الاثنين، 23 سبتمبر 2013

يحتفلون اليوم ببلوغ محمد حسنين هيكل التسعين، وهاكم مشاركتي:


.. هيكل يطل من الفضائية كأنه ناصح أمين!

ليس لي كلما رأيته يطل في زماننا كأنه ناصح أمين سوى أن أستدعي ذكرياتي وأكرر تساؤلاتي:

هل يتصور الأستاذ محمد حسنين هيكل أن معاصريه قد ماتوا كلهم، فلا أحد هناك بقى  ليقول له: اتق الله؟

لم أكن في يوم من الأيام من المعجبين بالأستاذ هيكل، منذ بدأت طالبة صحافة أتمرن في دار أخبار اليوم نوفمبر 1955 وأنا في الثامنة عشرة من عمري. كان "علي ومصطفى أمين"، رحمهما الله رحمة واسعة، صاحبي الدار ورئيسي تحرير الجريدة اليومية "الاخبار" والأسبوعية "أخبار اليوم"، وكان نجم الدار الاول هو الاستاذ محمد حسنين هيكل مؤلف كتاب "إيران فوق بركان"، الكتاب الثالث من سلسلة "كتاب اليوم" الصادر مايو 1951. كان على ومصطفى أمين  في طريقهما إلى بلوغ الثانية والأربعين، وكان هو قد احتفل ببلوغه الثانية والثلاثين ويرأس تحرير مجلة "آخر ساعة"، يحتل غرفة مصطفى أمين السابقة في الدور الأول من بناية أخبار اليوم 6 شارع الصحافة، قبل أن ينتقل التوأمان إلى الطابق الأخير، الذي يطل على عشوائيات عشش الترجمان.

 على الرغم من حكاية "الطابق الأخير" وأناقته وغرفة سكرتاريته التي تضم أكثر من ثلاثة، منهم الكاتبة نعم الباز، إلا أننا لم نشعر أبدا برهبة "الرئاسة" وخوف "التسلط" من المالكين للمال وسياسة التحرير. كانت الصحافة لا تزال بطقسها "الكاجوال"؛ الصغير لا ينحني للكبير والكبير لا يبطش بالصغير، ولمن يحاول، هناك صعود مباشر لصاحبي الدار والشكوى لهما من طغيان من يريد أن يتجبر ويقل ذوقه، فيتم فورا جبر الخاطر للصغير وإعادة الكبير إلى مساره السوي. كانت كل الأبواب مفتوحة، وكانت مهمة السكرتارية فقط هي تنسيق الدخول والانصراف للزائرين كافة. في ظل هذا الطقس الحر الكريم، الذي تربينا عليه مهنيا في دار أخبار اليوم على يد الأستاذين علي ومصطفى أمين، وتربى عليه من قبلنا الأستاذ هيكل، وتمتع به تمتعا كاملا أتاح له البروز والتألق والانتشار، كان هيكل في "آخر ساعة" يؤلف مدرسته المضادة لمنهج الأخوين الديموقراطي: الباب المغلق، الدائرة المغلقة من مجموعة الصحافيين المخصوصة، العازلة، بين هيكل وبقية "شعب" أخبار اليوم! وكنت أشعر، وأنا في تلك السن الصغيرة، أنني لست بحاجة أبدا إلى الاقتراب منه، لا أحادثه ولا أحييه ولا أبادره بابتسامة من تبحث عنده عن فرصة تعلّم مهنية. يهمسون: صديق عبد الناصر فأتعجب:  لماذا لاتجعله هذه الصداقة أكثر اقترابا من الناس وأكثر تراحما مع زملائه؟

لم يلبث الأمر حتى أخذه عبد الناصر ليكون رئيسا لتحرير "الأهرام"، وصاحبها من دون حق امتلاك "شرعي"، وأصبح واضحا التوحد بين عبد الناصر \"السلطة"، وبين هيكل المعبر عن مصالح السلطة والشارح لأهدافها وقراراتها والمبتكر لمصطلحاتها. أعطاه عبد الناصر مبنى "الأهرام" الجديد، الهائل في مواجهة مبنى "أخبار اليوم" الذي تضاءل أمامه يوما بعد يوم، وانكمشت معه مدرسة صحافة "الأبواب المفتوحة"، لتنتفش مدرسة الاحساس المتضخم بالأهمية. وجثم هيكل بأهرامه ومنهجه الإستبدادي على صدر الصحافة المصرية وصحافييها. وأصبح رواد المقاهي من الشعراء والأدباء المهمشين الساخرين يتهكمون ويطلقون عليه "باستيل" الصحافة، إشارة الى سجن الباستيل الفرنسي الشهير الذي كان سقوطه أشهر انتصارات الثورة الفرنسية. اقتنى هيكل كبار الكتاب المصريين، يتباهى بهم في حضرة عبد الناصر لتنحني، مع رؤوسهم، هامات انجازاتهم السابقة قبل أن يسلسلهم باستيل هيكل ويجعلهم يسقطون في أعين أترابهم، ومن كانوا يوما من المقدرين لقدرهم.

في يوم من الأيام، 1968 أو 1969، كنت مع أصدقاء في مقهى الشاي بالهيلتون ومعنا الأديب الدكتور يوسف ادريس والكاتب لطفي الخولي وزوجته ليليان أرقش، وإذا بي أرى يوسف إدريس يكاد يبكي وهو يشكو للطفي الخولي، أن سكرتيرة هيكل (نوال المحلاوي) تعامله بفظاظة و تمنعه من مقابلته. غلى الدم في عروقي، وكنت ساعتها من أشد المقدّرين لفن يوسف إدريس وأراه قوميتي الأدبية، فانبريت أعبر بغضب شديد عن رأيي بأن ظفر أدب يوسف إدريس برقبة كل ما يكتبه هيكل، وأن الواجب أن يطرق هيكل باب يوسف إدريس طالبا التشرف بمقابلته وليس العكس. لم يسعد يوسف إدريس بطول لساني، ارتبك وخاف، تصوّروا؟، وقبل أن ينطق لطفي الخولي بكلمة كان هو المعتذر له عن تطاولي!

هكذا أفسد هيكل من جرى تسميتهم "النخب" و"رموز" مصر، مستفيداً من اقترابه من عبد الناصر، ولو كان حضرته حقا مفكرا وهاديا وعارفا "اللحظات الفارقة" لما أضاع على عبد الناصر، وعلى مصر من ورائه، اللحظات الذهبية، والفرص الباهرة، التي أتاحتها المرحلة من 1952 حتى 1970، والتي كانت قادرة على تحقيق المعجزات لمصر والوطن العربي والشرق الاوسط، و... فلسطيييييين!

لقد توفرت لعبد الناصر عناصر نجاح وانتصار، لم تتوفر لغيره: 1ـ الاجماع العربي، 2ـ محبة الشعب له حتى درجة البلاهة، التي مازال الكثير غارقا فيها، 3ـ الانصياع لقراراته وأوامره بيقين أنه ثقة و يعني ما يقول، 4ـ  مناخ التأييد العالمي لحقوق التحرر ونهضة الشعوب ضد القوى الاحتلالية الامبريالية... الخ، ومع ذلك فإن عبد الناصر ضل وأضل، يوافقه ويدعمه الاستاذ محمد حسنين هيكل بالتبريرات والتعميات والتجهيلات، ثم يأتي، بلا حياء، الآن ليواصل سفسطته كأنه الحكيم الذي لو واتته الفرصة لنفع بها عباد الله!

 لو أن حضرته حقا كان "الحكيم"، الذي يريد أن يلبس اليوم سمته، لفعل ما فعل بيدبا مع الملك الجبار دبشليم، ولقال لعبد الناصر مثلما قال بيدبا لدبشليم:"... أقمت فيما خُوّلت من المُلك وورثت من الأموال والجنود، فلم تقم في ذلك بحق ما يجب عليك، بل طغيت وبغيت وعتوت وعلوت على الرعية، وأسأت السيرة، وعظمت منك البلية، وكان الأولى بك أن.... تحسن النظر برعيتك، وتسن لهم سنن الخير الذي يبقى بعدك ذكره... فإن الجاهل المغتر من استعمل في أموره البطر والأمنية، والحازم اللبيب من ساس الملك بالمداراة والرفق"!

لكن محمد حسنين هيكل لم يقم بواجبه وغرّته الأماني وعليه أن يدرك، وقد بلغ التسعين، أنه مفلس ولا يملك ذرة مصداقية تخوّله لحق التّوعية أوالإدلاء بأي شهادة، ناهيك عن الإطلالة من طاقة عنوانها:"النُصح للبلاد والعباد"!



هناك 10 تعليقات:

  1. صباح الخير فجراً يا استاذة .. اراحنا الله من شر هيكل ومريديه والآخذين بنصيحته اللهم آمين .. يكفى مصر ما جرى لها على يد هؤلاء ولكنه شعب احب عبد الناصر كما ذكرت حضرتك الى حد البله واليوم يخاف ويمسك بتلابيب العسكر الى حد البله مرة اخرى ومن ورائهم هيكل أيضا مرة اخرى .. نفس الأخطاء وستؤدى لنفس النتائج حتماً .. اتوقف عند موقف هيكل من استاذيه مصطفى وعلى أمين .. لا اعلم هل مصطفى امين فعلاً ارتكب ما اتهم به ام لا ولكنى على يقين من وجود دور لهيكل فى ما حدث له .. كما اتعجب يا سيدتى من موقف بعض الكتاب الذين شاركوا فى تشكيل وجداننا كيوسف ادريس ونجيب محفوظ هل طبيعي ان يخشي المبدع مواجهة السلطة ويكتفى بالمعارضة من خلال فنه ؟؟ على أى حال موقفهما ارحم ممن يتطوع بمزيد من تشجيع الفاشية كما يفعل الآن علاء الأسوانى العالمي بلا أمارة .. آسفة على مداخلاتى الكثيرة التى ارجو الا تكون مصدر إزعاج ولكن الصدق الذى ألمسه فى كل حرف تكنبينه لا يجعلنى استطيع مقاومة التعليق فى كل مرة

    ردحذف
    الردود
    1. يا هبة كيف تعتذرين عن فضل؟
      أنا أشكرك لأنك تفتحين نفسي للكلام!
      المدعو علاء الأسواني لايجب أن يُذكر في سياق يوسف إدريس ونجيب محفوظ؛ نعم لقد كانا على غير ما نرجو لكنهما أخلصا لفن الكتابة وكان لديهما قدرة "فن الكتابة" أما سي علاء فهو فقاعة كاذبة لا قيمة لها "غيرش الأيام المدعوقة!" على رأي تعبير نجم!

      إتهام مصطفي أمين جاء من كذابين فكيف نُصدّق تهمة هائلة مثل "تجسس"؟ مصطفى أمين وقع في فخ ملعون نصبه له هيكل بالتأكيد! نعم "خلق الإنسان ضعيفا"، وهناك من يحمي نفسه لكي يتمكن من فضح الفساد من خلال فنه، لكن محفوظ كان أكثر حكمة من يوسف إدريس ولم يتدن لشحاتة جائزة من السفاح صدام حسين ولا من المعتوه القذافي كما فعل يوسف إدريس بنفسه.
      عن إذنك الفجر أذّن، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.

      حذف
  2. حال المبدعين يبعثنى للجنون ففى حين تدفعنى بعض المشاهد فى فيلم الارهاب والكباب للبكاء تأثراً خاصة مشهد النهاية .. أرى الآن وحيد حامد فلا اطيق الاستماع إلى كلامه لدقائق وهو يناقض كل مبدأ نادى به فى افلامه التى اراها جيدة خاصة الاقدم منها ..وفى حين تهزنى من الأعماق كلمات الابنودى فى شىء من الخوف فالأبنودى نفسه بمواقفه الحالية والقديمة مخالفة لهذا الصدق فى أعماله .. أما نجيب محفوظ فأنا واثقة من نقائه وأحسبه كذلك ولكنه أدبه الجم ويكفيه ملحمة الحرافيش التى قرأتها فى يوم واحد وذهبت مساء لطبيب العيون من الاجهاد .. تربيت على حب مصطفى وعلى أمين ولكن لم يعجبنى مصطفى امين كقصاص فى سنة أولى حب مثلا وغيرها طبعا هو صحفى عظيم فى المقام الأول .. أتذكر ان احد الناصريين كتب انه عاش يكفر عن جريمة التجسس من خلال باب ليلة القدر .. ربنا يرحمنا من الناصريين بقى

    ردحذف
    الردود
    1. ليلة القدر بدأت في دار أخبار اليوم بين عامي 1955 و 1956، وكان لي شرف اختياري من على ومصطفى أمين لأغطيها تحت إرشاد الصحفي المحترم صلاح جلال الذي تعلمت منه الكثير في هذه الجولات وكان معنا المصوّر الأستاذ حسن دياب، وكانت تغطيتنا تنشر يوميا في جريدة الأخبار وهذا كله قبل حكاية إتهام مصطفى أمين سنة 1964، فكيف يستقيم أنه عاش يُكفّر عن جريمة ظلّ يكذبها حتى لقى ربه؟

      هل رأيت الصفحة الأخيرة اليوم في الأهرام؟ فُرجة!

      حذف
  3. لدى المثقفين والكتاب المصريين _ إلا من رحم ربى _ قرون استشعار تتحسس إتجاه الريح قادتهم إلى معرفة ان هيكل هو المرشد الروحى لأكبر راس فى الدولة عملياً فكانت هذه الصفحة الفخمة الضخمة والتهنئة التى تفوق الإحتفال بالمولد النبوى .. فالإحتفاء بهيكل هو تقدير للسيسي وكأن اربعون عاما لم تنقضي ولا تغير فى المحروسة شيء ولفتنى عمود صلاح منتصر خاصة المقطع المؤثر ( وبعد معركة كفاح قاس فيها الكثير مع صاحبى أخبار اليوم لإقناعهما بكفاءته أصبح هيكل نجم الدار الأول الذى أثار غيرة الآخرين وجعلهم يضعون أمام صاحبى الدار للإختيار بينهم أو هيكل وكانت النتيجة مزيدا من الانطلاق لهيكل ) .. حتى الاستاذ فاروق جويدة يشارك فى الاحتفال بالمولد .. لك الله يا استاذة كيف تحملت شخصية واضحة و(دوغرى )مثل حضرتك هذا الجو فى دهاليز الصحافة فى مصر .. إحترامى وتحياتى

    ردحذف
    الردود
    1. أدهشتني جملة (حتى الأستاذ فاروق جويدة) ياساتر ياهبة أوكنت تعقدي عليه الآمال؟ لا حول ولا قوّة إلا بالله! أساسا أنا أغمض عيني حتى أعبر اسمه وكتاباته من دون إصابات!

      ابتسمت لقولك "التي تفوق الاحتفال بالمولد النبوي"!

      حذف
  4. الأستاذة الفاضلة ألف تحية من الجزائر
    "اقتنى هيكل كبار الكتاب المصريين، يتباهى بهم في حضرة عبد الناصر لتنحني، مع رؤوسهم، هامات انجازاتهم السابقة قبل أن يسلسلهم باستيل هيكل ويجعلهم يسقطون في أعين أترابهم، ومن كانوا يوما من المقدرين لقدرهم "
    تمنيت لو توسعت الأستاذة في هذه الفقرة لأنني اعرف أن من ضمن من استكتبهم هيكل كان الأديب الكبير توفيق الحكيم

    ردحذف
  5. طبعا يانور الدين كان توفيق الحكيم أسبقهم!

    ردحذف
  6. الي الاستاذة الفاضلة
    استمتع دائما بكتابتك واسلوبك المحبب الذي يصل للقلب دائما وهذا دليل واضح علي صدقه.اقرأ كتاباتك لاتعلم واعرف الكثير عن تاريخ لم اعشه
    فقدت الاهرام الكثير من مصداقيتها في الفترة السابقة نتيجة لتحولها حسب تغير الانظمة مبارك ، اخوان
    واعلان هيكل في الصفحة الاخيرة مستفز جدا واضح جدا اننا نعيد اخطاء الماضي
    يا تري من دفع تكاليف هذا الاعلان ؟

    ردحذف