الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

على سبيل العناد تعرض الأوبرا اليوم أوبرا عايدة المهينة للشعب المصري، ونذكر بالمناسبة حكاية الشلة التي إحتفلت ببونابرت في ذكرى ثورة المصريين عليه: أكتوبر 1798!


احتفظت بقصاصة من «الشرق الأوسط» 2 أكتوبر 2008، تفيد بالاستفزاز التالي: «تقيم مصر وفرنسا احتفالية مشتركة بعنوان بونابرت ومصر»، ويتضمن الخبر تفصيلات وافية عن المشاركة المصرية الرسمية في هذه الخيبة القوية، التي بدأت 13 أكتوبر واستمرت إلى 29 مارس 2009 في باريس،  وتابعت ما نشرته جريدة الأهرام القاهرية 12/10 و13/10/2008، في لهجة مرحبة: «ساركوزي يرعى احتفالية بونابرت في مصر»، ومعها صورة لوحة، قالوا أنها نادرة، لبونابرت فوق ظهر جواد يرقب القاهرة من فوق المقطم! فيما أفاد الخبر صباح اليوم التالي مغادرة الوفد الرسمي برئاسة وزير الثقافة المصري وقتها فاروق حسني ود. زاهي حواس ود. اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية. وصرح فاروق حسني قبل مغادرته مطار القاهرة قائلا: «كانت حملة بونابرت على مصر عسكرية، لكن الجانب المضيء فيها يتمثل في أنها كانت إرهاصات مبكرة لنهضة مصر في عهد محمد علي، وشهدت تلك الفترة مرحلة جديدة من الثقافة والعلم والمعرفة..».

وبعد: أليس من العجيب هذا التلذذ بالمذلة الطوعية والخضوع الاختياري؟

اسمحوا لي بإنعاش ذاكرتكم قليلا ببعض ما جرى خلال تلك الحملة المشؤومة، التي رآها حضرة وزير الثقافة ذاك «إرهاصات مبكرة لنهضة مصر».

في 28 يونيو 1798 ـ الموافق لشهر المحرم 1213 ـ ضربت مدينة الإسكندرية بالهجوم البونابرتي، بادئا حملة احتلال استمر ثلاث سنوات و21 يوما، من 1798 حتى 1801، الموافق السبت 9 صفر 1213 حتى ليلة الجمعة 21 صفر 1216، كما يذكر الجبرتي في كتابه عجائب الآثار ج 2 ص 480. تصدى حاكم الإسكندرية، الشهيد محمد كريم، للعدوان في بطولة مثالية انتهت بالقبض عليه وإرساله مخفورا إلى نابليون بونابرت فحكم بإعدامه. ويروي المؤرخ العلامة الشيخ عبدالرحمن الجبرتي هذا الحدث قائلا: «.. فاشتد غيظهم عليه فارسلوا وأحضروه الى مصر (يعني القاهرة) وحبسوه، فتشفع فيه أرباب الديوان.. فحضر اليه مجلون وقال له: المطلوب منك كذا وكذا من المال، وذكر له قدرا يعجز عنه.. فلما أصبح أرسل الى المشايخ.. واستغاث وصار يقول: اشتروني يا مسلمين، وليس بيدهم ما يفتدونه به.. فلما كان قرب الظهر وقد انقضى الأجل أركبوه حمارا واحتاط به عدة من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة، ويقدمهم طبل يضربون عليه وشقوا به الصليبة إلى أن ذهبوا إلى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحا وضربوا عليه البنادق كعادتهم مع من يقتلونه، ثم قطعوا رأسه ورفعوه على نبوت وطافوا به بجهات الرميلة والمنادي يقول: هذا جزاء من يخالف الفرنسيس.. وانقضى امره، وذلك يوم الخميس خامس عشر ربيع الأول من سنة1213 هـ الموافق 6 سبتمبر 1798.
في كتابه المرجع: «.. ودخلت الخيل الأزهر «يهدي محمد جلال كشك صفحاته الى: «سليمان الحلبي بطل الوحدة العربية يوم كان طريقها عبر الأزهر»، والشهيد سليمان الحلبي هو قاتل المحتل كليبر، الذي تم إعدامه على الخازوق بيد الفرنسيين، ولقبه في فرنسا هو: الإرهابي!، في هذا الكتاب، مجلد 534 صفحة من القطع الكبير، نجد كل ما نبغيه لمعايشة بشاعة الغزو البربري الذي شنه حضرة بونابرت بحملته على مصر صيف 1798، مسحوبا بكل توتره وآلامه وغيظه إلى أحداث زماننا المروعة. يكتب جلال كشك مستنفرا للرد بالحجة والتفصيل على المنحنى الفكري الخطير للدكتور لويس عوض، القائد لأوركسترا تمجيد الحملة الفرنسية، واعتبارها «نقلة حضارية»، أو كما قال السيد فاروق حسني «إرهاصات مبكرة لنهضة مصر»، حققتها خيول السيد بونابرت يوم دهست الأزهر، يصفها الجبرتي شاهدا: «.. وبدأ ضرب الأزهر بالقنابل حوالي الظهر، واستمر الى المساء وأصدر بونابرت أمره إلى الجنرال بون بأن يبيد كل من في الجامع.. ودخلوا الجامع عنوة وهم راكبون الخيول، وبينهم المشاة كالوعول، وتفرقوا بصحنه ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع.. والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا وشربوا الشراب وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه، وكل من صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه.. » ـ الجبرتي ج 3، مأخوذ من «ودخلت الخيل الأزهر» ص 234.
تحت عنوان «نابليون والمهمة الحضارية «يقول جلال كشك: «رغم كل البيانات والمنشورات والتحليلات التي صاحبت وأعقبت الحملة الفرنسية.. فإن نابليون كان صريحا وواضحا في تحديد مهمته في مصر عندما قال: سأستعمر مصر.. »!

   تجرأ نابليون على إعدام العلماء المصريين، وأمر بتغليظ العقاب للقرى بصرامة وقسوة، لكن جبروت السفاح لم يمنع ثورة القاهرة الأولى في أكتوبر 1798 التي وصف جماهيرها المقاومين، رجالا ونساء من أولاد البلد، بالزعرنة والغوغائية والدهماء وأمر بقطع رؤوس جميع المسجونين وإلقاء جثثهم في النيل، وإعدام شيخ طائفة العميان.. ولا نهاية للأوجاع، وإذا كانت الحضارة والنهضة والتنوير هي احتلال بونابرت وغطرسته واستباحاته حرمات الناس والمساجد، ومن بعده محمد علي العسكري الأرناؤوطي، الذي لا يتفوق على استبداده إلا جهله، فانظروا أيها الناس الى أي داهية مازالت هذه الشلّة تريدنا أن ننجرف إليها.

> 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق