الجمعة، 8 نوفمبر 2013

بمناسبة اعادة إعتقال ابنها ظلما أتذكر هذه الأم الباسلة:

يوم الخميس 24 أكتوبر 2013 تم إعتقال نجيب عبد الفتاح إسماعيل ابن الحاجة عائشة إسماعيل رحمها الله، التي أحكي هنا حكايتها وحكايته:

الحاجّة عائشــــــــــة إسماعيل

تستحق مني هذه "السيدة الأولى" أن أكتب عنها متذكرة بطولتها واحتمالها الخارق للعادة؛ الحاجة "عائشة اسماعيل"، التي انتقلت إلى رحمة الله قبل عصر الثلاثاء 11 سبتمبر 2012، هي واحدة من سيدات مصرالأوَل - بالضمّة على همزة الألف والفتحة على الواو- اللاتي لا ينتظرن من بشر جزاء ولا شكورا، من الأمهات اللاتي تنقلن من سجن لآخر بالمشوار، من قبلي إلى بحري، وراء فلذات أكبادهن المعتقلين ظلما تحمل الزاد، الذي كان غالبا ما يلقى به على رمال الصحراء في الوادي الجديد بعد رحلة ســفر شــــاقة، ومعها طابور طويل من رفيقاتها، من بلدتها الدمياطية سواحل كفر البطيخ. بلاد شالتها وبلاد حطتها،على طول سنوات العهد الساداتي و عهد مبارك، اعتقل  كل رجال عائلتها وعلى رأسهم ابنها، الذي استمر اعتقاله منذ 1994 حتى 2009، من دون محاكمة، من دون حكم قضائي، و كل عيد كانت الحاجة عائشة تقول :"يمكن يفرج عنه هذه المرة"، وهيهات!  تقدم التظلمات وتتعشم في إخلاء سبيل تقرره النيابة، وهيهات!  وحين ارتاحت الحاجة عائشـــة عندما اســـتقر ابنها لبعض الوقت في ســـجن وادي النطرون، لقربه نســــبيا من دمياط، لم يدم لها هذا "الهناء!"؛ إذ في لحظة انتظارها للعيد وأملها "يمكن يفرجوا عنه هذه المرة" جاءتها الأنباء التي هدت حيلها "أخذوا ابنك على ســجن الخارجة..."، أين هذا الســـجن؟ و كيف يمكن وقد تعدت الســــبعين وتئن من آلام الظهر والمفاصل وأوجاع الركبة أن تجول وتصول مع المركبات والمســافات كســابق عهدها القادر على الصبر والإحتمال؟

أتذكر صوتها الذي جاءني مزغردا عبر الهاتف الساعة السادسة صباح السبت 7 نوفمبر 2009 : "أفرجوا عن نجيب !". أخيرا ؟ بعد إعتقال دام 15 سنة  كبر خلالها أطفاله: عمار وخباب والبراء وعبد الفتاح وأنس وسالم وعاتكة ، حتى صاروا عرسانا! أضاحكها: "أنا عرفت ياحاجة عائشة سبب إعتقالهم نجيب: ده كان عشان أسامي ولاده!".

نعم إنها الصابرة عائشة اسماعيل، "أم نجيب" التي أناديها "أم أمل" نسبة إلى إبنتها التي قابلتها في سجن القناطر للنساء؛ حين تم اعتقالها واعتقالي  فجر 3 سبتمبر 1981 ضمن القطفة الأولى لما يسمى الآن "اعتقالات سبتمبر 1981 الشهيرة"، وكانت أمل عروس في الثامنة عشر من عمرها في شهور حملها الأولى، وحين أتى يوم الإفراج عني  في 25 نوفمبر 1981 أعطتني خطابا  كتبته  إلى أمها، ما أن استلمت الحاجة عائشة خطاب إبنتها حتى وجدتها تدق بابي ديسمبر 1981 لتستمر صداقتنا  حتى رحيلها إلى بارئها.

 كانت مســاعي الدكتورأحمد فتحي سرور، قد نجحت في إعادة المعتقل نجيب عبد الفتاح إسماعيل، مارس 2009، إلى السجن القريب من أهله؛  إذ بعد أن قرأت في 9 ديسمبر 2008  مقالا للدكتور  بعنوان "حقوق الإنسان بين الشعار والتطبيق"، نشرته جريدة الأهرام  في إطار إحياء الذكرى الـ 60 للإعلان العالمي لحقوق الإنســـان،  نهش الحزن قلبي وصوت الحاجة عائشــة اسماعيل لايفارق أذني: "رحلوا نجيب على ســجن الخارجة...."،  أسرعت أهاتفه وأنقل إليه صرخة الحاجة عائشة: ماذا تكون إجابتك لهذه السيدة  يا رئيس مجلس الشعب؟،  طالبته بالإفراج عن المعتقل بضمان أمه لكنهم قالوا له إنه من الخطرين وفقا لقاعدة تجفيف المنابع!  قلت له: طيب يعود ، على الأقل، إلى المعتقل القريب من أهله!  لبى الرجل الرجاء ونجحت مســاعيه. هاتفته أشكره : نصف الظلم ولا الظلم كله يادكتور أحمد فتحي سرور!

  غير أن الله شاء صباح السبت 7 نوفمبر 2009 أن يرفع عن المظلوم الظلم كله ولو بعد حين، فحمدنا الله رب العالمين.

ثم قامت ثورة 25 يناير 2011 فحمدنا الله أكثر وأكثر، وذهبنا للإنتخابات مرة للبرلمان، ومرة للدستور، ومرة لمجلس الشورى، ومرة لرئاسة الجمهورية، ثم كان ما كان، وبعده كان ما كان، حتى أصبحنا مع ماهو كائن!

وعاد نجيب، البالغ 60 عاما، ليبتلي، هو و7 أبرياء معه، بدورة الظلم الجديد من جديد! ولم لا وقد عادت دولة مباحث أمن الدولة، بيدها التي من نار وحديد، تمارس براعتها الفائقة في الظلم الغاشم بملفات تراثها الغبي الغني بتهم الزور والإفك والبهتان تنثرها كما تحب وتشاء على عباد الله وسط تصفيق حاد من جمهرة الوحوش الإعلامية التي تمتد من أول لميس الحديدي حتى عمرو عبد السميع مرورا بكل الرهط المعروف لدى من لايزال لديه حتى الآن القدرة على مشاهدة التلفزيون ومتابعة ما تمت تسميته: "الإعلاااااااممممممم"!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق