الجمعة، 8 أكتوبر 2010

..وعادوا بأوبرا عايدة لنعود ونذكّر

مثل الحمى الموسمية تعود أخبار تلك التي يصرون على تسميتها أوبرا "عايدة" وهي في حقيقتها أوبرا "أييدا" غير العربية وغير المصرية وغير الفرعونية؛ فهي الجاسوسة عدوة مصر بنت أبيها ملك أثيوبيا القادم على رأس جيش لقتال مصر، فلا هي بنتنا ولا جدتنا ولا نعرفها ولا علاقة لها بأهراماتنا ولا بأمجادنا ولا ملابسنا الفرعونية، التي نوّه بها الخبر الذي وزعته دار الأوبرا المصرية أخيرا بما مفاده: أنها العرض التاريخي الذي يعود بعد ثماني سنوات في الهواء الطلق بين الأهرامات في جو محمل بعبق التاريخ المصري الفرعوني ، على حد تعبيرمخرج العرض الدكتور عبد المنعم كامل رئيس دار الأوبرا المصرية في بيانه الصحفي،و إن الأوبرا تقدمه لمدة أربعة أيام مساء 4 و 5 و 6 و10 من أكتوبر بالتزامن مع إحتفالات مصر بنصر أكتوبر! (ماشاء الله) وتقام العروض على مسرح قامت الأوبرا ببنائه خصيصا للمناسبة على مساحة 1600 متر مربع في ساحة الأهرامات بمدرجات مشاهدة تتسع لأربعة آلاف مشاهد، واعتبرالدكتور عبد المنعم كامل، مخرج العرض ومدير الأوبرا، أن أوبرا عايدة "تعد إحدى العلامات الفنية المصرية أمام العالم"، (هكذا ومؤلف الحكاية الفرنسي أجستو مارييت والموسيقي فيردي ، وقائد أوركسترا العرض المزمع إقامته هو المايسترو الإيطالي مارشيللو موتاديللي وكورال أكابيلا بقيادة ألدو مانياتو ومايا جيفينيريا!).


إنني والله عاجزة عن معرفة سر غرام مسؤلي الثقافة في مصر بأوبرا «آييدا»، التي تمجد قيم الخيانة والنذالة والخسة رغم شرحنا لمضمونها العديد من المرات ودعوتنا لمقاطعتها خضوعا لكرامة الشعب المصري وإحتراما لمشاعره إذ كيف يمكن التغافل عن أوبرا تقوم أساسا على خلق التعاطف مع قائد مصري يقع في حب إبنة ملك أجنبي من الأعداء ويسرب من خلالها أسرار جيشه في خيانة واضحة لبلاده و يصر عليها حتى لحظة موته بلا ندم؟.


دعوني أنعش ذاكرتكم وأحكي لكم بكل أمانة محتوى هذه الأوبرا التي تم تقديمها لأول مرة على خشبة مبنى الأوبرا الخديوية بالقاهرة 24/12/1871.


آييدا بنت ملك إثيوبيا، وحكايتها تبدأ بوقوعها في أسر المصريين الذين كانوا، في تلك المرحلة التاريخية، في حالة عداء وحرب مستمرة مع الإثيوبيين، تأخذها ابنة فرعون مصر إمنريس في خدمتها بين عبيدها. يقع الجندي المصري الشاب راداميس في غرام آييدا، كيف؟ ولماذا؟ لا نعرف، وتبادله آييدا الحب في الوقت الذي نعرف فيه حب إمنريس، ابنة فرعون، له. يقوم الكهنة بتكليف راداميس قيادة جيش الدفاع عن الأراضي المصرية، التي تم الاعتداء عليها من قبل الإثيوبيين. تغني له ابنة فرعون المحبة "عد منتصرا"، وتعرف آييدا أن والدها، ملك إثيوبيا، قادم على رأس الجيش الذي سيواجهه حبيبها راداميس فتغلب حبها لبلادها وأبيها، على حبها لـراداميس وتكرر أغنية "عد منتصرا" وفي نيتها نصر والدها ملك إثيوبيا، ونصرة بلادها التي تشتاق إليها. تكتشف ابنة فرعون علاقة الحب بين خادمتها آييدا وبين حبيبها راداميس، ومثل كل العاشقين تدب الغيرة في قلبها وتناصب غريمتها آييدا العداء ولكن ليس لدرجة الإيذاء. حين يعود راداميس محققا النصر لمصر يقرر فرعون مصر إكرامه بتزويجه ابنته، لكن راداميس قلبه متعلق بـآييدا التي تتعرف على والدها، ملك إثيوبيا، بين الأسرى الذين جلبهم راداميس حبيبها. يطلب ملك إثيوبيا الأسير من ابنته آييدا عدم الإعلان عن حقيقته الملكية ويؤكد لها أن المعركة مع المصريين لم تنته وأن حشودا إثيوبية مستعدة للتحرك، ويحثها على الهرب معه بعد أن تعرف من القائد المصري خط سير القوات المصرية. تخضع آييدا لمطلب والدها وتنجح في استدراج حبيبها، إلى فخ الإدلاء بالسر العسكري، ويتم تقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة ـ طبعا! ـ ويحكم عليه الكهنة بالدفن حيا حتى الموت. يأسف راداميس حين يعرف أن آييدا هربت مع والدها ملك الإثيوبيين من دون أن يراها ويودعها ـ (لاحظ منتهى الخسة والنذالة من قائد يفضل غرامه على حب البلاد التي مجدته وحملته الأمانة) ـ تتضرع ابنة فرعون إلى راداميس ليتزوجها لأنها تحبه وهي كفيلة بإنقاذ حياته، لكنه يؤكد أن الموت عنده أفضل من خيانة آييدا. ويهبط القائد الخائن الخسيس إلى قبو الموت، وإذا به يجد آييدا تنتظره لتموت معه، بعد مقتل أبيها الذي كان ينوي إذا نجح في الهرب إعادة الاعتداء على مصر في معركة جديدة. وتنتهي الأوبرا بلقاء العاشقين مرحبين بالموت معا بينما تكون ابنة فرعون فوق القبر تبكي الحبيب بلا طائل، ونجد النهاية الدرامية تمجد القائد المصرى الخائن وتوحده مع ابنة الأعداء آييدا، (فهل هذه هي القيمة المناسبة لتتزامن مع الإحتفالات بنصر أكتوبر؟).


أن يفتقد الموسيقار فردي الإيطالي، مؤلف الأوبرا، الحساسية تجاه مشاعر المصريين، وأن يقدمها للخديو فهذا مفهوم، لأن فردي لا تفرق معه إهانة المصريين لصالح أعدائهم، كما أن الخديو إسماعيل لم يكن يفهم الحكاية تماما، كما يبدو، فهو جاهل ومغرم عمياني بالفن الخواجاتي بالإضافة إلى أنه لم يشعر بالانتماء إلى التراث المصري القديم المليء بجو الفراعنة والكهان والمعابد؛ لكن يبقى السؤال: هل تفحص وزير الثقافة فاروق حسني دلالات القصة التي تدور حولها هذه الأوبرا التي يتحمس لها ويصر عليها ويسميها، ويا للعجب، "عايدة الهرم"؟ هل استوعب مخرج العرض جُمل الغناء والموسيقى المصاحبة وهي تنعي إلى المشاهدين مصرع العاشقين الخائنين لمصر لينفطر من أجلهما القلب؟ هل هذاجهل أم إستهبال أم إستهانة بتدفق السموم الثقافية التي تجعلنا نصفق لقاتلينا؟ كيف بكل هذا الحماس يصر هؤلاء الناس على هذا العدوان الثقافي المتمثل في أوبرا تمجد قيم الخيانة والنذالة والخسة وتقدمها لتتزامن مع إحتفالات البلاد بانتصار أكتوبر 1973؟

هناك 9 تعليقات:

  1. ولماذا لا يـُـقدم لنا الأخ السيد المحترم الفنان الوزير بالمرة فرقة أوبرا (تل أبيب) ذاتها بالمرة على مسرح الهرم فى ذكرى أكتوبر 2011 ؟

    يا سيد يا محترم ... - الكلمة دى فكرتنى بفيلم نعيمة عاكف - (تمر حنا) - وعبارة (يا سيد يا محترم) ما هم برضه من النوع ده ...

    ياسيد يا محترم فيه ناس فى مصر برضه بتفهم - وأدى الست صافيناز مرمطت بكرامة (عايدة-آييدا) الأرض وأظهرت المستخببى وراء قصة تلك الأوبرا - (وإن كان زمن ظهور تلك الأوبرا كان الزمن الرومانتيكى الأوروبى الذى كان يحفل ويحتفل بالعشق كقيمة أعلى من حب الوطن وكان - ومازال - أمراً مقبولاً لديهم أن العاشق ممكن يبيع أمه من أجل معشوقته - فكيف لنا به لا يبيع بلده ؟ وهذا الكلام طبعاً كان - ولا يزال - على قلب الأوربيين أحلى من العسل - لكنه ما يمشيش معانا من أصله ولا فصله الخسيس

    لكن ربما تكون هذه محاولة عبقرية نادرة من شيطان الإلهام والوحى الفنى لدى الأخ الفنان الوزير (بعد آخر مهازله - المستمرة منذ ربع قرن بنجاح شديد قبل اليونسكو وخشخاش فان جوخ و بعدهما - وبعد ما كان حلف - بالطلاق - من مين بالضبط ؟ - وبشرف أمه - إنه مش قاعد على قلبنا تانى بعد ما يخسر اليونسكو ولا حتى دقيقة واحدة يلم فيها فرشته - ثم قعد وحط رجل على رجل من تانى - وبفعل فاعل - والفاعل معروف وربنا يخلصنا منه على خير) - وتتلخص الفكرة العبقرية فى أن السيد المحترم يتوسط لنا لدى إثيوبيا يحيث إن احنا نفوت لهم مسألة الست الننوسة (آييدا) فى الهرم - وهما يفوتوا لنا الموضوع إياه فى المنيل - كذا - قصدى فى أديس أبابا - ثم إذا يعنى موضوع الوساطة ده مانفعش يقوم السيد المحترم يعزم سفير أرتريا بدلاً ما يعزم سفير إثيوبيا ع الحفلة - وربما فعلاً تكون هذه هى هلاوس الفكرة العبقرية الموجودة فى دماغ السيد المحترم واحنا - نظراً لأننا من غلابة العمرانية مش من الهرم - فلا يمكن أن نفهم المقاصد العالية والنبيلة لفن وأوبرات السيد المحترم فنان الشخابيط إللى القطة إللى كانت عندنا فى البيت وأنا عيل كانت بتعمل شخابيط أجدع منها بكتيير فى المطبخ والحمام - ودمتم

    ردحذف
  2. ((كما أن الخديو إسماعيل لم يكن يفهم الحكاية تماما، كما يبدو، فهو جاهل ومغرم عمياني بالفن الخواجاتي بالإضافة إلى أنه لم يشعر بالانتماء إلى التراث المصري القديم المليء بجو الفراعنة والكهان والمعابد؛)) وكذلك دعاه الثقافه في مصر هم كالخديوي تماما ياسيدتي يفتنون بكل ماهو غير مصري دون ان يفهموا عن ماذا يعبر شكرا لكي لم اكن مهتما بالاوبرا ولم اكن اعرف قصه عايده اعانك الله علي تعليمنا

    ردحذف
  3. اشعر دوما بانى اغرق فى بحر من الشجن بمجرد النظر الى عملة ورقية قد كتب عليها (الجمهورية العربية المتحدة),اخشى ان اقول اننى لم اعد انتمى الا لما هو بين يداى الغيب ,حينما تتمكن حوما الشجن من راسى لايبقا فى استطاعة العقل غيرالهذيان.
    على تلك المقاهى العتيقةاجلس فى هدوا واسترخا مستمتعا برائحة التاريخ وهى تعبق فى ارجا المكان.
    لحظات وتصطفينى الة الذمن لنبحرمعن عبر النوافذ والجدران والطاولات العتيقة.
    هنا بطبع جلس شاعر ماجد وهنالك غنا مطرب ما ربما كان سيد درويش اوكان الشيخ امام ولعل هنا وقف الامام ليخطب فى الناس وهوا فى حماس مبهر لعلهم يواذرونه فى بناء الجماعة الوليدة بينما فى الخارج غانية تقف متكى على الجدار وهى تشير الى جندى الاحتلال ربما تظفر منه بموعد غرامى.
    الان لم اعد اقوى على تجاهل مايدور خارج النوفذ من فوضة وعبث وجنون
    نعيق السيارات-صهيل الخيول
    صياح الباعة الجائلين-منادى السلطان
    يافطات تتدلا من فوق البنايات الساحرة الحزينة
    غيمة سوداة
    قبح فظيع لايفصل بينى وبينه غير بضعة امتار.
    احيا وفى داخلى صراع بين ذمانين منفصلين لا ادرى الى ايهما انتمى.
    سيدتى الجميلةمن ماداد كلماتك يتقاطر حولنا بعض من جمالك فلا تحرمينا ارجوكلعلنا نجد فيه شياء من ثلوة

    ردحذف
  4. أي شئ يأتي من أوروبا يبقي حلو حتي وأن لم يتوافق مع أعتقادتنا ولامع قيمنا
    نحن نعيش عصر انعدام الهوية الثقافية وهذه علامة واضحة لحالة التردي علي المستوي الثقافي

    ردحذف
  5. بسم الله الرحمن الرحيم

    اذا كان ارباب الثقافة فى مصر يعتبرون ان الحملة الفرنسية على مصر كانت نورا ودخول العثمانيين كان ظلاما واحتلالا وغزوا فما الغريب ان يعتبروا اوبرا اييدا الاحتفال الامثل بنصر اكتوبر؟

    ردحذف
  6. منذ طفولتى و انا اندهش بسبب قصة أوبرا عايدة ( بإعتبارها إسم أعجمى فلنا الحق فى تحوير النطق ) و مع الزمن إستسلمت و فكرت لعل فى الأوبرا أبعاد لا أستوعبها و لكن تجئ مقالتك لتؤكد ما شعرت به صغيرا !!!!
    السؤال الأخر و مع كل الإحترام للإبداع الأوربى و ما قدمه من فن حقيقى لا يمكن إنكاره ... و لكن لماذا نضع فنوننا الموسيقية و الأدبية فى مستوى أدنى ؟ بالإضافة إلى عدم تقديرنا لفنون الشعوب الأخرى الأفريقية و الأسيوية و حتى الكابوكى اليابانى لم يلق مننا إلا السخرية فى حين ان الأوبرا و حتى إن لم نتذوقها فنشعر ان علينا الإدعاء بالعكس حتى لا نظهر جهلنا !!!!!!

    ردحذف
  7. امي الحبيبه تسلم ايدك على الكتابه وبشكرك من قلبي يا غاليه سؤال يا امي الفاضله.. اذا عرف فاروق حسني بتفرق ؟؟ ولا عارف وبيستعبط بشده واصرار بكل الاحوال شكرا للمعلومات بكل صدق ما كنت اعرف اصل قصه اوبرا عايده تقبلي احترامي ومحبتي

    ردحذف
  8. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    اشكرك سيدتي الفاضلة على افادة من لا يعرف بقصة اوبرا آييدا ... شخصيا كانت الرواية بالنسبة لي مبهمة في بعض النقاط الا و هي كما تفضلتي و ذكرتي عن كيف و متى و لماذا احب راداميس آييدا

    و عن السيد الوزير الفنان كما يطلق عليه ... لا عجب في الا يبالي بالمعنى الحقيقي لعمل الاوبرا قرأت منذ يومين انه لا يرغب في ان يتواجد في الحكومة المقبلة نفس المشهد التمثيلي المكرر

    هو و امثاله لا يهتمون بإحتفالات انتصارات الكتوبر ربما ما يشغلهم يومها هو " ياريت مايجيش يوم جمعة عشان الاجازة ماتضعش"

    ردحذف
  9. الرؤية النقدية للمثقف الحقيقى تفضح ادعياء الثقافة الرسميين اللى مش فاهمين ولا عارفين حاجة ورغم دلك "لايسبن مثقفين" حاجة كدة زى اللى لابسين مزيكة. متعك اللة بالصحة والعافية ويمتعنا ما تكتبين دائما

    ردحذف