السبت، 30 نوفمبر 2013

عبد الوهاب يوسف وجمال الوردة

لايمكن أن تنمحي من ذاكرتي وذاكرة الكثير من جيلي البهجة التي أشاعتها الإذاعة المصرية في طفولتنا، التي هي في حالتي تبدأ من وعيي بها وعمري 6 سنوات من 1943، حتى تم تحولها من "فن إذاعي" إلى "إعلام"! لازلت أذكر برنامج  "الشاطر حسن"، لا أعلم  من كتبه جميلا كما كان ولعل مخرجه هو حافظ عبد الوهاب، لكنني أتذكر جيدا حوارا دار بين عبقرى الفن الإذاعي عبد الوهاب يوسف صاحب الصوت نادر الجمال يؤدي دور "الشاطر حسن" أمام الأميرة "بدور"، التي كانت فاتن حمامة وكانت في ذلك الحين، عام 1945 صبية لم تتجاوز الرابعة عشرة، قدّمت بدور إلى الشاطر حسن وردة فزغردت مشاعر الشاطر حسن تعبر بقوله: "أوصف جمال الوردة وللا جمال صاحبتها؟ تسلم الايدين اللي شالتها والعينين اللي شافتها والشفايف اللي باستها...." فتلاحقه بدور : "يالللا يا شاطر حسن لحسن فوقنا رقيب عن عباده مايغيب  لحسن تطول غيبتي تسأل عليّ نينتي.."، هذه مقتطفات أحفظها من الطفولة، كان التآلف المنغم بين الصوتين يعطينا الإحساس المطلوب بشفافية وعذرية ذلك الحب الطاهر بين بدور والشاطر حسن.

إلتحق عبد الوهاب يوسف بالإذاعة عام 1941 بعد محمد محمود شعبان \ بابا شارو بعامين ، وحين علمنا بوفاته من الإذاعة صباح 29 نوفمبر 1951 كان قد مر على عمله بالإذاعة 10 سنوات فحسب ومع ذلك تألق اسمه خلال تلك الفترة الوجيزة تألقا باقية آثاره في أسماع من عاصروه من المستمعين أطفالا وصبيانا وصبايا وشبابا، وكثير منهم على قيد الحياة على ألسنتهم تعجب كيف لا تحتفي الإذاعة حاليا بذكراه وتراثه؟

لقد كان عبد الوهاب يوسف ومحمد محمود شعان من أقطاب الفن الإذاعي يتنافسان تنافس الموهوبين المتذوقين لكل مصادر الجمال لكن بابا شارو كان من نصيبه أن يقدم فنه على مدار نصف قرن كامل، منذ التحاقه بالإذاعة عام 1939 حتى تاريخ رحيله إلى رحمة الله 9\ 1 \ 1999، وكان يرى أن تكريمه يتضمن تكريم رعيل كامل من الرواد الإذاعيين مثل كروان الإذاعة محمد فتحي وحافظ عبد الوهاب وأنور المشري وغيرهم.


عاش هؤلاء الرواد فترات متفاوته في الطول والقصر وكانت أقصرها بلا شك الفترة الإذاعية التي عاشها عبد الوهاب يوسف صاحب برامج "خوفو" و"على بابا" و"غروب" و"السيرة العطرة"، وتطول القائمة العملاقة من أعماله التي لم يقتصر فيها عمله على الإخراج فقد شارك ممثلا إذاعيا مبدعا بلهجات مختلفة يمثل في قطر الندى "أبو شوق" مربيها العجوز، و"حمدان" العاشق الولهان في "راوية" و"موشاه" الحائر الفيلسوف يشكو للبحر في "جزر هاواي" و"البدوي" تاجر الأحجار الكريمة في "عوف الأصيل" والراوي المتبتل في "السيرة العطرة"، سيرة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم؛ فصحاه لآلئ منطوقة وعاميته لبقة ظريفة ضاحكة بشوشة.

عندما كان يُخرج برنامجه "قطر الندى" وكان من المفترض أن تؤدي فاتن حمامة دور قطر الندى بنت خمارويه الأميرة المصرية التي تزف إلى خليفة بغداد، غابت فاتن حمامة عن موعد التسجيل لسبب ما وتحكي لي الأستاذة صفية المهندس رحمها الله أن عبد الوهاب يوسف جاء إليها مهرولا وجذبها إلى الإستديو قائلا: أنت سوف تقومين بدور قطر الندى! وقامت صفية المهندس بإنقاذ الموقف خير قيام وأدت دور قطر الندى بصوت لائق بأميرة مُعززة مُكرّمة، في عذوبة متناهية، بتشجيع المخرج عبد الوهاب يوسف الذي أعطاها الثقة التي بددت خوفها وترددها.

آثار إذاعية باهرة نسميها "كلاسيكيات الإذاعة"  كان يجب أن تتوفر في منافذ البيع بصوت القاهرة، التابع لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، لكنها والحمد لله توفرت على الشبكة العنكبوتية حتى التائه منها مثل "راوية"، من إخراج حافظ عبد الوهاب بطولة عبد الوهاب يوسف وزوزو نبيل وغناء كارم محمود وشافية أحمد وألحان أحمد صدقي، هذا البرنامج الذي بلغ تأثيره في مستمعيه أن معظم مواليد سنة إذاعته، عام 1943 ، من الإناث كانت أسماؤهم "راوية"!

شكرا للشبكة العنكبوتية التي أعادتني بذكرياتي إلى جمال الوردة؛ إلى فنون الإذاعة، إلى نجوم فناني التمثيل الإذاعي: محمد علوان وصلاح منصور ومحمد الطوخي وعبد الرحيم الزرقاني و زوزو نبيل وشريفة فاضل، وغناء كارم محمود وعباس البليدي وشافية أحمد، وإلى الجنود المجهولين من مؤلفي وملحني هذا التراث المداوي لبعض جراح الضيق والسماجة: عبد الفتاح مصطفى وإبرهيم رجب وطاهر أبو فاشا وعبد القادر محمود، ومرسي جميل عزيز والموسيقيين أحمد صدقي ومحمود الشريف وعبد الحليم علي وسيد مصطفى و عازف ومغني الربابة السيد فرج السيد وغيرهم الذي لا تسعفني بهم الذاكرة حاليا، شكرا لمن يساعدنا بتذكر الفطاحل الذين كدنا ننساهم بسبب استمرار الردم على أعمالهم وأسمائهم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق