزال بعامة‏,‏ ومبدأ التحسين والتقبيح العقليين بخاصة‏,‏ وهو أن يكون ذلك الفكر ــ كما يزعم التنويريون ــ نقيضا للشرع‏,‏ أو بديلا عنه‏,‏ أو حكما عليه‏,‏ فذلك مالم يخطر للمعتزلة علي بال‏!