الجمعة، 26 نوفمبر 2010

الزيارة المشؤومة


     

 كانت زيارة أنور السادات إلى الكيان الصهيوني، نوفمبر 1977، بناء على قرار بدا لنا كفكرة خطرت فجأة في ذهنه وأعجبه أن ينفذها ليشهق أمامها الجميع رفضا أو إعجابا. وبالفعل فقد شهقنا وقتها جميعا، ومعنا هؤلاء الذين رحبوا بها وأيدوها والتفوا حول السادات يبتسمون معه في عصبية بادية لم تستطع أن تداريها القفشات الصاخبة بتلقائيتها المفتعلة.

والآن بعد كل هذه السنوات من الزيارة، التي سمتها الأغلبية العربية والإسلامية الرافضة لها: «الزيارة المشؤومة»، نتساءل، بعيدا عن شهيق الصدمة وزفير الغضب، هل كنا على خطأ، نحن الذين رأينا السادات بزيارته تلك قد أحرق أقوى ورقة كانت بيدنا في زمن استرخائنا العسكري الذي أعقب انتصارنا في 6/10/1973، وأقصد بها ورقة المقاطعة ضد الكيان المغتصب للأرض الفلسطينية، المقاطعة التي كانت تحرمها من معاملات وتحركات حرة أصبحت تملكها الآن بشرعية ناتجة من زيارة السادات نوفمبر 1977 وألزمتنا بها اتفاقيات كامب ديفيد وما تفرع منها بعد ذلك؟

هل كان السادات، كما ظنناه، ارتجاليا في زيارته أم أنه كان، في الحقيقة، إنما يميط اللثام عن واقع مرير تم إخفاؤه عن الشعب وعن الأمة منذ قبول عبد الناصر لقرار 242 عام 1967، بعد هزيمته مباشرة في 5 يونيو، ذلك القرار الذي ينص على «حدود آمنة معترف بها لإسرائيل؟»، هل كانت زيارة السادات للكيان الصهيوني «بداية» لاعتراف بالدولة الصهيونية أم كانت خطوة «نهاية» لقرار تم الاتفاق عليه واعتماده منذ وقت طويل، وتتويجا بإعلان حفل الزفاف بعد مشاوير وزيارات متكتمة لإجراءات الخطبة وعقد القران منذ قبول عبد الناصر لقرار 242 الذي غطاه بشعارات استهلاكية مثل «ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة؟» بل لعل من حقنا أن نتساءل هل كانت 5/6/1967 هزيمة أم خطة نفذها عملاء لدحر مصر وإرغامها على الاستسلام  للوجود الصهيوني؟

إن الجيل الذي أنتمي إليه، ذلك الذي عاصر هزيمة الجيوش العربية في فلسطين عام 1948، وعاصر الرفض القاطع لقرار التقسيم، وعاصر الفوران الشعبي المطالب باستعادة «الأرض السليبة»، ورأى في قيام حركة الجيش 23/7/1952 الخطوة الأولى نحو تحقيق ذلك الهدف المقدس «تحرير فلسطين»، هذا الجيل الذي أنتمي إليه، حتى مع معاصرته لهزيمة يونيو التي صرخ فيها مع شعرائه «لشد ما أنا مهان»، لا يستطيع أن يتنازل مطلقا عما يعرف أنه الحق الواضح والحل الوحيد والذي هو بصريح العبارة: تحرير كامل التراب الفلسطيني واستعادة الجولان وتأمين سيناء وتطهير الجنوب اللبناني من كل الاعتداءات الصهيونية.

هذا التفكير وحده، هو المطلب الواجب الذي يجب أن يواجه الوحشية الصهيونية المتطرفة التي تحرض على إبادة الفلسطينيين باعتبارهم «العماليق» المطلوب استباحتهم وفقا لفتاوى كهنتهم تحقيقا لمزاعمهم عن العلامات الكبرى ليوم القيامة ونهاية العالم.

نحن، الذين رفضنا زيارة السادات المشؤومة نوفمبر 1977، ورفضنا من قبلها قرار 242، ومن بعدها اتفاقيات كامب ديفيد ومسلسلاتها، نؤمن باستحالة استمرار الوجود الصهيوني على أرضنا الفلسطينية ومنطقتنا العربية. أما الإجابة عن ماذا نفعل بهؤلاء الذين ولدوا على أرض فلسطين في زمن احتلالها الصهيوني فهي، بوسعهم، بالأدب وحسن السير والسلوك أن يعيشوا مواطنين شرفاء يحملون مع العرب، أهل الأرض الأصليين، من مسلمين ومسيحيين، الجنسية الفلسطينية ويعيشون آمنين تحت راية سلام حقيقي يكفل للمسلم وللمسيحي واليهودي حق التمتع بممارسة شعائر عبادته في الأماكن المقدسة على الأرض المباركة بعيدا عن ادعاءات الصهيونية وأساطيرها المختلقة التي سوغت، على مدى 62 سنة، لعصابات أجنبية إرهابية ترويع وسفك دماء واقتلاع شعب بأكمله واغتصاب أرضه العربية الفلسطينية التي هي كبد الأمة الإسلامية.



هناك 3 تعليقات:

  1. سيدتى الفاضلة تعبرين جيدا عما يجيش فى خاطرى فانا من جيل الهزيمة او جيل الهزائم ،لشد ما انا مهان ..بوركت دائما.

    ردحذف
  2. بسم الله الرحمن الرحيم

    بالطبع لم يكن قرار السادات عفويا والا فلما سبقه لقاء حسن التهامى وموشى ديان فى المغرب؟
    اما حل القضية الفلسطينية فلن يكون الا بزوال الكيان الصهيونى وطرد كل يهود الشتات من فلسطين لتعود ارض فلسطين للامة .

    ردحذف
  3. أستاذتنا صافى ناز .. لم تقدمى لنا رؤيتك لإجابة السؤال هل كان السادات إرتجاليا أم ... ؟ السؤال الأخر إذا كان السادات بالزيارة والمعاهدة قد دشن عهد الإستسلام و تنازل عن أوراق اللعبة بالكامل للعدو الصهيونى و لامريكا فكيف يمكن ان نصل إلى تحقيق الرؤية التى عرضتيها فى اخر المقال ؟؟ و قد إقترحهامن قبل الراحل عبد الوهاب المسيرى فى كتابه عن الصهيونية المنشور فى سلسلة عالم المعرفة ..
    إن الأجيال العربية الجديدة ما بين المشاكل المحلية و الظروف الدولية قد تم حصرها فى خانةاليك ..

    ردحذف