الخميس، 7 أكتوبر 2010

3 \ أكتوبر 1973

في اليوم التالي، الأحد 11 رمضان \ 7 أكتوبر، كانت الإنتصارات تتوضح وتتوالى في تصاعد، والخارجون من المعتقلات يشعرون أن إلحاحهم لشحذ الوعي والهمم للخطو نحو المعركة كان في محله، وأن ضغوط التذمر الشعبي قد آتت أكلها. تتصل بي طبيبتي الدكتورة نجلاء مصطفى لتخبرني أن مكاني في مستشفى دار الشفاء قد تم إلغاؤه لأن المستشفى محجوز بأكمله لطوارئ المعارك، تفاعل الفرح والمفاجأة والتوتر، ومشوار السير من ميدان طلعت حرب حتى الحسين يحقق المرغوب، وتبدأ طرقات الجنين تدق تعلن عن رغبته في الميلاد، وفي الساعة الرابعة فجر الإثنين 12 رمضان \ 8 أكتوبر 1973، ثالث فجر معارك التحرير تعلو صرخات وليدتي كأنها الهتاف وأسميها: "نوارة الإنتصار"؛ الاسم من اختراعي واقتراحي ولكن الناس تقول الآن عندما تسمعه: طبعا مش أبوها شاعر! ليلة واحدة في المستشفى الخاص على طاولة العمليات في أزمة طوارئ النصر، ما أن أتمالك نفسي، وماتزال بي أوجاع ما بعد الولادة حتى أمسك بالقلم لأكتب "غنائية" تحت إلحاح مشاعري وفرحي، وبتصوري أن النصر قد غسل من قلوب المصريين كل غل وكل حقد أرسل غنائيتي إلى رئيس تحرير المصوّر الأستاذ فكري أباظة، معتقدة بيقين أن عينيه ستدمعان وهو يؤشر عليها بالنشر حتما وفورا، ولم لا؟ أليس هذا الفرح حقنا نحن الذين لم ننس وجع الهزيمة لحظة؟ غير أن تفاؤلي بطيبة هؤلاء الناس ينهار وأذني على الهاتف يصفعها صوت فكري أباظة: متأسف يابنتي إنت عارفة التعليمات، وبعدين يوسف السباعي يفتكرني بتحداه...! لا أصدق فأجهش: يوسف السباعي إييييييييييييه ...إنت فكري أباظة بحاله ...هو ماله يوسف السباعي ومال دار الهلال ماخلاص خرج منها! يكرر فكري أباظة، طاويا تاريخه الصحفي والوطني والبرلماني المجيد، قوله بضعف واستكانة: معلهش والله ما أقدر أنشر لك شيئا...!
تأخذ منى أنيس "الغنائية" إلى نقابة الصحفيين لتنشرها في نشرة تصدرها النقابة، يتسلمها حسين عبد الرازق، بشهامة لا أنساها، ويتابعها لتظهر مع رسم جميل وإبراز صحفي يملأ الصفحة الأخيرة من النشرة، أمسح دموعي وأشعر بانشراح حين أكتشف أن قراء نشرة نقابة الصحفيين كانوا أكثر من قراء مجلة المصور المكبلة بتعليمات الحقد والغطرسة والإنحياز الظالم.

هناك تعليقان (2):

  1. حين قرأت هذا الكلام الجميل بكيت ، ترى هل يكيت على الايام الجميلة القليلةالتى كنا نشعر فيها يالعزة وراحت ،أم من ايام الهوان التى نمر بها الان، أم ترى بكيت على العمر الذى راح فى هزائم !!!
    تحياتى... وعيد ميلاد جميل لنوارة الامل المرتجى ،،فقد قررت انها لن تقيل تهنئة هذاالعام.

    ردحذف